محمد حسين يونس
يمثل القرن العشرين إنقلابا نوعيا في التاريخ المعاصر لبلدنا .. فهو الزمن الذى وعي المصرى فيه بعد حل رموز اللغة القديمة .. أن سكان هذا المكان في سالف العصر و الأوان كانوا ..أكثر تحضرا من كل مستعمريهم علي مدى الفين سنة ..

القرن أنهي عهود ظلمات القرون الوسطي و السيطرة الدينية.. و خلق طبقة وسطى بشرت بحياة معاصرة أكثر علمانية ..

مصر بدأت القرن بثورة تطالب بالحرية من الإستعمار . و أنهته بأخرى تطالب بعيش ،حرية، عدالة إجتماعية و( كفاية) لورثة الضباط الأحرار.

و فيما بين الثورتين ..كانت هناك صراعات و هبات ضد المحتل .. و ضد السلاطين المحدثين .. و إنتفاضات ضد البغاة المتحكمين .. و إنقلابات عسكرية .. وتمرد للشرطة ..و معارك شوارع و حرق للقاهرة ...

و إنجازات.
في بداية القرن تأسست أول جامعه مدنية الطابع (فؤاد الأول ) و أول معهد لتدريس الفنون الجميلة و أول دستور عصرى (1923 ) .. وأول مطالبة بخلع اليشمك و تساوى الجنسين

وفي هذا القرن كان لمصر برلمان من شقين .. ( شيوخ و نواب ) يحضر نوابه الجلسات بالملابس الرسمية ثم تطور حتي أصبح النائب يرقص فيه بالجلابية بعد هزيمة يونيو و عودة القائد من تنحية .

و في منتصف القرن كان هناك تحديا لمخططات البنك الدولي بعد رفض تمويل بناء السد .. ثم في نهايتة بدأت خطوات الإستسلام الكامل لشروطه وما تبعه من حوسة تسديد أقساط الديون و فوائدها .

الرحلة من مقاومة نفوذ صندوق النقد و البنك الدولي 1956حتي الإستسلام الكامل لتوجيهاته 2016.. تحتاج لتأمل عن قرب..لانها أصبحت العقدة التي ليس لها حلا

1945: مصر إنضمت لعضوية صندوق النقد.

- عامي 1977ــ 1978 : تقترض من الخارج لأول مرة في تاريخها في عهد أنور السادات... 186 مليون دولار لحل مشكلة المدفوعات الخارجية وزيادة التضخم.المصاحب للسلوك الإستهلاكي المسمي (إنفتاح )

- عامي 1991- 1993: مصر تقترض للمرة الثانية في عهد حسني مبارك.مبلغ 375 مليون دولار لسد عجز الميزان التجاري... المصاحب لظهور طبقة من محترفي النهب و العمولات و السرقات .

- عامي 1996- ــ 1998: مصر تطالب بقرض بـ 434.4 مليون دولارو لكنه لم ينفذ..مع.إلغاء 50% من الديون المستحقة لمصر لدى دول نادي باريس... بعد الإشتراك في حملة تطهير الكويت من قوات الغزو الصدامي .

- ثم رفض للقروض .. بسب عدم تنفيذ خطة الإصلاح الإقتصادى التي إقترحها البنك علي حكام مصر (مبارك .. طنطاوى .. مرسي .. عدلي منصور )
- عام 2016 الإستسلام الكامل لتوجيهات صندوق النقد و تنفيذ ما يسمي ببرنامج إصلاح اقتصادي مدته 3 سنوات...الحصول في مقابل ذلك على قرض بـ 12 مليار دولار..

- تم تعويم الجنيه في 3 نوفمبر 2016. وارتفاع سعر صرف الدولار من 8.87 جنيه إلى أكثر من 18 جنيها... و إضطراب الحياة الإقتصادية و تزايد القروض و طلب المساعدات .بشكل دورى و إستنفاذ أكثر من 80% من الميزانية لخدمة الدين .

- و اليوم بعد أربع سنوات الدين الخارجي أصبح بالمليارات بعد أن كان بالملايين .. في نهاية 2019 يرتفع إلى 112.7 مليار دولار.. غير ما تسعي الحكومة للحصول علية من البنك الدولي بسبب الكورونا ...والدين الداخلي الى 4.186 تريليون جنيه (الف مليار) بنهاية سبتمبرمن نفس السنة ... لا نعرف كيف سيتم تسديدها .. ومن الذى سيسددها .!!

- هذا هو الإستعمارالحديث بعد أن غيرطرق سيطرته وأساليب إستنزاف الشعوب فصراع القوى الفاعلة لإدارة أسواق العالم بعد أن كان يأتي خلف بنادق و حراب الجيوش .. أصبح يتسلل ألان (بسلاسة المحترفين)عن طريق مجموعة من الخطوات وصفها بالتفصيل أحد قراصنتهم (جون بيركنز) في كتابة (( الإغتيال الإقتصادى للأمم ))

((قراصنة الإقتصاد هم رجال محترفين أصحاب أجور عالية عملهم هم أن يسلبوا بالغش و الخداع ملايين الدولارات من دول عديدة في سائر أنحاء العالم يأخذون المال من البنك الدولي وهيئة المعونة الأمريكية و غيرها من مؤسسات المساعدة الأجنبية ليصبوه في صناديق الشركات الكبرى و جيوب حفنة من العائلات الثرية التي تسيطر علي الموارد الطبيعية للكرة الأرضية وذلك من خلال فبركة التقارير المالية،و الإنفاق علي مشاريع وهمية ..أو شراء مهمات عسكرية بكثافة تتعدى الإحتياج الأساسي و فرض إرادتهم عن طريق تزوير الإنتخابات و الرشوة و الإبتزاز و الجتس و القتل.))

بيركنز شرح كيف تبنت بنوك ما بعد الحرب العالمية الثانية سياسة تسويقية تسببت في نشر الشقاء و متاعب لا حصر لها لفقراء العالم وبالخصوص أبناء أمريكا اللاتينية و سكانها الأصليين .

السبب كما إقر به بيركنز كان ما جاء بتقاريرة الإقتصادية من مبالغة في التوقع لعائد مشاريع تنمية يمولها البنك الدولي لا يستفيد منها إلا الأغنياء و أصحاب النفوذ و أن تحالفا بين الحكام الفاسدين في الدول حديثة الإستقلال و كبار المتحكمين في حركة الأمول و البضائع في العالم إنعكس سلبا علي البيئة و حياة الفقراء..

عام 1944 تأسس البنك الدولي و صندوق النقد و كان الهدف منهما هو مساعدة الدول حديثة الإستقلال التي خرجت بعد الحرب العالمية الثانية من عباءة الإستغلال الكولوني ..و أصبحت تعاني من آثار التخلف و الفقر .

هذا ما كان معلنا لنا في ذلك الزمن و صدقة الضباط الأحرار عام 1955..حين طلبوا تميلة لمشروع السد العالي

و لكن ما لم يعلن ولم يفهمونه إلا بعد حرب و عدوان علي قناة السويس.. كان (( تحقيق إستقرار النظام النقدى الدولي و رصد حركة العملة في العالم و تيسير حركة التجارة العالمية )) .. بمعني فرض وجهة نظر مراكز القوة الإنتاجية و الإقتصادية (المالتي ناشونال) المسيطرة علي البنك و الصندوق .. و التي تدافع عن مصالح الراسمالية (الإمبريالية ) المنتفعة .

إسلوب هذه السيطرة يبدأ بالمشورة بشأن السياسات و المساعدات الفنية للحكومات و إيهام البعض بأن ما يقومومون به من إجراءات تتسم بالقسوة والعشوائية والعنف هو من أجل نهضة حقيقية تنقل البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة.. هذه النصائح تدور دائما حول تمكين القطاع الخاص في البلدان النامية.. و الإنضمام للسوق الحرة العالمية او ما يسمي( بالجات ).. ثم تقديم مشاريع تنمية مبالغ في جدوى نتائجها الإقتصادية .. يليها تسهيل الحصول علي قروض تواجه بها الحكومات التي سقطت في الفخ مشاكل عدم إتزان ميزان المدفوعات نتيجة لمغامرتها الإقتصادية غير المحسوبة .

علي سبيل المثال ..لا الحصر ..إنشاء عاصمة السادات الجديدة التي فشلت قبل أن تنتهي .. مشروع مضيق توشكي الذى إنفقت علية المليارات و لم يكتمل .. تكريك قناة السويس و توسيعها الذى لم يثمر عن عشر معشار ما قيل عن جدواه الإقتصادى ..و لن أتكلم عن المشروعات الضخمة التي تكلفت أربعة تريليونات جنيه وكان ينتظر إفتتاحها في يونيو 2020 لولا ( الكورونا )... أو التبرعات المطلوبه للصندوق اللي حيتفتح لمواجهة كارثة إحنا مش عارفينها .. ستحدث مستقبلا سنة 2060 .

((ويقدم البنك الدولي للإنشاء والتعمير (IBRD) والمؤسسة الدولية للتنمية (IDA)، اللذان يشكلان معا البنك الدولي، التمويل والمشورة بشأن السياسات والمساعدة الفنية إلى حكومات البلدان النامية. وينصبّ تركيز المؤسسة الدولية للتنمية على بلدان العالم الأشد فقراً، أما البنك الدولي للإنشاء والتعمير فيساعد البلدان متوسطة الدخل والبلدان الأفقر المتمتعة بالأهلية الائتمانية))...

فإذا ما رفضت الشعوب أو الحكومات هذه الوصاية .. و أوقفت نزح ثرواتها .. تبدأ معارك فرض الحصار الإقتصادي والتجويع .. و تنتهي بالحروب .. و الإستعمار .
هذه السلسلة من الإجراءات ( طبقت علينا ) في زمن الباشا إسماعيل وإبنه توفيق .. و ظللنا أسرى لدى صندوق الدين حتي زمن الملك فؤاد الأول و حكومة الوفد( 1920 ) التي سددت أخر قسط بعد نصف قرن

و مع ذلك لم نتعلم ..لقد صدق ضباط يوليو .. (أن الحداية الإمبريالية بتسقط كتاكيت) .. و طلبوا تمويل البنك الدولي لمشروع بناء السد العالي ( أى تنمية حقيقية و ليست مشاريع فنكوشية )... وتم رفض التمويل .. و في مقابل هذا جرى تأميم قناة السويس ..وهنا تحول الصراع إلي تكسير عظام إستمر لعقدين وإنتهي بإستسلام السادات لقوانينهم التي أدت لتحكم طبقة كومبرادورية تسعي لتحقيق أهداف السيطرة الكاملة للصندوق علي الإقتصاد المصرى .

فانخفضت القوة الشرائية للجنيه لأكثر من مرة و أصبح له أكثر من قيمة ..وارتفعت الأسعار عشرات المرات .منذ زمن ((يا سادات إحية إحية كيلو اللحمة بقي بجنية)) .. حتي أصبح الكيلو بمئتي جنيه و يتفضل علينا الجيش و الداخلية ببيعة بسعر أقل في شوادرهم .(( نكمل حديثنا غدا ))