تحدثنا فى العدد الماضى عن أن شبابنا يحتاج أن يغوص إلى العمق، وخاصة فى زمن «كورونا» وذكرنا:

 
1- عمق نفسه. 2- عمق فكره. 3- عمق روحه. 4- عمق التراث.
 
ونستكمل حديثنا..
 
5- عمق المعاصرة أو الفكر المعاصر:
 
وأقصد به ضرورة أن يعى شبابنا روح العصر، والثقافات المتاحة فيه، وحركات الفكر، وحتى تطورات السياحة، فليس مطلوبًا من شبابنا أن يظل منغلقًا على نفسه، غير شاعر بدوره المطلوب فى المجتمع والوطن والإنسانية!!
 
الشاب المتدين هو فى الأساس إنسان يختلط مع زملائه فى الدراسة، والعمل، والشارع، والوطن، يؤثر ويتأثر، يتفاعل ويفعل، له دوره وعمله ونشاطه وخدمته، ينشر المحبة، ويقدم الخدمة، ويشهد بأعماله وقدوته الدينية، وبنفس الطريقة تكون الشابة المتدينة. من هنا كان اعتزال الحياة الاجتماعية والوطنية والسياسية، ولو على المستوى النفسى لا الفعلى، اتجاها مرفوضا دينيًا!! فالرب ينادينا: «أنتم ملح الأرض، أنتم نور العالم» (متى 13:5-14)، «يرى الناس أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذى فى السموات» (متى 16:5).
 
- حتى الأسقف، وهو أعلى رتبة فى الكنيسة، تطلب منه الكنيسة أن تكون له «شهادة من الذين هم من خارج» (1 تيموثاوس 7:3).
 
إذن:
 
أ- فلابد من التفاعل الاجتماعى فى الدراسة والعمل والسكن.
 
ب- ولابد من دراسة التيارات الفكرية والسياسية المعاصرة.
 
ج- ونحتاج الانضمام إلى الأحزاب، والإسهام الأمين فى خدمة الوطن.
 
د- ولذلك لابد من استخراج البطاقة الانتخابية والإسهام بدور بناء فى هذا المجال.
 
هـ- ولابد من استيعاب تاريخنا الدينى من منظوره الوطنى، فنحن نتمسك بقضايانا الدينية والعقائدية، تمامًا كما نتمسك بوطنيتنا، ورفضنا الاحتلال السياسى والفكرى للوطن.
 
و- بناء جسور الثقة والمحبة داخل الوطن درءًا لروح الفتنة، وحفاظًا على وحدة الوطن.
 
وهذه مجرد خطوط لبرنامج ضخم نحتاجه فعلاً.. ونحتاج أن ندخل إلى تفاصيله.
 
6- عمق التمييز بين الصواب والخطأ:
 
- مع حرصنا الكبير على ألا ينزلق شبابنا حديثو الخبرة فى سلبية تيارات معاصرة: أخلاقية وفكرية واجتماعية.. إلا أننا يجب أن نبنى ضمائر وعقول شبابنا بطريقة تجعله قادرًا على التمييز والانتقاء!!
 
- فما أخطر أن نغلق على شبابنا، بينما هم ينطلقون رغمًا عنا إلى مواقع الدراسة والعمل والاجتماع، يسمعون ويتأثرون، ربما دون أن يكون لديهم رصيد داخلى فى الضمير والفكر!.
 
من هنا يكون واجبنا:
 
أ- تربية ضمائر شبابنا: من خلال قلب تائب، محب لله تعالى، ومتعمق فى الخبرة الدينية، دارس للكتب الدينية والثقافية، له من يرعاه ويرشده إلى الصواب، يختار ما يبنيه سواء مجلة، أو كتابا، أو صديقا، أو فكرة، أو فيلما، من خلال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى، والقنوات الفضائية، والميديا عمومًا.. حساس للخطيئة بكل صّورها: بالفكر، والفعل، والعلاقات.. إلخ. أى يسلك بفكر مستنير كما يوصينا الكتاب المقدس: «مستنيرة عيون أذهانكم» (أفسس 18:1)
 
ب- تربية فكر شبابنا: ليكون فكرًا راسخًا، فالعقل المستنير بنور الله، والدارس لكلمته تعالى، يستوعب مزالق طريق التدين، ويفهم قضايا العصر، واتجاهاته: الإيجابية والسلبية، ويميز بين الخطأ والصواب فى سلوك المحيطين به. هو بلا شك عقل ناضج، قادر على التمييز، والاختيار، والرفض!
 
7- عمق التفكير فى المستقبل:
 
أ- المستقبل- عند الإنسان عمومًا، والشباب خصوصًا- هو المستقبل الزمنى، وهذا حقه!! ولكن ماذا عن المستقبل الأبدى، والمصير النهائى للإنسان؟! ألا ينبغى أن يتحد المستقبلان معاً ليصيرا مستقبلاً واحدًا، بهيجًا ومبهجًا؟!
 
ب- لماذا هذا الفصل بينهما؟! هذا افتعال ليس من روح الله، بل هو- بالقطع- من إيحاءات عدو الخير حتى ينشغل الإنسان بالأرض، وينسى مسؤوليته نحو مستقبله الأبدى!!
 
ج- من هنا كان لابد أن يتمتع شبابنا بهذه الرؤية الشاملة.. ألم يعد لدى المؤمن تفريق بين شؤون الأرض والمصير الأبدى؟.. بل إن المؤمن يحيا الأبدية منذ الآن، فالحياة الأبدية فى مفهومها الدينى تكمن أساسًا فى التعرف على إلهنا الصالح، والتدين السليم. وقد قال الكتاب المقدس عن هذا الأمر: «وهذه هى الحياة الأبدية، أن يعرفوك، أنت الإله الحقيقى» (يوحنا 3:17)،
 
د- من هنا يكون التفكير فى «المستقبل» بمعناه الشامل الواسع هو التفكير فى الحياة على الأرض، حياة دينية مقدسة، تمهد لحياة سماوية سعيدة. وأى تفكير يكتفى بالأرضيات ينتهى بنهاية الأرض، ونهايتها قادمة لا محالة، وإن لم تشهدها عيوننا، فنهايتنا حين ننتقل من هذا العالم نحو الحياة الآخرة الأبدية.
 
هـ- والإنسان العميق يفكر فى مستقبله على هذا الأساس. نعم.. هو لا يكف عن الاهتمام بحياته الأرضية، من جهات: الدراسة والعمل والسكن والزواج والأطفال والحياة الطيبة، ولكنه يفكر فى ذلك:
 
1- بأسلوب دينى مقدس. 2- وبأمانة للمبادئ الدينية.
 
3- مهتمًا بحياته الدينية. 4- وبروحانية تجعله يتسامى فوق المادة.
 
- وهذا لا يتأتى للإنسان إلا من خلال حياة دينية مقدسة، حين يتخذ من كلام الله دستورًا للحياة، ومن روحه القدوس هاديًا وقائدًا، ومن الأبدية وطنًا نهائيًا خالدًا..
 
هذه كانت بعض ملامح العمق الذى نتمناه لأنفسنا ولشبابنا المبارك..
 
الرب يبارك حياتنا، لمجد اسمه، وسعادة يومنا، وغدنا، وأبديتنا. له تعالى كل المجد.