د. مينا ملاك عازر

المعتاد في كل المسلسلات والأفلام والأعمال الدرامية، أن الخير يتمناه المشاهد، وأن ينتصر على الشر، وذلك ترسيخاً للمبادئ السامية والتي يحتاجها المجتمع، كما أنه يعطي الأمل للمشاهد أن حالة الظلم التي قد تكون واقعة عليه من أي طرف -وكلنا نمر بها ونعيشها- إلى زوال يوما ما، وترسيخ لمفاهيم العقوبة والثواب والعقاب وكذا وكذا، ولكنني لاحظت في الآونة الأخيرة تزايد وتيرة الرغبة في الانتقام والتخطيط لها ونجاحها في الأعمال الدرامية، والغريب أنها تلاقي استحسان الجمهور وتعاطفهم، وانتبه لفكرة التعاطف هذه، ولن أرصد لك الكثير من الأعمال التي جسدت فكرة الانتقام في الآونة الأخيرة فحسب، ولكننا نستطيع العودة للزمن البعيد منذ أمير الانتقام الرواية العالمية التي مثلها نجمين كبيرين فريد شوقي وأنور وجدي في فيلمين منفصلين، ثم بوسعي القفز لمجموعة الفنان محمد رمضان التي كلها تكرس لتلك الفكرة، فكرة الانتقام دون العودة للقانون، فإن كانت فكرة أمير الانتقام في عصر يضعف فيه القانون فنحن الآن من المفترض في عصر يسود فيه القانون برغم كل ثغراته وضعفه وفساد بعض القائمين على تنفيذه والمشتغلين به، الذين قد يدافعون عن فاسد لمجرد أنهم يضمنون البراءة لعيب أصاب الإجراءات وما شابه، ثم نستطيع النظر لمسلسل هام جدا وهو مسلسل الصياد الذي كرس لفكرة الانتقام وعاب على القانون وعلى القائمين عليه وأوضح فكرة اليد الطولى التي لا يمكن التعامل معها وبترها إلا بأساليب غير قانونية، وكل هذه الأعمال نالت تعاطف وتضامن المشاهد بشكل شديد جداً، وكأنهم يعلمون ويتيقنون من ضعف المنظومة القانونية في عصرنا الحديث، وانتهت طبعاً كل تلك الأعمال التي تهدم دولة القانون، ولا تضع حتى رسالة لضرورة تطوير القانون وتنقيحه وتطهير الأجهزة الفاسدة من الفاسدين الذي يعيسون بها فساداً ومن خلالها بالبلاد، وكان الجميع يخرج مكتفي بهذه المسألة الانتقامية التي تبدو نبيلة في جوهرها ولكنها خطيرة في مضمونها. 
 
وفي هذا الموسم الرمضاني، قدمت لنا الفنانة يسرا بما لها من جماهيرية عميقة في نفوس الشارع المصري، مسلسل خيانة عهد، وكرست فيها قدراتها الفنية لفكرة الانتقام البشري بالقصاص من الآخرين الذين خانوا أختهم عهد، وقامت بتدبير المكائد وتلفيق التهم لهم، حتى نالوا عقابهم على قتلهم لابنها وتشويهه وإصابته بالإدمان، وبالغرم من اللحظة الختامية التي اختتمت بها التمثيلية باحتضان عهد المنتقمة من أختها وأخوها، لأبن وبنت أخوها وإعطائها لهم ما تملكه وكذا وكذا، فلا نستطيع أبداً التغافل عن ترسيخ فكرة الانتقام البشري القائم على المكايدة وتدبير الشر لمواجهة الشر، والتحول من الخير للشر لمجارة الأحداث، وعدم انتظار العمل الإلهي، العمل على الذات لتطويرها لجعلها أقوى كما رأينا في مسلسل لأعلى سعر، الذي قدمته الفنانة نيللي كريم الذي جاء انتقامها يرتكز على تطويرها لذاتها والاهتمام بعملها حتى استعادت زوجها الذي كشفت له الأحداث بعد هذا سوء اختياره، وبأسلوب من أساليب النصب المحللة، استطاع الزوج ونيللي كريم استعادت الثروة التي كادت أن تغتنمها الفنانة زينة التي خربت بيتهم فعلاً.
 
وما دمنا بصدد النصب فانتظرونا، إذا سمحتم لنستكمل حديثنا المقال القادم -بإذن الله-
 
المختصر المفيد ارجوكم ألا تنسوا أن الثورات ذاتها علم غير قانوني لا تستحق قانونيتها إلا إذا نجحت، وإلا تكون عمل تخريبي يستحق العقاب.