كانت ناتالي من قبل هي معلمة موسيقى الشابة التي تتمتع بالجمال والرقي، قبل أن تسوء الأحوال عاما تلو الآخر، حتى صارت المرأة العجوز الفقيرة التي تعاني من العمى الجزئي، إضافة إلى ظروف الحياة القاسية، كل هذا قبل أن يظهر فريق عمل ملهم نجح في قلب الأمور رأسا على عقب، فماذا حدث؟

معلمة الموسيقى
منذ نحو عامين، ظهر في روسيا مشروع “The Word of the Man” أو كلمة الرجل، عبر صفحات الإنترنت وتحديدا من خلال موقع يوتيوب، حيث أمل خلاله صاحبه رومان وصديقة حامل الكاميرا ديميتري، أن يطوفا شوارع العاصمة موسكو، من أجل تقديم المساعدة للفقراء وكبار السن ومتحدي الإعاقة، باعتباره مشروعا ملهما قد يساهم في توعية المواطنين بضرورة مساعدة الآخرين.

صارت الأمور بطريقة تقليدية حتى قابل أصحاب المشروع الرائع بالصدفة السيدة ناتالي أليكسندروفنا، ابنة الـ62 عاما، في ظروف شديدة المأساوية، حيث فوجئا بامرأة عجوز تكاد لا ترى وتسير بصعوبة شديدة، وهي تبحث عن الطعام في القمامة.

ذهب الرجلان إلى ناتالي متوقعين أن تكون امرأة غير سوية عقليا، ربما اعتادت على فعل هذا الأمر من شدة احتياجها، إلا أن المفاجأة تلخصت هنا في كونها معلمة موسيقى ورسم سابقة، كان بإمكانها العزف على البيانو بمنتهى البراعة قبل أن يسوء وضعها المالي والصحي لتلك الدرجة المحزنة.

طوق النجاة

لم يكتف أصحاب مشروع كلمة الرجل، بتقديم الطعام أو المال لناتالي كما هو معتاد في تلك الحالات، بل أرادوا أن يعلموا قصتها الكاملة، لتحكي لهم عن سوء وضعها بعد معاناة ابنها الشاب من الصرع، وبعد إصابة ابنتها بالاكتئاب ومحاولتها الانتحار منذ أقل من عامين، لتبقى الأم وحيدة في مواجهة ظروف الحياة الصعبة حتى أصيبت هي الأخرى بأزمة صحية، أدت إلى صعوبة حركتها ومعاناتها من العمى الكامل بإحدى العينين والجزئي بالعين الأخرى.

لم يصدق الرجال أعينهم وهم يروا المنزل المتواضع الذي لا تصله الكهرباء والذي صارت تعيش فيه ناتالي، بعدما أنفقت أموالها في العلاج، فيما لا يتبقى بعد تسديد إيجار هذا المنزل إلا الفتات، وهي الأمور التي لم تدفع نالتالي على الرغم من ذلك إلى طلب المساعدة من أحد طلابها السابقين، أو من زوجها السابق حتى والذي تركته بعد اكتشاف خيانته، لتقوم وحدها بتربية الابن والابنة.

حياة أخرى

بينما نظر فريق كلمة الرجل إلى الصور الفوتغرافية القديمة للسيدة نالتالي مع أسرتها الصغيرة، شعروا بأن عليهم القيام بتغيير الأمور إلى الأفضل دون تأجيل، فقاموا في البداية بتسديد فواتير الكهرباء، أخذوها إلى أحد أطباء العيون على أمل إنقاذ الموقف، قبل شراء ثلاجة وموقد وعدد من أجهزة المنزل التقليدية التي افتقدتها ناتالي على مدار سنوات.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قاموا باستئجار منزل أفضل لنالتالي وبشراء بعض الملابس الجديدة لها، قبل أن تخضع المعلمة السابقة لجراحات في العين والأسنان، لتسترد بعضا من قوتها.

يحتوي منزل نالتالي الآن على كل ما تحتاجه، بل لم ينس الفريق الملهم وضع الآلة الموسيقية المفضلة لنالتالي وهي البيانو فيه، قبل أن يفاجؤوا بتواصل واحدة من طلابها السابقين معها والتي بكت بحرارة مع رؤيتها بعد تلك السنوات الطويلة.

ربما اكتملت سعادة ناتالي الآن مع تلقيها دعوة من إحدى المدارس، من أجل تقديم حصص إضافية في مجالها المفضل، حيث صارت معلمة الموسيقى والرسم تشعر الآن بأن حياتها الطبيعية عادت إليها من جديد، والفضل يعود إلى مجموعة من الرجال الملهمين، الذين نحلم بأن يتمثل بهم الآلاف بل والملايين من البشر.