مراد وهبة

 الفرعونية تعنى الامتناع عن نقد الفرعون لأنه كائن مقدس. وقد عبر الرئيس السادات عن هذا المعنى في عبارة واضحة لا لبس فيها عندما قال: «أنا فرعون مصر والديمقراطية لها أنياب». وأزيد الأمر إيضاحًا، فأقول إن هذه العبارة تعنى أننا إذا تحدثنا عن الديمقراطية فلن تكون على النمط الغربى إنما ستكون على النمط الفرعونى، ومن ثَمَّ نقول: «الديمقراطية الفرعونية». وقد يقال إن ثمة تناقضًا غير مشروع بين الديمقراطية والفرعونية، ولكننا بفضل الفرعونية نقبل التناقضات غير المشروعة مادام قد نطق بها رئيس الدولة، أي فرعون. وعندما نقبل التناقضات غير المشروعة فإننا نكون مستعدين لقبول الأسطورة لأن الأسطورة تعبير عن حقيقة مطلقة، وهذه الحقيقة تحكى تاريخًا مقدسًا. ولهذا فالأسطورة تُعد واقعية ومقدسة في آن واحد، ولكنها في جوهرها منافية للواقع والعقل. ومن هنا فإن الفرعونية ليس في إمكانها التحكم من غير الترويج للأساطير، وما أكثرها في حياتنا المصرية المعاصرة.

 
وقد قيل إننا قد تجاوزنا الفرعونية بفضل محمد على، الذي أُشيع عنه أنه مؤسِّس مصر الحديثة في 13 مايو 1805. ومع هذا القول نثير السؤال الآتى:
إن محمد على لا يُذكر إلا وتُذكر معه الدولة العثمانية باعتبار أن مصر كانت تابعة لهذه الدولة، فهل تحرر محمد على من هذه الدولة؟ ثمة إجابتان عند مؤرخى مصر الحديثة، إحداهما بالإيجاب والأخرى بالسلب. وأنا أوثر الإجابة بالسلب على الإجابة بالإيجاب، فقد ترجم رفاعة الطهطاوى اثنتى عشرة شذرة لفلاسفة التنوير من أمثال «ديدرو» و«روسو» و«فولتير»، ومع ذلك حذر القراء من قراءتها خشية ضياع الإيمان. يقول في كتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»: «إن كتب الفلسفة بأسرها محشوة بكثير من البدع، ولهذا يجب على مَن أراد الخوض في اللغة الفرنسية المشتملة على شىء من الفلسفة أن يتمكن من الكتاب والسُنة حتى لا يفتر عن اعتقاده وإلا ضاع يقينه». وخلاصة القول إن محمد على لم يكن جادًا في تحديث مصر بالمعنى التنويرى لهذا اللفظ، إنما كل ما أراده من التحديث أن يكون في إطار تكوين جيش قوى في إمكانه استعادة قوة الخلافة الإسلامية التي كانت الدولة العثمانية قد فقدتها. والنتيجة المترتبة على هذه الإجابة هي أن الفرعونية متفاعلة مع هذه الخلافة. ويلزم من هذه النتيجة فرعنة الخلافة وأسلمة الفرعونية. ولا أَدَلَّ على ذلك من أن الفرعون في زمن السادات أخرج الجماعات الإسلامية من المعتقل، ومن هنا أصبحت مصر في مأزق، أي في حالة تناقض. والمطلوب إذن رفع هذا التناقض.
 
والسؤال: كيف؟
إذا كانت الفرعونية متحركة على مستوى المطلق ومعها الخلافة الإسلامية، فنحن أمام تناقض غير مشروع لأن المطلق لا يمكن إلا أن يكون واحدًا. ومن هنا لابد أن يُجْهِز أحد المطلقين على الآخر دون أن يعنى هذا الإجهاز انتصارًا لأى منهما، إذ لا فرق بينهما إلا من حيث الشكل.
 
والرأى عندى أن الخروج من هذا المأزق يكمن في تدريب النخبة ومعها الجماهير على «التفكير في النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق»، أي تدريبهم على العلمانية.
نقلا عن المصري اليوم