تحديات علمية في مواجهة علوم التطور (4)
"النيل يأتينا من الظلمات ليملأ الأكوان بالخيرات، يروي نداه أنضر الحدائق، وينبت الأرزاق للخلائق كأنه يأتي من السماء، ليمنح الحياة للأحياء يحيي موات الأرض في النواحي كأنه من عاملي فتاح" من الأناشيد الفرعونية عن النيل'>نهر النيل

قارئي العزيز
مازلنا في مجال طرح الأسئلة على فرضية التطور ومليارات السنين التي تفترضها، وكما ذكرنا في الحلقات السابقة هناك قياسات علمية لا تقبل الجدل تجزم بعدم إمكانية وجود مثل تلك المليارات العديدة من السنين التي تريد نظرية التطور منا ان نصدقها بدون ان نسأل او نفحص، واما في هذه السلسلة فنحن نسأل ونفحص ونطالب بالرد العلمي المقاس وليس بفرضيات.

المقياس اليوم يتعلق بشريان الحياة في مصر، النيل ذلك النهر العظيم الساحر المليء بالأسرار هو بدون منازع اكسير الحضارة المصرية الرائعة. هذا النيل حمل ويحمل معه ملايين الأطنان من الطمي عاما بعد عام والتساؤل البسيط الذي نقدمه هو، من اين أتي ويأتي كل طمي النيل؟ وأيضا اين ذهب ويذهب كل هذا الطمي؟ وهل يحتمل النهر كل تلك المليارات او حتى الملايين من السنين التي تفترضها نظرية التطور؟ هذا هو موضوعنا اليوم.

هل يمكن تقدير عمر النيل'>نهر النيل؟
يقدر معظم علماء التطور عمر النيل'>نهر النيل بحوالي 30 مليون سنة، بل بلغ تقديره في دراسة حديثة لجامعة تكساس حوالي ستة اضعاف هذا المقدار، أي 180 مليون سنة، ونحن الآن بصدد وضع هذه التقديرات تحت مجهر التفاصيل.

ما هو مقدار الطمي الآتي مع النيل؟
باتت الإجابة على ذلك السؤال منذ بناء السد العالي في أواخر ستينات القرن العشرين عسيرة من وجهة النظر المصرية حيث يحجز السد العالي خلفه القدر الأعظم من ذلك الطمي، لذلك علينا الرجوع بالأكثر تجاه منابع النيل لنستطيع الوصول الى قياس أفضل لمقدار الطمي.
في دراسة  قدمتها منظمة اليونسكو سنة 2008 عن النيل وترسيباته نجد ان 95% من الطمي الذي يصل الي الأراضي المصرية يأتي من هضاب اثيوبيا وجبالها، وعن مقدار هذا الطمي تقول الدراسة :
"The Ethiopian Highlands Reclamation Study (EHRS) of 1984 for erosion assessment concluded that 1900 million tons of soil were annually eroded from the Highlands, which is equivalent to an average net of 100 tons/ha soil loss, i.e. 8 mm depth annual soil loss."

"خلصت دراسة استصلاح المرتفعات الإثيوبية لسنة 1984 عن النحر انه يبلغ حوالي 1,9 مليار طن سنويا من التربة المنجرفة من المرتفعات وهو ما يعادل خسارة مئة طن لكل هكتار او 8 مليمتر من التربة سنويا".

ويبقى السؤال: من اين بكل هذا الطمي سنة بعد سنة ولمدة ملايين السنين؟ وماذا كان ارتفاع جبال اثيوبيا حين تكون النيل'>نهر النيل بحساب التطور منذ 30 مليون سنة؟ وفي المقابل كيف كان ارتفاعها وقت عمرها في الكتاب المقدس اي منذ آلاف قليلة من السنين منذ تكوينه بعد طوفان نوح مباشرة؟ ولكن قبل ان نجيب على هذه التساؤلات دعونا نتعرف الى بعض الحقائق.


كيف يحدث النحر؟
للنحر شقان هما التفتيت ثم النقل، واهم عوامل النحر هي:
•    تمثل مياه الأمطار العامل الأول والأهم في النحر عندما تسقط على المرتفعات او التربة مسببة تشقق الصخور بعدة عوامل فيزيائية ثم تنقلها وتجرف معها الأحجار والاتربة

•    تجمعات المياه مثل البحار والأنهار عندما تتشبع الصخور المتاخمة بالماء وتتفتت تحت ثقلها
•    عوامل كيمائية مثلما يحدث مع الامطار الحمضية او في الاكسدة كعوامل الصدأ لمعادن التربة مثل الحديد والنحاس وغيرهما مؤدية الى هشاشتها وتفتتها

•    تساهم النباتات أيضا في التفتيت بواسطة جذورها التي تمتد الي داخل الصخور وتكسرها
•    أهم دور للرياح هو ان تقوم مع الماء بدور في نقل المتفتت من التربة او الصخور
•    كثيرا ما يتشارك أكثر من عامل من هؤلاء في عملية النحر

ما هو معدل النحر في العالم سنويا ونسبته مقابل وزن اليابسة؟
بعض الأنهار تمثل رقما ضخما في النحر، مثل المسيسيبي الذي ينحر في مساره حوالي 600 مليون طن/سنة، في حين يصل وزن الطمي المحمول سنويا الى النهر الأصفر في الصين الى 6 مليار طن وطبعا هناك العديد من الانهار الأخرى كبيرة او صغيرة تحمل كلها كميات مهولة من الطمي الى المناطق الأسفل.

يقدر العلماء المعدل السنوي للنحر في كل العالم بحوالي 24 مليار طن  الى 27,5 مليار طن  او 75 مليار طن  متري في السنة وهي كمية هائلة تنتقل من المناطق الأعلى الى تلك اسفلها حتى تستقر في الأراضي الواطئة ثم الى البحار او المحيطات.

وتقدر بعض الدراسات وزن اليابسة كلها، أي مجموع الأراضي الواقعة فوق مستوى البحر في كل العالم بما يبلغ على اقصى حد من التقدير حوالي 500 مليون مليار طنا أو 1018,5 طنا!

ومن المعروف ان حوالي ثلاثة ارباع الكرة الأرضية مغطاة بالبحار والمحيطات ويبقى الربع فقط ارضا جافة.

هل ستختفي اليابسة يوما ما تحت سطح المحيط؟
هل ستبقى هناك أرض يابسة إذا هبطت جبالها وتسطحت كل الأرض واختفت تضاريسها؟ لا خلاف بين العلماء على ان المحيطات بها مكان يبتلع كل اليابسة ويغطيها كلها بما يصل الى عشرات الأمتار. ونحن نرى عملية نحر ونقل التربة والحجارة المستمرة وفي اتجاه واحد من أعلى الى أسفل وليس العكس، فكم من الوقت يحتاجه النحر ليقوم بهذا؟

معدل النحر المذكور هو، مع ضخامته، بحسب متوسط اعمار البشر معدل بطيء لا يُذكَر ويحتاج الى أجيال عديدة لنلاحظ الفرق والتغير الحادث بفعل النحر، ولكن الأمر يصبح خاطفا للأنفاس إذا ما تخيلنا عمرا للكوكب فقط بملايين، ولا نقول بمليارات السنين!

قبل ان ندخل الى التفاصيل أوضح ان محاولة معرفة تضاريس الكرة الأرضية ومعالم جبالها وسهولها في الماضي ليس بالأمر السهل، ومع هذا يمكننا الوصول الى الكثير من التفاصيل بعد فحص وقياس الطبقات الترسيبية في الأماكن المختلفة وتقدير الظروف المناسبة من حيث الارتفاعات وطبيعة الطقس، هذا بالطبع بالاضافة الى الدلائل التي تصلنا من أنواع الحياة النباتية او الحيوانية المكتشفة. وفي كل هذا نحن محكومون بحدود تلك النتائج مع وجود هامش محسوب للخطأ في للنتائج المتوقعة.

بحسبة بسيطة سنجد انه لا يكاد يمضي أكثر من 10  الى 15 مليون سنة بنفس معدل النحر الحالي حتى تكون ليست فقط جبال اثيوبيا او حتى كل قارة افريقيا بل كل اليابسة الأرضية في الكوكب قد وقعت فريسة للنحر، وهذا بالطبع يشمل الجبال الشاهقة والقارات كلها التي ستتفتت وتنجرف مختفية تحت البحار والمحيطات! وهذا الوقت هو بالطبع كسور ضئيلة من الوقت المفترض لتطور الحياة البرية بحسب نظرية التطور، فكيف ومتى وأين سيتم تطور الحياة البرية على الأرض؟

بينما يحسب علماء التطور ان عمر القارات هو على أقل تقدير 2,5 مليار سنة نجد نحن ان هذه المدة من الزمن كافية لنحر جبال ارتفاعها 150 كيلومترا، مع العلم ان جبال افرست الأعلى في الكوكب لا تصل الى 9 كيلومترات علوا! فكيف تستقيم معادلة الزمن هنا؟

نحن نواجه فرضية تلزمنا بتصديق التطور الذي يقولون انه حدث شقه البري في مئات الملايين من السنين بينما ترينا القياسات ان الأرض اليابسة لا يمكنها ان تصمد لأكثر من 15 مليون سنة، وبفرض صحة تقديرات فرضية التطور بأن عمر النيل هو 30 مليون سنة فلا بد ان نقبل بأن اليابسة كانت ستختفي مرتين في نفس الوقت الذي نفترض فيه ان النيل'>نهر النيل يتكون ويشق طريقه على اليابسة التي هي تحت الماء؟ اليس هذا لغزا يستحق الوصول الى حل؟

أما لو صدقنا ما سجله لنا الكتاب المقدس فسيكون النيل'>نهر النيل قد تكون فقط بعد حدوث الطوفان العالمي في أيام نوح أي منذ بضعة آلاف فقط من السنين، وهنا لن تختل المعادلة!

ماذا كان إذا ارتفاع جبال اثيوبيا عندما بدأ النيل في التكون؟
نعود الآن الى سؤالنا الذي بدأنا به هذا الحديث وهو، من اين أتى كل هذا الطمي او كل تلك الترسيبات عبر عمر النيل'>نهر النيل؟
بنفس الحسبة البسيطة سنجد أننا لو رجعنا الى الماضي مليون سنة فقط (وهو زمن ضئيل جدا في ارقام التطور) فيلزم علينا ان نضيف على جبال اثيوبيا الحالية ارتفاعا آخر يعادل كل ارتفاع جبل افرست الأعلى في الكوكب أي سنصل الى 13 كيلومترا فوق مستوى سطح الأرض.

واما لو أكملنا المعادلة الفرضية وحسبنا ارتفاع اثيوبيا منذ 30 مليون سنة أي عند بدء الزمن الافتراضي لنشوء النيل'>نهر النيل فسنصل الى ارتفاع هو ستة اضعاف قطر الكوكب الأرضي بجملته كما نراه في الرسم اسفله!


على الجهة الأخرى فلو حسبنا الفاقد في التربة بحساب اعمار الكتاب المقدس أي منذ زمن الطوفان الكتابي العالمي في أيام نوح منذ آلاف قليلة من السنين فسنجد ان الفاقد في التربة لا يزيد عن اربعين مترا فقط أي غير مؤثر على الاطلاق.

ماذا قدم علماء التطور كحل لهذه المعضلة؟
كل الحلول التي قدمها علماء التطور والمدافعون عن قدم عمر الأرض هي حلول قاصرة جدا الى الدرجة التي تشي بحالة من الإفلاس في حجتهم، والنظريتان التاليتان هما أشهرهما وأكثرهما تداولا

    نظرية الإحلال (Replacement):
هي أكثر التفسيرات المقدمة من علماء التطور شهرة وتداولا، والتفسير يبدو منطقيا لأول وهلة حيث يقول أن ما تفقده الجبال او اليابسة بعملية النحر يتم تعويضه بما تلقيه البراكين من حمم، ولكن كما يقال فالشيطان يظهر في التفاصيل، لذلك نالت هذه النظرية الكثير من الانتقادات العلمية واهمها النقطتان التاليتان.

•    لم يقدم مؤيدو تلك النظرية أرقاما في عرضهم لتفاصيلها، ولعل لتجنب ذكر الأرقام سبب وجيه يعرفونه هم، فبراكين الأرض كلها مجتمعة لا تنفث بحسب حسابات علماء الجيولوجيا أكثر من 160 مليون مترا مكعبا من الحمم سنويا 10 مليون طن من الحمم سنويا في مقابل 24 مليار طن نحر سنويا، أي ان لدينا عجزا سنويا في اليابسة يفوق ما يتم تعويضه بالبراكين بآلاف المرات سنة بعد الأخرى ولملايين السنين.

•    الناتج الأساسي للبراكين هو الحجر الناري (Igneous Rocks) الشديد الصلابة حتى انه يوضع كمصدات الأمواج ويبقى هكذا بدون تفتت او بدون ان يتحول الى تراب وطمي، أي انه لا يصلح كمصدر بديل لتعويض الفاقد في التربة.

    نظرية رفع الجبال (Lifting)
تقول هذه النظرية ان الجبال ترتفع ببطء شديد بسبب تصادم الالواح الأرضية (Tectonic Plates) وأيضا نالت هذه النظرية اعتراضات شديدة حتى من التطوريين ذاتهم:

•    الحل الذي تقدمه هذه النظرية هو كمثل سابقتها مجرد قطرة في محيط المفقود من التربة بالنحر
•    ظاهرة الرفع تحدث فقط في القلة من الجبال بينما النسبة الأعظم منها لا يوجد بها رفع
•    الرفع كان يستلزم بالضرورة نوعا من استبدال التربة حيث تختفي التربة القديمة في باطن الجبال وتظهر الجديدة، لكن علماء الحفريات التطوريين الذين يستشهدون بالطبقات القديمة بحسب نظريتهم يقاومون هذا الحل بضراوة لأنه يفسد عليهم حجتهم عن قدم أعمار الطبقات التي تقدم لهم الحفريات.

الخلاصة
ترسيبات الأنهار مثل النيل'>نهر النيل وغيره وما يحملونه من طمي وترسيبات أخرى تشهد بقوة على قصر عمر الأنهار والكوكب كله وتلغي بل تدمر كل فرضيات العمر الطويل الذي تدعيه فرضية التطور. فليس هناك أي وقت للتطور البري بمليارات سنينة التي يدعونها بل نحن نتحدث عن انهار وتضاريس أرضية مخلوقة هكذا بفعل إله رائع وحكيم ومحب للحياة والجمال.

عزيزي القارئ
تناولنا هذه المرة هذه المعضلة من جهة السؤال "من اين أتى طمي النيل" وفي المرة القادمة سنناقش السؤال المقابل وهو "الى اين يذهب طمي النيل"، ولعلكم لستم بعيدين عن الصواب إذا توقعتم هناك مجددا معضلة جديدة امام مليارات التطور.

الى ذلك الحين لكم جميعا كل محبتي واحترامي وابقوا سالمين!