سليمان شفيق
الفانوس جزء من مكزنات تقاليد المصريين في رمضان ولا يوجد مواطن مصري لم ينسك فانوس في طفولته ولف به في الحي مغنيا ( وحوي يا وحوي ايوحا )

استخدم الفانوس في  مصر ليلا في الإضاءة وزيارة الأصدقاء والأقارب. أما كلمة الفانوس فهي إغريقية تشير إلى إحدى وسائل الإضاءة، وفي بعض اللغات السامية يقال للفانوس فيها فناس،ويذكر الفيروز أبادي مؤلف القاموس المحيط، أن المعني الأصلي للفانوس هو "النمام" ويرجع صاحب القاموس تسميته بهذا الاسم إلي أنه يظهر حامله وسط الظلام والكلمة بهذا المعني معروفه.

أول من عرف فانوس رمضان هم المصريين .. وذلك يوم دخول المعز لدين الله الفاطمي مدينة القاهرة قادما من الغرب .. وكان ذلك في يوم الخامس من رمضان عام 358 هجرية .. وخرج المصريون في موكب كبير جدا اشترك فيه الرجال والنساء والأطفال على أطراف الصحراء الغربية من ناحية الجيزة للترحيب بالمعز الذي وصل ليلا .. وكانوا يحملون المشاعل والفوانيس الملونة والمزينة وذلك لإضاءة الطريق إليه .. وهكذا بقيت الفوانيس تضئ الشوارع حتى آخر شهر رمضان .. لتصبح عادة يلتزم بها كل سنة .. ويتحول الفانوس رمزا للفرحة وتقليدا محببا في شهر رمضان ..

وهناك العديد من القصص عن أصل الفانوس. أحد هذه القصص أن الخليفة الفاطمي كان يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه ليضيؤوا له الطريق.كان كل طفل يحمل فانوسه ويقوم الأطفال معاً بغناء بعض الأغاني الجميلة تعبيراً عن سعادتهم باستقبال شهر رمضان.

هناك قصة أخرى عن أحد الخلفاء الفاطميين أنه أراد أن يضئ شوارع القاهرة طوال ليالي شهر رمضان، فأمر كل شيوخ المساجد بتعليق فوانيس يتم إضاءتها عن طريق شموع توضع بداخلها.وتروى قصة ثالثة أنه خلال العصر الفاطمي، لم يكن يُسمح للنساء بترك بيوتهن إلا في شهر رمضان وكان يسبقهن غلام يحمل فانوساً لتنبيه الرجال بوجود سيدة في الطريق لكي يبتعدوا. بهذا الشكل كانت النساء تستمتعن بالخروج وفي نفس الوقت لا يراهن الرجال. وبعد أن أصبح للسيدات

حرية الخروج في أي وقت، ظل الناس متمسكين بتقليد الفانوس حيث يحمل الأطفال الفوانيس ويمشون في الشوارع ويغنون.

أياً كان أصل الفانوس، يظل الفانوس رمز خاص بشهر رمضان خاصةً في مصر. لقد انتقل هذا التقليد من جيل إلى جيل ويقوم الأطفال الآن بحمل الفوانيس في شهر رمضان والخروج إلى الشوارع وهم يغنون ويؤرجحون الفوانيس. قبل رمضان ببضعة أيام، يبدأ كل طفل في التطلع لشراء فانوسه، كما أن كثير من الناس أصبحوا يعلقون فوانيس كبيرة ملونة في الشوارع وأمام البيوت والشقق وحتى على الشجر.

انتقلت فكرة الفانوس المصري إلى أغلب الدول العربية وأصبح جزء من تقاليد شهر رمضان لاسيما في دمشق وحلب والقدس وغزة وغيرها.

ليست صناعة الفوانيس صناعة موسمية، ولكنها مستمرة طوال العام حيث يتفنن صناعها في ابتكار أشكال ونماذج مختلفة، وتخزينها ليتم عرضها للبيع في رمضان الذي يعد موسم رواج هذه الصناعة.وتعد مدينة القاهرة المصرية من أهم المدن الإسلامية التي تزدهر فيها هذه الصناعة.وهناك مناطق معينة مثل منطقة تحت الربع القريبة من حي الأزهر.. والغورية.. ومنطقة بركة الفيل بالسيدة زينب من أهم المناطق التي تخصصت في صناعة الفوانيس.

وتوجد بعض الفوانيس المعقدة من ناحية تصميمها مثل الفانوس المعروف "بالبرلمان "والذي سمى بذلك نسبة إلى فانوس مشابه كان معلقا في قاعة البرلمان المصري في الثلاثينات من القرن الماضي.وكذلك الفانوس المسمى "فاروق" والذي

كان الملك السابق يعلق من خمسمائة في القصر الملكي وحولة.

وقد ظلت صناعة الفانوس تتطور عبر الأزمان حتى ظهر الفانوس الكهربائى الذي يعتمد في إضائته على البطارية واللمبة بدلا من الشمعة.ولم يقف التطور عند هذا الحد بل غزت الصين مصر ودول العالم الإسلامي بصناعة الفانوس الصينى الذي يضيء ويتكلم ويتحرك بل تحول الأمر إلى ظهور أشكال أخرى غير الفانوس ولكن لا تباع إلا في رمضان تحت اسم "الفانوس". رحم الله الأيام فقد تغير الفانوس وتبدل وأصبح نادرا ما ترى طفلا يمسك بالفانوس الزجاجى الملون المحتضن للشمعة المضيئة.

وحوي يا وحوي :
"وحوى يا وحوي إياحا".. أغنية كل رمضان التي تعود عليها المصريون لاستقبال شهر رمضان الكريم وتم تصنيعها داخل الفوانيس ويشغلها الأطفال لاستقبال ليالي رمضان.

يقول خبير الآثار عبدالعزيز عبدالعظيم،  لصحيفة الدستورعن أصل كلمة "وحوى يا وحوي" التاريخية: "وحوى يا وحوى لغة فرعونية بمعنى أهلا ومرحبا"،اما كلمة

" إياحا" فهو اسم أم أحمس التى كونت جيشا عظيما وحاربت الهكسوس وانتصرت عليهم وحين عودتها احتفل بها المصريون واستقبلوها بالترحيب وحوى يا وحوى إياحا، ويقال إن أصل هذه العبارة يرجع إلى نهاية الأسرة السابعة عشرة عندما انتفض الشعب المصري لطرد الهكسوس، وكانت الملكة "إياح حتب" قد قتل زوجها "سقنن رع" أثناء الحرب مع الهكسوس ثم قتل ابنها "كاموس" أيضا، فأقسمت الملكة أن تنتقم من الهكسوس وقدمت ابنها القائد "أحمس" لقيادة الجيش، وكذلك قدمت ابنتها الملكة "نفرتاري" التي كانت زوجة لأحمس وقادت كتيبة من كتائب الجيش، واستطاعوا أن ينتصروا عليهم، ويطردوهم ويعيدوا مصر للمصريين.

وعند عودتهم منتصرين، خرج الشعب يحيي الملكة "إياح حتب" اعترافا بفضلها ودورها العظيم في تحرير مصر، واستقبلوها بالورود والزينة، وكانوا يقولون: "واح واح إياح" أي "تعيش تعيش إياح"، ويعني اسم "إياح" وُلِد القمر أو الهلال.

وكان المصريون يرددون هذه العبارة عند ميلاد الهلال كل شهر، وبعد انتشار اللغة العربية في مصر، تحورت هذه العبارة وأصبحت "وحوي يا وحوي إياحا"، وارتبطت بقدوم شهر رمضان والفانوس الصفيح.

ويقال أيضا إن عبارة "وحوي يا وحوي إياحا" أصلها يرجع إلى اللغة القبطية، وتعني كلمة "وحوي" اقتربوا، وتعني كلمة "إياحا" الهلال أي أن معنى العبارة هو "اقتربوا لرؤية الهلال".

فكلمة إياح معناها "قمر" وحتب معناها "الزمان"، وبالتالي فالسيدة اسمها "قمر الزمان"، أما كلمة "وحوي" الفرعونية فمعناها مرحبًا أو أهلًا.

وهكذا وتقديرًا للتضحيات وللدور البطولي لـ«إياحة» خرج المصريون حاملين المشاعل والمصابيح وهم يهتفون لها: وحوي إياحة أي مرحبًا يا قمر، أو أهلًا يا قمر وهكذا أصبحت وحوي إياحة، أو أهلًا يا قمر، تعويذة المصريين وشعارهم لاستقبال كل قمر يحبونه وعلى رأسه قمر رمضان.