كتب : سلمان شفيق
كتب المفكر والفنان محمد عزام
استقر شعب النوبة فى بلاده التي تمتد من الخرطوم جنوبا إلى أسوان شمالا منذ العصور الحجرية وأسس حضارة عريقة تبادلت مع الحضارة المصرية القديمة عناصر التأثير والتأثير كحضارة وادى حلفا والقسطل وكرمة، كما أسسوا ممالك عظيمة كمروى وكوش وعلوة، ولعبوا أهم الأدوار فى الربط بين قلب إفريقيا والبحر المتوسط،..
 
وكان حكام النوبة في أغلب فترات التاريخ المصري القديم يتبعون الدولة المصرية مع درجة كبيرة من الاستقلال الذاتي..وظلت النوبة ظهير الحماية للدولة المصرية يلجأ إليها الفراعنة دائما ليواجهوا الغزوات القادمة من الشمال والشرق.. وعندما تدهورت أحوال الحكم في مصر، وانقسمت إلى مملكتين فى الاسرة 21، وحكمتها العناصر الليبية الأسر 22 حتى 24، دخلها ملوك النوبة ليؤسسوا الأسرة 25، وكان من أهم ملوكهم الملك طهارقة الذى واجه غزو الآشوريين.. ومازال عمود طهارقة الهائل يستقبلنا بعد الصرح الأول للكرنك مباشرة"، ..
 
وواجهت ملكة النوبة الرومان وانتصرت عليهم.. وفي العصر الحديث أصبحت النوبة جزءا أصيلا من أجزاء المملكة المصرية تعبر عنها نجمة من النجمات الثلاث لعلم المملكة المصرية الأخضر.. ويبدو أنه في بعض الأوقات كان يفضل الحكم المصري تبعية النوبة قضائيا لحاكم الخرطوم المصري لقربة عن القاهرة.. ولذلك يشكو منير الجميل في "نعناع الجنينة" من حاكم الخرطوم الذي أجل شكوته من فاتنته "لما القيامة تقوم".. ولم أر ناس يعشقوا تراب أرضهم كناس النوبة.. ويبدوا أن للنوبة سحرا يمس سكانها فكلهم مسكون بالفن والجمال وحب الغناء والرقص وخفة الظل.. ولذلك قدمت النوبة عشرات الأدباء والفنانين.. أذكر منهم خليل قاسم ويحيي خليل وحجاج أدول ومحمد حمام وأحمد منيب ومحمد منير وخالد النوبى..
 
كما قدمت العديد من العلماء.. وقدمت مناضلين عظماء للحركة الوطنية كمبارك عبده فضل وزكي مراد ابن عمدة أبريم.. الذي أنشد له نجم وإمام: يابلح أبريم يا سمارة.. بس احلويت قوي ياسمارة.. لما اسمريت قوي ياسمارة.. لفيت الشارع والحارة على زي غلاوتك فين مالقيت.. وقد بدأت محنة النوبة منذ بدأت الدولة فى مصر تعمل على تخزين ماء النيل لحماية مصر من خطر الفيضان والجفاف، حيث يزحف الماء المخزن على قراهم وارضهم، وتجبرهم الدولة على الرحيل وترك أراضيهم، منذ إنشاء خزان أسوان 1902 وتعلياته المتتابعة حتى السد العالي، والنوبيون شعب يملك كل مقومات الشعب: حدود وإقليم وتاريخ وتراث ولغة، وليس هناك من سبيل لحل مشكلة النوبة إلا بالاعتراف بحقوقهم التاريخية فى بلادهم، والدولة الحديثة دولة المواطنة والديمقراطية وتكافؤ الفرص فى مصر.. وكل سنة واحنا كلنا بخير..
منقول من الفنان والمفكر محمد عزام
ويسعد أوقاتكم