رأفت تادرس
تحديات علمية في مواجهة علوم التطور (5)

قارئي العزيز
تحدثنا في المرة السابقة عن مقياس النحر الذي يسببه نهر النيل سنويا وعندما تناولنا الشق الأول من سؤالنا وهو "من أين يأتي طمي النيل؟" أدركنا عند النظرة الفاحصة للأمر ان عمر النيل لا يتعدى بضعة آلاف قليلة من السنين.

وبحسب الدراسة التي أعدتها منظمة اليونسكو وذكرناها في المرة السابقة فإن معدل النحر الذي يأتي مع النيل يبلغ حوالي 1,9 مليار طن سنويا ومعظمه يترسب في دلتا النيل او يستقر في قاع البحر الأبيض

ولأن دلتا النيل تنال نصيبا كبيرا في الترسيبات التي يحملها النيل معه في مساره، فنحن يمكننا حساب متوسط الترسيبات السنوية ثم نحسب سمك الطبقات المترسبة بالفعل لكي نعرف بالتقريب ما هو عمر دلتا النيل او عمر النيل ذاته، وهذه الحسابات هي ابعد ما يكون عن ملايين السنين التي يفترضها التطوريون!
والآن الي بعض التفاصيل.

لماذا تتكون دلتا الأنهار؟
تحمل الأنهار معها بجانب الطمي أيضا احجارا ومخلفات اخري مثل الاخشاب وبعض المواد الكيماوية الموجودة عبر مسار النهر، وكلما زادت سرعة جريان الماء وانحدار مساره كلما زاد ما يحمله ذلك النهر، ومصير الطمي والمواد العالقة هو أن تترسب في واحد من ثلاثة مواضع:
•    في قاع النهر وعلى ضفافه، ونلاحظه في السهول المنبسطة حيث يقل الانحدار، تتعرض تلك الترسيبات لكثير من العوامل البيئية والزراعية وغيرها مما يجعل دراستها فيما يخص معدلات الترسيب ذات دلالة ضعيفة
•    في دلتا الأنهار عند مصب النهر في نقطة التلاقي مع البحر او المحيط الذي ينتهي اليه النهرفي قاع البحار او المحيطات
لكل من هذه الترسيبات سماتها وقياساتها ونحن هنا سنفحص أهم نوعين من الترسيبات لنفهم مدلول ما يجده العلماء.
ترسيبات دلتا النهر

تتكون دلتا الأنهار بسبب اصطدام مياه النهر بمياه بحر المصب مما يسبب تباطؤا شديدا في تيار ماء النهر فتترسب كميات كبيرة من الطمي العالق والمواد الأخرى والكيماويات المصاحبة لها في منطقة الدلتا، وهناك سمات تتشارك فيها معظم دلتا الأنهار:

•    تأخذ دلتا الأنهار عادة شكل المثلث واسمها مأخوذ من حرف الدلتا رابع حروف الأبجدية اليونانية "Δ" ذو الشكل المثلث
•    دلتا النهر لا تأخذ عادة شكلا ثابتا بل تزيد في المساحة بسبب تراكم الترسيبات، مثل هذا الأمر واضح مثلا في دلتا نهر المسيسيبي الذي يتوسع سنويا في خليج المكسيك ويكبر في المساحة بسرعة واضحة، كذلك أيضا في دلتا نهري دجلا والفرات الذي يتوغل داخل الخليج العربي بمعدل 56
كيلومترا كل ألف سنة

•    تتميز الترسيبات التي يتركها النهر في الدلتا بأنها تحمل خصائص التربة التي عبر عليها النهر وتظهر على شكل طبقات تعكس مواسم الفيضان وهي بالطبع مختلفة عن تلك التي في بحر المصب، كما انها تكون مضغوطة قليلا بفعل وزن مياه البحر لذلك يمكن قياسها ومعرفة حجمها وخصائصها المختلفة

ونحن في هذه المرة نتناول الشق الثاني من السؤال وهو "الى أين يذهب طمي النيل؟" والقصة كما ذكرنا هي ان النيل يجرف سنويا ما يعادل 1,9 مليار طن من جبال وتربة اثيوبيا وحسبنا العمر المنطقي لنهر النيل الذي مقارنة بالعمر الافتراضي الذي تقدره نظرية التطور بثلاثين مليون سنة على الأقل وتريد ترويجه لنا بدون ان نتساءل او نفحص.

ما هو الحجم المفترض لدلتا النيل في 30 مليون سنة؟
لو حسبنا معدل النحر المترسب في الدلتا سنة وراء سنة لمدة 30 مليون سنة هي عمر النيل لدي التطوريين لكانت الدلتا لا يكفيها البحر الأبيض بكامله ولا حتى كل قارة أفريقيا بل لكانت مساحة الدلتا تصل الى أكثر من مساحة قارة آسيا بأكملها!

هل يمكن حساب عمر دلتا نهر النيل من الترسيبات الموجودة بالفعل؟
 منذ بناء السد العالي في اسوان والذي يحجز وراءه كميات هائلة من الطمي وقبله التوسع في بناء القناطر والسدود منذ القرن 19 أصبحت الدراسات التي تجري على دلتا نهر النيل لا تعكس الاستمرار التاريخي في الترسيبات وصارت اليد العليا هي للنحر الآتي من البحر بدلا من توسع الدلتا وامتدادها داخله، وتخلص دراسة لمركز أبحاث جغرافيا البحر المتوسط   Revue géographique des pays méditerranéens من سنة 2005 الى ان طبقات الترسيب في الدلتا تشير الى ان عمر دلتا النيل لا يتعدى7,500 الى 8,500 سنة فأين ذهبت كل ترسيبات النيل ذي ال 30 مليون سنة؟ ام ان نهر النيل عمره كمثل عمر بقية الأنهار هو آلافا قليلة من السنين؟
أمثلة على دلتا أنهار أخرى

نحن نحتاج لكي نستطيع تقدير عمر أي دلتا الى معرفة بعض المعطيات، وهنا نذكر أهم أربع معطيات وما عداهم ليس بذي تأثير كبير:
•    سمك الطبقات الترسيبية في مصب النهر او في الدلتا، وهي طبقات من الرمل والطمي المضغوطان قليلا بفعل ثقل المياة وتحته بعض الأحجار التي القاها النهر في الدلتا، وينبغي ان يقف القياس عند طبقة القشرة الأرضية المكونة من البازلت والذي بطبيعته لا يمكن ان يكون من ترسيبات النهر.

•    متوسط الترسيبات السنوية للنهر، وهذه سهلة القياس سنة وراء سنة والقياسات التاريخية متاحة منذ ازمنة طويلة.
•    مدى حركة الالواح القارية التي تؤثر على شكل البحار
•    قوة واتجاه التيارات والامواج البحرية عند مصب النهر، وهي في معظم الأحوال حول الشاطئ او في اتجاهه أي تعيد الطمي الى الدلتا، القليل من الاستثناءات نجدها مثلا عند مصب نهر الامازون حيث تجرف تيارات الاطلنطي القوية الشهيرة في تلك المنطقة الطمي الى جهة الجنوب.

واليكم بعض الأمثلة على عمر دلتا انهار أخرى:

    دلتا نهر المسيسيبي وهو النهر ذو النصيب الأعظم من الدراسات
يرسب النهر حوالي 80,000 طنا/ساعة او حوالي 230 مليون طن متري/سنة من الطمي تصب كلها في خليج المكسيك، لذلك ينمو حجم ولاية لويزيانا بصورة دائمة متوغلا في الخليج.

في القرن التاسع عشر إدعى المحامي الاسكتلندي الذي يعتبره التطوريون أبا لعلم الجيولوجيا ان عمر المسيسيبي يبلغ 30,000  من السنين وغالى حينئذ في السخرية من الكتاب المقدس ذي العمر القصير للأرض، والآن تثبت الدراسات الحديثة الكثيرة ان عمرا كهذا كان سيؤدي الى اختفاء خليج المكسيك بكامله تحت طمي النهر, اما العمر التقديري بناء على تلك الدراسات فهو 4,500 سنة أي من زمن طوفان نوح، فأين كان نهر المسيسيبي في أزمنة التطور كلها؟

رد بعض علماء التطور على هذا الأمر بإدعاء ان عمق طمي الدلتا هو 7 كيلومترات، وهنا اعتبروا ان كل سمك الطبقة شاملة الغلاف القاري البازلتي هو من ترسيبات النهر وكأن طمي المسيسيبي كان يقع مباشرة على حمم باطن الأرض! وحتى عند حساب هذا المعدل لا تستقيم معادلاتهم مع العمر الافتراضي الذي يدعوه.

    دلتا نهري الفرات ودجلة عند الخليج العربي
تتوسع تلك الدلتا الى داخل الخليج العربي بمعدل 56 كيلومترا كل ألف سنة أي 56 مترا في السنة، فأين كان الخليج العربي إذا من مليون سنة؟ وتؤيد الخرائط القديمة مواضع الخليج والدلتا بإظهار ان الخليج كان أكبر حجما في الماضي بوضوح.
    دلتا معظم الأنهار الأخرى المقاسة، هل هي مجرد صدفة ان تتوافق اعمار كل القياسات الأخرى في نفس العمر أي حوالي 4,500 سنة او أقل؟ ام هو برهان واضح على عمر الطوفان الكتابي من زمن نوح؟
براهين أخرى من معدل ترسيب الطمي في البحار 

تلقي عملية النحر كميات هائلة من الطمي والأحجار يقدرها العلماء بحوالي 24 مليار طن/سنة في البحار والمحيطات، ويمكن قياس تلك الترسيبات لتميزها عن طبقات القشرة الأرضية شديدة الصلابة. وليس هناك مفر آخر للقسم الأعظم من تلك الترسيبات سوى البقاء في قاع البحر او المحيط، ما عدا فقط جزء صغير لا يزيد عن مليار طن يختفي تحت طبقات الأرض بفعل حركة الألواح القارية التي تحمل معها بعض الترسيبات الى ما تحت القارات، ولكن تبقى ال 23 مليار طن الأخرى في قاع البحار وتتراكم سنة وراء سنة.

السمك المقاس حاليا لهذه الترسيبات يتراوح بين مليمترات قليلة ويصل في أقصاه الى 400 مترا ومتوسط الزيادة السنوية يبلغ في أقصى التقديرات 30 سنتيمترا فقط. هذه الأرقام تناسب تماما العمر الكتابي بعد طوفان نوح وإعادة تشكيل الكرة الأرضية.

اما لو أردنا تطبيق نظرية التطور بمليارات السنين فسيكون سمك تلك الطبقة من الطمي أعلى من 950 كيلومترا على أقل تقدير، مع العلم ان ارتفاع جبل افرست أقل من تسع كيلومترات وضعفها أي 18 كيلومترا هي أعمق نقطة في المحيط، فأين تلك الترسيبات وأين ذلك الزمن الطويل؟


عزيزي القارئ
ما زلنا نطرح تلك الأسئلة وغيرها على علماء التطور ونرجو ان نجد إجابة شافية على تلك الأسئلة، المشكلة دائما تظهر في التفاصيل أي عند الفحص المتأني للأمور وهذا ما نحاول الوصول اليه. نكرر ثانية ان العمر المقاس للأرض هو فقط آلافا قليلة من السنين أي ليس للتطور ذلك الزمن الذي يريدونه بل الحياة هي نتاج لمسة خالق عظيم وقدير امر فصارت وشاء فكانت.

سوف نعود الى الأرض مرة ثانية لنرى هل وُلِدَت الأرض ساخنة وملتهبة كنظرية التطور ام معتدلة الحرارة منذ ولادتها، لكن قبل ذلك أرجو ان تصحبنا في رحلة الى الفضاء ذات محطات قليلة.

في المرة القادمة سنأخذك من البحار والأنهار التي شغلتنا لحلقتين وننطلق الى النجم الرائع الذي أعده الهنا المحب لخدمة خليقته الذي هو الشمس، وسنتساءل عن عمرها، فإلى ذلك الحين ابقي سالما.