قصّة للأطفال  :
زهير عزيز دعيم
هنالك على شاطئ البحيرة الصّغيرة الهادئة، عاشت العنزة " كحلاء" وجداؤها الثلاثة عيشة سعيدة ، ينعمون بماء البُحيرة الصّافي وأكل البرسيم الأخضر الطّريّ الذي يزرعونه في حقلهم الصّغير، في أحد الأيام الصّيفيّة وحين كانت العنزة كحلاء وجداؤها يستحمون في مياه البحيرة، جاء ثور كبير وأخذ يشرب من البحيرة، فخاف الجداء خوفًا شديدًا وأخذوا يستغيثون بأمّهم، فهذه أوّل مرّة يروْن فيها هذا الحيوان الغريب والضّخم.
 
هدّأت العنزة الأم من خوف صغارها وقالت : "لا تخافوا يا صغاري، فهذا الحيوان هو قريبنا ويُدعى الثّور ويأكل الأعشاب مثلنا ".
 
رحّبت العنزة وجداؤها بالثور، ودعوه ليشاركهم في تناول البرسيم، لبّى الثور الدّعوة شاكرًا، وأكل فَرِحًا، في حين راح الجِداء يدورون حوله مُستغربين. تمتّع الثور بمنظر البحيرة الخلاّب وبأكل البِرسيم الأخضر ، فقرّر أن يبقى هناك ولا يرحل.
 
لم تتضايق العنزة كحلاء من قرار الثور، رغم انّه لم يسألها، ورغم انه كان يأكل كميّة كبيرة من البرسيم كلّ يوم، ومرت الأيام ونفد البرسيم من الحقل، فعزمت العنزة على حرث الحقل الصغير وزرعه بالبرسيم من جديد، توجّهت العنزة إلى الثور ، وطلبت منه أن يساعدها في حِراثة الحقل ، فرفضَ قائلا : "لا ...فأنا قد مللت هذا العمل ، وقد هربت من بيت صاحبي الفلاح بسببه". حرثت العنزة وصغارها الحقل وزرعوه بالبرسيم وسقوه من ماء البُحيرة ، في حين راح الثور يتفرّج ويضحك، وما ان نما الزّرع واخضرَّ، حتى حضر الثور إلى بيت العنزة واخبرها بغضب وحزم بأنّ عليها ترك الحقل الصغير المزروع بالبرسيم ، فهو يعود لأبيه !!
 
بكتِ العنزة وتوسلت أن يتركها وأمرها ، ولكن الثور ظلَّ مُصرًّا على رأيه.
 
" يا لَكَ من ظالم ، أهذا جزاء المعروف " قالت العنزة الامّ والدّموع تسيل على خدّيها وهي تنتقل مع جدائها الى جهة أخرى من البحيرة .
 
بعد عدة أيام ، وبينما كانت العنزة كحلاء مشغولة بأعمال البيت، غافلها الجداء الثلاثة وخرجوا خارجًا وأخذوا يقفزون فوق الصّخور والحجارة والأزهار.
عندما انتهت العنزة الامّ من عملها ، نادت صغارها ، فلم تسمع جوابًا ، فنادت ثانيةً وثالثة ، ولكن دون جدوى ، فقفزَ قلبُها خوفًا ، وأخذت تركض في الحقول تبحث عنهم وتنادي بأعلى صوتها .
 
وصلت كحلاء دون أن تدري إلى حقل البرسيم ، حقلها القديم ، فوقفت هناك برهة صامتة حزينة ، تذكّرت فيها أيامها السّعيدة الماضية ، ثمّ دخلت وهي تقول في نفسها : " ربّما شدّهم الحنين !! مَنْ يدري؟ ".
 
وكم كانت فرحتها عظيمة ، حين رأت جداءها يقضمون على مَهَل البرسيم الأخضر الطّريّ.
عانقت الامّ صغارها مُعاتبةً : لماذا خرجتم يا صغاري دون إذني؟ 
 
ألا تخافون من الذئب الشرِس أو الثور الغاضب ؟ .
اعتذرَ الجداء الواحد تلو الآخَر قائلين : سامحيني يا امّي ، سامحيني يا امّي .
 
لا بأس قالت العنزة ، وأرجو أن لا تعودوا لمثل هذا العمل ثانية.
سمعت العنزة الامّ أنينًا آتيًا من إحدى زوايا الحقل ، فذهبت إلى هناك ويا هول ما رأت ! رأت الثور الكبير مطروحًا على الأرض والدّماء تسيل منه.
 
" لقد اشتبكتُ مع أسدٍ كبير " قال الثور لاهثًا ، ولقد نجوت منه بأعجوبة.
أسرعت العنزة إلى بيتها ، بعد أن أوصت صغارها بانتظارها في الحقل، لتعود بعد قليل حاملة اليود والضمادات.
 
ضمدّت العنزة جِراحَ الثور ، وهو يعتذر لها وينظر اليها بانكسارٍ وخجل وندم.
تمنّت العنزة للثور السّلامة وهمّت بالخروج هي وجداؤها ، ولكن الثور أبى الا أن يخرج هو قائلاً : "سامحوني ، لقد كنتُ معكم قاسيًا وظالمًا ، أنتم أصحاب الحقل .....أنا سأسكن بجانب البحيرة الآخَر ، وسأحرث لكم الحقل في كُلِّ موسمٍ ، وداعًا... وداعًا .
 
وتحامل الثور على نفسه وهو يخرج من الحقل ، والعنزة وصغارها يُلوّحون له والدّموع تسيل على خدودهم.