د.جهاد عودة
اشتعل الصراع الدولى على المتوسط  هذه  المرة ليس من زاويه الموارد  الاستراتيجيه ولكن من زاوية المشروع الثقافى الاستراتيجى.  وظهر هذا فى الصراع الضارى بين فرنسا الفرنكفونيه وتركيا الكولوناليه. مما يستعيد اجواء ما قبل الحرب العالميه الاولى والصراع بين العلمانيه الفرنسيه والامبراطويه  العثمانيه المتداعيه والتى اوقفت وزيفت التاريخ فى العالم الاسلامى الصراع الدولى بهذه الوضعيه يصير صراعا شاملا بين فرنسا وتركيا باعتبارهما مشروعين ثقافيين استراتيجيين  ضدين بامتياز. 

من جانب الشروع الثقافى التركى الكولونالي كشف  عنه صلاح الحداد وهو  ليبى ، وكان عضو مجلس شورى التنظيم الدولى للإخوان المسلمين والذى التحق به فى 1990  حتى انشقاقه فى عام 2002  : " ان   التنظيم الدولى الإخوان المسلمين  حدد  خطة رئيسية  منذ عام 2006  للسيطرة على ليبيا وشمال إفريقيا".  كشف أردوغان عن ذلك في 2018 في اسطنبول في الذكرى 90 للإخوان المسلمين، هذا عندما اعلن أردوغان نيته الاحتفال بالذكرى المئوية في طرابلس ، عاصمة الإخوان المسلمين في شمال إفريقيا وفق التصور الكولونالى التركى الاخوانى. 

تم تفعيل هذه  الخطة الدولية الكولوناليه  عندما وصل الجيش الوطني الليبي إلى ضواحي العاصمة طرابلس.  وكان خالد المشري ، رئيس المجلس الاستشاري الأعلى للدولة ، في مقابلة تلفزيونية على هامش زيارته لموسكو في 22 مارس 2019 قد  ذكر الخطه.   وتعهد فرع الإخوان المسلمين الليبي بتنفيذ الخطة حتى  2028 للتنظيم الدولى للإخوان المسلمين ". بهذه الطريقة يهدفون إلى محاصرة أوروبا وخنق مصر. وأضاف الحداد: "لديهم أهداف اقتصادية واستعمارية ودوافع أيديولوجية". قال: "ان تنظيم الاخوان الدولى أمر تركيا ، وتحديدًا أردوغان ، عضو  التنظيم ، بالتدخل عسكريا في ليبيا. وقد بدأ هذا بالتدريج  منذ عام 2012" . ولفت الانتباه إلى حقيقة أن معظم الاجتماعات الدورية للإخوان  الدولى عقدت في تركيا لعقود ، حتى قبل وصول أردوغان إلى السلطة في عام 2002.   في عام 2006 ، قال الحداد ،  الاخوان الدولى  استغل فرع ليبيا والذى ساعده على اختراق الأجهزة والمؤسسات الحيوية للدولة ، مثل البنك المركزي ، والمؤسسات الخيرية ، مثل مؤسسة القذافي الخيرية الدولية و مؤسسة التنمية (GICDF) ، والمؤسسة الإعلامية المعروفة باسم ليبيا الغد (ليبيا الغد). كانت أحداث فبراير 2011 تشرع في التمكين الفعلي من خلال السيطرة على مفاصل الحكومة ، ولا سيما المناصب الوزارية والقيادية في المؤسسات السيادية ، مثل البنك المركزي ، والمؤسسة الليبية للاستثمار (LIA) ، والبنك الأجنبي الليبي (LFB) ، وشركة النفط الوطنية. (NOC) والشركة الليبية للاتصالات و تكنولوجيا المعلومات (LPTIC). هذا كله فى سياق دولى تقوده الولايات المتحده الامريكيه تحت غطاء الامم المتحده وقيادة القوات الامريكيه الافريقيه فى البنتاجون والمانيا.

من جانب المشرع الثقافى الاستراتيجى الفرنسى فقد صادق مجلس نواب الشعب، 30 يونيو 2020، على الاتفاق بين حكومة الجمهورية التونسية والمنظمة الدولية للفرنكوفونية بشأن انتصاب مكتب إقليمي لشمال إفريقيا للمنظمة بتونس، بـ 124 صوتا مقابل رفضه بـ 15 صوتا واحتفاظ 4 نواب بأصواتهم. علما ان هذا المكتب يتمتع بحصانة قضائية وإدارية وجمركية مطلقة. وتمّ إبرام هذا الاتفاق بين الطرفين يوم 15 أفريل 2019.  ويهدف بالخصوص إلى تحديد شروط انتصاب هذا المكتب بالتراب التونسي وضبط الامتيازات والحصانات التي سيتمتّع بها. كما تعترف الحكومة التونسية من خلاله بالشخصية القانونية الدولية للمنظمة وبأهليّتها في التعاقد واقتناء الأموال الثابتة والمنقولة وحقها في التقاضي.وفي ردّه على استفسارات النواب، أوضح وزير الشؤون الخارجية نور الدين الرّي أنّ هذا الاتفاق من شأنه أن يدعم الحضور الثقافي التونسي بالخارج، مؤكدا على أن القمة الفرنكوفونية ستكون فرصة لكل الشركات الناشئة للتعريف بمنتوجاتها ولذلك “لا بدّ أن نستغل هذه المناسبات لتحقيق أهدافنا الاستراتيجية " .

 وشدّد على أن “انتصاب المنظمة الدولية للفرنكوفونية بتونس هو انتصاب دبلوماسي”، قائلا إن “إشعاع تونس لابدّ أن يعود بهذه المنظمات” . كما بيّن أن الدبلوماسية التونسية وكل مؤسسات الدولة من واجبها التعريف بتونس وثقافتها، مؤكدا أن السيادة الوطنية والهوية الوطنية تمثل خطا أحمر لكن ذلك لا يمنع من الانفتاح على ثقافات أخرى. هذا ما تريده المنظمة الدولية للفرنكفونية بنشر اللغة الفرنسية بما تحمله من وجهة نظر وطريقة عيش مغايرة لما يحمله المجتمع التونسي. ويعود وضع مصطلح الفرنكفونية إلى الجغرافي الفرنسي “أونسيمروكولو، وقد حدده عام 1880 بأنه مجموع الأشخاص والبلدان التي تستعمل اللغة الفرنسية في مواضيع عديدة.

وحسب الموقع الرسمي لها, تمثل المنظمة مجالا من أكبر المجالات اللّغوية العالمية،  فهي ليست مجرّد تقاسم لغة لأنها تعتمد أيضا على أساس الاشتراك في القيم الإنسانية التي تنقلها اللغة الفرنسية. ويمثل هذان العنصران الدّعائم التي ترتكز عليها المنظمة الدّولية للفرنكوفونية. من هنا يتبيّن القصد الأساسي من هذه المنظمة،  إذ تلعب دورا محوريا في نشر اللغة الفرنسية في العالم, وبما تحمله اللغة من أفكار ومدلولات ومشاعر ومقاييس أعمال فهي المحمل الأساسي للثقافة الفرنسية بما تحمله من وجهة نظر حول الكون والانسان والحياة،  فالثقافة الفرنسية مرتكزة أساسا على مبدأ قوامه فصل الدين عن الحياة.  وجدت لنفسها متنفسا وهو مواصلة نفس الدور الذي أخذته على عاتقها لعقود وهو نشر العلمانية في العالم بما أنها تحمل المشعل, وأنها الرائدة في ما يسمى بفكر التنوير. تتخذ النزعة الفرنكفونية في تونس بشكل خاص بعدا سياسيًا، لا يمكن إغفاله، وتواصل دعم الفرنكفونية في تونس هو استمرار طبيعي للأشكال الجديدة للتواصل الاجتماعى والعرفى والاستراتيجى.  أمّا “المنظّمة الدّولية للفرنكفونية” فقد تأسّست رسميًا سنة 1970 بهدف تفعيل اللغة الفرنسية وتطويرها والتّرويج لها. فالأمر لفرنسا وتونس لا يعد مجرد ترف فكري، بل مصالح حيوية واستراتيجية، يرى بعضهم أنها مسألة حياة أو موت.

ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطابا في المدرسة العسكرية يوم الجمعة 7 فبراير 2020 في باريس. دافع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن استراتيجية دفاعية أكثر تنسيقا للاتحاد الأوروبي تلعب فيها فرنسا وترسانتها دورًا مركزيًا. يعتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن وباء الفيروس التاجي لديه القدرة على إعادة تشكيل الرأسمالية ، واصفا الوضع بأنه "لا يمكن تصوره" ، مشيرا إلى أنه يتعين على جميع البلدان الآن "ابتكار شيء جديد". وقال ان ارتفاع الشعبويه فى ايطاليا واسبانبا يمكن ان تضعف الاتحاد. وقال ان أن الوباء كرورنا  " صدم بطريقه  أنثروبولوجية عميقة" العالم بأسره ، مع التوقف الكثير من النشاط الاقتصادي الذي لم يسبق له مثيل. وأضاف أنه يرى أن  هذا له تأثير كبير على هيكل الرأسمالية العالمية ، من بين أمور أخرى. وقال ماكرون إنه يأمل أن تبدأ الدول ، في أعقاب الوباء ، في إعطاء الأولوية للناس على الربح وأن يكونوا أكثر انفتاحًا تجاه معالجة عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية والقضايا البيئية.

كما دعا دول الاتحاد الأوروبي إلى مساعدة دول مثل إسبانيا وإيطاليا ، التي تضررت بشدة من الوباء. يوجد في إسبانيا أكثر من 180.000 حالة إصابة بالفيروس ، مع ما يزيد قليلًا عن 19000 حالة وفاة ، في حين أبلغت إيطاليا عن حوالي 170.000 حالة مع أكثر من 22000 حالة وفاة معروفة. قال الرئيس ماكرون للـ "فاينانشيال تايمز" إنه يخشى أن يؤدي عدم مساعدة مثل هؤلاء الأعضاء إلى زيادة نوع الشعبوية التي ستضعف الاتحاد الأوروبي.  كما يريد وقفًا فوريًا لمدفوعات الديون الثنائية والمتعددة الأطراف للبلدان الأفريقية مما سيمح للدول الافريقيه الاستعاده  النمو.   كما بدا ماكرون غير متأكد مما سيحدث بالضبط ، مضيفًا أن "لا أحد يعرف" ما إذا كانت الأزمة لا تزال تبدأ أو في مكان ما في وسطها. وقال "هناك الكثير من عدم اليقين وهذا من شأنه أن يجعلنا متواضعين للغاية". لكنه أضاف أنه يأمل أن "تغير طبيعة العولمة".   وقال للصحيفة "كان لدينا انطباع بأنه لم تعد هناك حدود. كان الأمر برمته يتعلق بتداول وتراكم أسرع وأسرع." "كانت هناك نجاحات حقيقية ... ولكن على وجه الخصوص في السنوات الأخيرة زادت من عدم المساواة في البلدان المتقدمة. وكان من الواضح أن هذا النوع من العولمة وصل إلى نهاية دورته ، كان يقوض الديمقراطية".

هذا وقد أسفرت المواجهة بين باريس وأنقرة عن حادث غير مسبوق بين دولتين عضوين في الناتو، عندما استهدفت الفرقاطة الفرنسية كوربيه عبر الرادار سفينة تركية قبالة ليبيا في العاشر من يونيو 2020 ، واتهمت أنقرة بمعارضة عمليات التفتيش التي تقوم بها سفن التحالف، بما في ذلك الفرقاطة كوربيه، لسفن الشحن المشتبه بها في انتهاك صريح للغاية لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا. وقال إيمانويل ماكرون، الذي وصف رد فعل الناتو بالضعيف: إن " تركيا تلعب لعبة خطيرة في ليبيا وتنتهك جميع التزاماتها بعدم التدخل التي قطعتها على نفسها في مؤتمر برلين" الذي عُقد في يناير 2020. وبينما تتظاهر الولايات المتحدة بعدم اهتمامها بالملف الليبي، تحدث الأمين العام للناتو، السيد ينس ستولتنبرج،  عما أسماه "خلافًا بسيطًا بين الحلفاء"، قبل أن يقرر قبول فتح تحقيق في "عدوانية" تركيا بناء على طلب ثماني دول أوروبية. 

تلك العلاقة التي لوثّتها الحالة الحرجة للاجئين السوريين: حيث تهدد أنقرة بانتظام أنها على استعداد "لإطلاق" مجموعات اللاجئين نحو اليونان، وإما الالتزام بدفع مساعدات مالية كبيرة مقابل استضافتهم واستئناف مفاوضات عضويتها في الاتحاد الأوروبي والتي توقفت لعقد تقريبًا، بسبب قلق أوروبا من تدهور سيادة القانون في ظل نظام أردوغان الذي قام بتعديل الدستور قبل عامين للاستئثار بكل السلطات تقريبًا. واستعرضت جريدة "لوباريزيان" جانبًا من الأزمة، حيث اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإمداد الميلشيات بالأسلحة رغم الحظر المفروض، وبدورها ردت أنقرة، وباتت الأمور وكأنها ليست على ما يرام بين هاتين الدولتين الحليفتين في الناتو.  إن هذه النكسات ترجع إلى حد كبير إلى الدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق الوطني، في انتهاك واضح من أنقرة لحظر الأمم المتحدة على شحنات الأسلحة، وقد تقدمت المخابرات الفرنسية للأمم المتحدة في نيويورك بأدلة على تسليم مواد حرب من الدبابات، والطائرات من دون طيار، والصواريخ المضادة للطائرات، ومستشارين عسكريين أتراك وميليشيات سورية عدة مرات إلى الأراضي الليبية. وأضاف المصدر العسكري الفرنسي أن "العملية المعتادة هي تحميل سفينة شحن في تركيا، والتوجه إلى ميناء قابس التونسي كوجهة رسمية، ثم التوجه إلى مصراتة في ليبيا".