هاني لبيب
من الذي قتل فرج فودة؟.. سؤال يحمل قدراً من السخرية بعد 28 عاماً على استشهاد المفكر الكبير، ومع هذا فإن الإجابة بسيطة للغاية.

نحن من قتلناه بخيبتنا، نحن من قتلناه بصمتنا على عدم مواجهة الأفكار المتطرفة والرد عليها وتفنيدها، نحن من قتلناه بترك تلك الأفكار الضالة تأسر الدين وتحوله إلى رهينة، لا تعرف تجديد الفكر، بل تقدسه وتفسره بشكل منحرف لصالح كل ما هو ضد صحيح الدين، بعظمته وعدالته وسماحته.

علينا أن نخجل من الصمت على وصف كل من يفكر بالكفر والإلحاد والارتداد، بداية من طه حسين ولويس عوض، مروراً بالمستشار سعيد العشماوى والشيخ خليل عبدالكريم، وصولاً إلى فرج فودة ونصر حامد أبوزيد، وعلينا أن نخجل من سكوتنا على تحول حسن البنا وسيد قطب وأبوالأعلى المودودى وعمر عبدالرحمن وشكرى مصطفى إلى مرجعيات دينية.

استشهد فرج فودة بسبب مجاهرته بآرائه ضد التفكير الدينى المتطرف، وأيضاً بسبب تحكيمه لعقله، ومخالفته الرأى السائد، وإعادته قراءة التراث وانتقاده، لدرجة جعلته مصدر خطر على بقاء الجماعات المتطرفة وسيطرتها على المجتمع.

اتسمت آراء فرج فودة بالجرأة وجلبت عليه موجات من التشكيك، خاصة في إسلامه، إذ تم تكفيره والتشهير به وحصاره وعزله، لدرجة الاتفاق غير الرسمى على اغتياله وإهدار دمه، والملاحظ أن فودة ظل حتى آخر لحظة من حياته يشجع على التنوير ونبذ التطرف والتعصب وتكفير الآخر، وظل على هدوئه وثباته حتى مع أكثر معارضيه شراسة، محافظاً على حقه في التعبير عن رأيه، وقد اتسم حديثه دائماً بدقة معلوماتية وتاريخية مبهرة، وارتكز على البحث والتحليل والحوار، وعبّر بشكل حقيقى عن وسطية الدين واعتداله، مبتعداً بالكامل عن الجدل العقيم، واستخدام الصوت المرتفع ودغدغة مشاعر البسطاء، ولهذا حاولوا دائماً التقليل منه، والاستهتزاء به، مثلما حدث في ندوة معرض الكتاب في يناير 1992 قبل شهور من اغتياله.

نقرأ في كتاب «النذير» الذي أصدره فرج فودة سنة 1989 أي قبل 30 عاماً، شرحه وتحذيره من تنامى تيار الإسلام السياسى، وقدرة الجماعات المتطرفة، وفى مقدمتها جماعة الإخوان الإرهابية على الانتشار في المجتمع المصرى، وتحقيق السيطرة على الصعيد الاقتصادى والاجتماعى والسياسى، وتطويعها للمساجد والجمعيات الخيرية والمراكز الطبية والخدمية الملحقة بالمساجد لخدمة أهدافها وإعادة هندسة المجتمع عن طريق حوافز مادية لتشجيع الظواهر الإسلامية مثل: النقاب، لتكون دولة داخل دولة. بل والأخطر من ذلك كيف استطاعت التسلل داخل الجهاز الإعلامى الرسمى للدولة، وفى الاتحادات والنقابات.

بعد كل هذه السنوات على إصدار «النذير» لايزال الفكر التكفيرى له تأثيرات مختلفة في نشر خطاب الكراهية والعنف.. فالذى قتل الرئيس السادات هو الذي قتل فرج فودة، وهو الذي حاول قتل نجيب محفوظ، وقتل أحمد المنسى. منفذون عدة، ومرجعية إرهابية واحدة. وما حذر منه فرج فودة قبل كل هذه السنوات هو ما نعانى منه إلى الآن.

نقطة ومن أول السطر..
رغم صمت الأموات الذي يصم رد فعل المثقفين والمفكرين مع جماعات الإسلام السياسى على قضية اغتيال فرج فودة.. إلا أنه لايزال هو المنتصر القوى ضد الأصولية والإرهاب.
نقلا عن المصرى اليوم