محمد حسين يونس
لم ينتشر الإسلام أو اللغة العربية في مصر .. حتي زمن الخليفة المأمون ..الذى أعاد غزوها لمواجهة ثورات البشموريين عام 832.م. أى بعد قرنين من إقتحام القوات العربية للعريش ... و لكن الإسلام إنتشر بإسلوب أخر يمكن أن نسمية .. ثاني إستعمار إستيطاني تشهدة مصر ..بعد الإستعمار اليوناني .

الهجرة من شبه الجزيرة العربية لأفريقيا ..لم تتوقف منذ زمن بعيد سابق للإحتلال خصوصا إلي السودان و مصر ثم شمال إفريقيا و المغرب .... عاش المهاجرون بين الشعوب.. ولاقوا ترحيبا في أغلب الأحيان .. قصة هجرة أبناء يعقوب لمصر ..رغم أنها غير موثقة تاريخيا .. إلا أنها تشير لما كان معتادا و متكررا .

وكما حدث مع اليونانيين .. جرى مع العرب فالمهاجرين الذين عاشوا في مصر وعاينوا كل مابها من طرق و منشئات .. و تعرفوا علي لغة أهلها .. مثلوا دعما للقوات الغازية ( طابور خامس ) دلهم علي خباياها و دروبها ..

ومع إستقرار الحكم .. هاجر من شبه الجزيرة إلي مصر بكثافة عالية قبائل عربية.. و إستقروا و توالدوا بأعداد كبيرة بمناطق متعددة من الوادى .

كتاب وصف مصر ذكرأنه في نهاية القرن الثامن عشر ..أى بعد 1200 سنه من بداية الإستعمار البدوى كان هناك 60 قبيلة عربية و 20.000 فارس يسكنون الصحارى المجاورة للقرى في عديد من المحافظات

( لمن يهتم سيجد بالكتاب تفاصيل أكثر و أسماء جميع القبائل و عدد كل منها و مكان إقامتها )

وقد أشار المقريزي أيضا إلى ((نزول العرب بقبائلهم في مصر العليا، حيث نزلت بنو هلال في بلاد أسوان وبطون من بلي في أخميم وجهينة في منفلوط وأسيوط،)) .. و ذكر تفاصيل لا مجال لإعادتها .

(( الدكتور عبد االله خورشيد البري ..في دراسة عن..القبائل العربية في مصر في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة أوضح فيها.. عدد هذه القبائل وإسلوب نزوحهم وأحصى في رسوم بيانية توطنها ، ثم فصل تفصيلا أماكن تواجدهم حيث قسمهم إلى عدنانية وقحطانية بقبائلهم و بطونهم))..

القحطانية تشمل (جذام ، طيء ،جهينة ،لخم و غيرها ) .. العدنانية تضم (قيس ،هلال ، ربيعة ، كنانة و غيرها ) بالإضافة إلي (الجعافرة) في بلاد النوبة .. و (أولاد علي) في ليبيا و مطروح .

هجرتين كبيرتن إلي مصر تمتا بعد الأولي أحدهما في زمن الفاطميين .. الذين شجعوهم علي الرحيل لشمال إفريقيا و المغرب .. و ألاخرى في زمن صلاح الدين الأيوبي .. ثم توقفت الهجرة منذ حكم المماليك و الأتراك .

بمعني أن مصر تم إستعمارها إستيطانيا بواسطة قبائل البدو .. التي لا تزرع .. و لا تصنع ولا تضيف للناتج القومي.. بل تستهلك ، تعيش علي أطراف القرى في الصحراء ..تربي الأغنام .. و المواشي كما إعتادت .. وقد تعمل في التجارة .. أو السطو علي القرى و القوافل ..ولم ينجو منهم حتي تلك الذاهبة للحج بحيث لا يخلو كتاب من كتب التاريخ عن ذكر الصراع بين قبائل البدو المتمصرة و الحكام .. ويصف المنازعات التي بينهم و بين الفلاحين .

في البدايةأطلقوا عليهم (أهل مصر) أما أهلها الأصليين فهم موالي أو مسالمين (ذمة ) ..و حولهم أى (أهل مصرهؤلاء ) تدور القصة الشهيرة عن سباق إبن أحدهم من عبداللة إبن عمرو .. و التي يلويها البعض للتدليل علي عدالة عمر مع أبناء المستعمرات .

وأهل مصر هم الذين قتلوا عثمان .. و هم الذين تسببوا في مشاكل لا حصر لها للماليك و سرقوا كل الهاربين من القاهرة خوفا من جنود الغزو الفرنسي .. ولم يكن بينهم وبين المستعمرين الأتراك أو الفرنسيين عمار.. و في أكثر من مرة كانوا يخرجون لهم التجاريد لتأديبهم .. و لكن بدون فائدة .. لقد مثلوا صداعا دائما للحكام بنفورهم و عدم رغبتهم في تعديل إسلوب حياتهم أو الإندماج .

أبناء القبائل المهاجرة .. قابلتهم أيام غير مواتية مع حكم عناصر غير عربية .. عندما جاء أحمد بن طولون .. غادر بعضهم مصر .. و مع حكم المماليك و الأتراك ..صار صراعا لا يتوقف .. مذكور بالتفصيل في كتاب إبن إياس بدائع الزهور.

في محاولة لكف أذاهم أصدر الإنجليز يوم 7/1 /1907 قانون ( العربان ) يعطيهم ما يشبه الحكم الذاتي و يجعل (السلطة) لشيخ قبيلة منهم يختارة الحاكم .. كما منحهم القانون حق الإعفاء من التجنيد ..أى أصبحوا دول داخل الدولة

الشيوخ أنعم عليهم بجوار الألقاب ( باشا و بك ) بإقطاعيات واسعة في معظم محافظات الصعيد.. و زاد الصلف .. و الشعور بالتميز .. و بأنهم خير أمة ...

أحفاد هؤلاء .. لا زالوا يعيشون بيننا كمصريين ..بعضهم قد ذاب في البوتقة المصرية خلال القرن الماضي عدد منهم ..قد يكون أنا أو أنت أحدهم ....وبالتأكيد عبد الناصر.. واحد منهم فهو من( بني مر) التي من (بني سماك) من لخم ..القحطانية .و كثير من المسئولين أو الأصدقاء و الأقارب و المعارف من الذين لهم أصول عربية.. إرتضوا عدم التقوقع ..و تعلموا في مدارسنا و تولوا مناصب .. و وظائف.. و تم تجنيدهم.

ولكن أخرين خصوصا بعد ظهور النفط في بلاد العرب تمحكوا بالولاء للسعودية و رفعوا أعلامها في البرلمان و حتي في ماتشات الكرة و تباهوا بسلالتهم و قرابتهم للقبائل العربية .

و البعض الأخر تمردوا علي الحكومة فبعد إصدار قوانين الإصلاح الزراعي رفض واحد منهم ( عدلي لملوم ) الطاعة و دخل في صراع مع الضباط الأحرار إنتهي به للسجن.

و هناك أيضا من أصر علي مواصلة أسلوب حياة الأجداد كأخر نفس للإحتلال الإستيطاني الذى بدأ منذ 1300 سنة. .. تجدهم بنفس ملابسهم و سلوكياتهم و مظهرهم ..و لهجتهم .. يعيشون في الصحراء حول المدن الرئيسية ( أو سيناء ) و مطروح.. في تجمعات قبلية ترفض الإندماج و تتعالي علي الفلاحين .. تفرض عليهم الأتاوات و ترهبهم و تعمل في كل نشاط ممنوع كتجارة السلاح و المخدرات ..و تتحدى الحكومة علنا .. و تقتل قواتها ...و نسميهم إرهابيون

قصة (عبيد الله بن مروان الحمار )اخر خلفاء بني امية .. المذكوره في بدائع الزهور .. نختم بها مقال اليوم فقد تعطي إنطباعا .. لعلاقة المحتلين بالمصريين و ما كان علية الحال في تلك الأيام

عندما طارده (عبد الله بن علي ) باوامر من (عبد الله السفاح )اول خلفاء بني عباس ولجأ لمصر و منها الي النوبة عام 133 هجرية طالبا الحماية من ملكها الاسود الذى لا يتحدث العربية ..رد علية من خلال مترجم :

((قل له أنتم تلوذون الي نبيكم بقرابة و أنتم تشربون ما حرم عليكم من الخمر .. وتلبسون الديباج و هو محرم عليكم و تركبون في السروج الذهب و الفضة وهي محرمة عليكم و لم يفعل نبيكم شيئا من هذا ؟ و بلغنا عنك لما وليت مصر كنت تخرج للصيد وتكلف أهل القرى .. وكل هذا من أجل كركي تصيده قيمته سبعة أنصاف وهذه بدع إخترعتموها من أنفسكم )) .

((ولما إستحللتم ما حرم الله عليكم سلبتم ملككم و أوقع الله بكم نقمة لم تبلغ غايتها بعد .. وانا أخاف علي نفسي إن أنزلتك عندى أن تحل بي تلك النقمة التي حلت عليكم .. و لكن إرحل عن أرضي بعد ثلاثة أيام و إلا أخذت ما معك من أموال و قتلك))..

غزو البدو لوادى النيل قصة إستمرت منذ أن إستطاع المصرى ترويض النهر و زراعة ضفافة و تخزين المحاصيل لاستخدامها علي مر شهور العام بينما البدو المحيطون يتضورون جوعا و عطشا ويهاجمون القرى لسرقة ثروات اهلها او يسعون خاضعين للتسول من خيراتهم ..

و كان الملوك دائما منذ (مينا ) موحد القطرين حتي (المقوقس )مندوب االإمبرطور يجهزون الجيوش ويقومون بحملات التأديب والتهذيب للوحوش التي تدفعها الحاجة لمهاجمة الامنين

..إنه امر تكرر و حرص عليه جميع الحكام الا في هذا الزمن الاغبر عندما ضعفت الامبراطورية الرومانية الشرقية و اضعف الارهاب والخوف ابناء مصر فجعلهم مستسلمين لا يجدون فارقا بين من ينزح خيرات بلدهم و يرسالها عبر البحر الابيض .. عن من ينزحها و يرسالها عبر البحر الاحمر .(( نكمل حديثنا غدا )) .
#دفتر_إنكسار_أهلك_يامصر