د.ماجد عزت إسرائيل

 

صاحب القداسة البابا تواضروس الثاني... صديقتي!!
  نشرت جريدة الأهرام اليوم الجمعة الموافق(3 يوليو 2020م) لصاحب القداسة البابا تواضروس الثاني قصة أدبية قصيرة  بعنوان "صديقتي" ، وهذه موهبة جديدة من مواهب قداسته. وربما اعتقد أن هذه القصة باكورة لأعمال أدبية قادمة. والآن عزيزي القاري.....أتركك مع هذه القصة الأدبية القصيرة....تتأمل.... إبداعات  قداسة البابا...آدام الله لنا حياته.
 
صديقتي
أسكن بالطابق الثالث فى بناية ذات أربع طوابق وكنت أحب غرفتى بل وأعشقها رغم أثاثها البسيط جداً ..سرير ودولاب وكرسي وسجاده بالارض وأضاءة كافيه
 
بالسقف ، كنت أحب الجلوس فيها ولوقت طويل ودون ملل أو ضجر.
ورغم أن لى مسكنا أخر فى مدينه أخرى ...ألا أن هذه الغرفة كانت تجذبنى دائماً فى حياتى التى أعيشها بمفردى داخلها .
 
كنت أتسأل دوماً: لماذا أحب غرفتى هذا الحب الكبير ؟ وعندما بحثت عن السبب ... وجدت ضالتى !
فى غرفتى نافذه مستطيله ذات ضلفه زجاجيه واحدة ومن خلالها يبدو المنظر رائعاً .
 
منها أرى أمتداد السماء الصافيه فى خلفية المشهد الجميل والشمس تنيرها بضياء خلاب كل صباح وهناك شجره كافور ضخمه وعاليه حتى أن فروعها تصل إلى الطابق الرابع ... ولكن هنا من النافذه أرى جزءاً يتمايل ويتراقص من هذه الفروع مع حركه الهواء ... أنه فرع ممتد من الشجره ومنه تخرج فروع أصغر وتتدلى منها الأوراق الخضراء المستطيله والتى مع حركة الهواء تصدر أصواتاً عديده وكأنها تتنفس الهواء عندما يمر بينها ...
 
ويكتمل المشهد بالعصافير المنطلقه والسابحه فى الهواء .. تقف حيناً على فروع الشجره وحيناً اخر تتحرك وتمشى وتصدر أصواتها العذبه فى تناغم بديع جداً
 
وكأنى أستمع إلى لحن موسيقى رقيق ... ولا يوجد غير أصواتها التى أشعر أنها تتكلم مع بعضها ربما بلغه تفوق معرفتنا ...
 
والجميل أنه لا توجد أى أصوات بشريه .. السماء صافيه والهواء نقياً والشمس ساطعه والعصافير تعزف ألحانها وهى بفرح غامر وسلام تتحرك وتطير ولا تحمل هماً أو قلقاً لأى شئ.
 
فى كل صباح أجلس ساكناًاً أمام هذة النافذة والتى أشعر أن الله يتطلع إلى من خلالها وكنت دائماً أتسأل عن سر هذا الجمال المدهش الذى أراه من خلال النافذه المحدود فى مساحتها .
 
فى كل صباح أرى افكارى وحياتى من خلال هذه النافذه المحيره
كنت أرى حباً من خلالها يتدفق من السماء والشمس والشجرة والعصافير والأصوات والهواء والنور
 
... أنها لوحه بديعة.
لقد وجدت هذة النافذه وكأنها تحدثنى عن حياتى وأيام عمرى وأنا الأن فى نهاية العقد السابع من العمر وعرفت نافذتى منذ العقد الخامس ولم اكن ملتفتاً اليها إلا الأن .
 
حركة فروع الشجره أمامى حركة دائمه تمثل حركة أيام عمرى ومراحل الحياة ... أحياناً تتحرك بحركات خفيفه وفى أحيان أخرى تكون شديدة وهكذا مرت حياتى ..
 
مراحل وأيام هادئه ساكنه فى كثير من الأحيان ولكن كانت هناك مواقف شديده وربما مؤلمه وربما قاسيه ... هل هى صدمات القدر عندما تفقد أحباء لنا أو نعانى ألماً وتعباً من أخريين ؟، أو نجتاز أمراض وألام جسدية مبرحه ونحتاج جراحات خطيره لعلاجها ؟؟
 
وكأن النافذه تحكى وتصور مرور السنوات بحلوها ومرها ..
لأن من الفروع تتدلى الأوراق المميزه لشجرة الكافور ذات الرائحه العطريه المعروفه ... وأتخيل أن هذه الأوراق تمثل البشر الذين عرفتهم فى مشوار الحياه الطويل .. سواء أقرباء أو أحباء أو حتى عابريين فى حياتى... لا معنى للحياة بدون البشر ولا معنى للحياة بدون الحب الذى يجعل هذة الأوراق مترابطه على فرع
 
الشجره فى أنسجام عجيب .
الحب ذلك الأحساس الجميل الذى يشعر به الانسان من خلال الأخريين ، لقد أحببت معظم الذين عرفتهم .. أسرتى ، أصدقائى ، زملائى ، معارفى ، زوارى ... وأن تفاوتت مشاعر الحب من أنسان لأخر
 
أننى أشعر بالحب جداً فى علاقاتى الأنسانيه ... أشعر أننى أحمل قلباً كبيراً جداً ويكاد أننى أصرخ فى قلبى تجاه كل أحد "أنا بحبك" أقولها عن أحساس وشعور عميق فى داخلى ، لأ أذكر يوماً أننى خاصمت أنساناً أو سمحت للكراهيه أن تطرق باب قلبى ؟
 
وعندما وضعتنى العناية الألهيه فى بداية العقد السابع من عمرى أن أكون مسؤلا كبيراً ، شعرت أن طاقه الحب تتدفق بالحقيقه مثل تدفق ينبوع المياه العذبه نحو الكل وبدون استثناء حتى مع الذين أخذوا موقفاً منى أو عادونى أو أصدروا نقداً وحكماً على قراراتى .
 
أن اصعب المواقف كانت القساوة التى أجدها عند بعضهم ..
وكأن قلبهم بلا رحمه بلا أحساس بلا حب ...
وأتعجب كيف يوجد أناس بلا حب فى حقل عمل مؤهله الأول الحب
 
أن الأوراق المتدليه من فروع الشجر تروح وتجئ مع حركة الريح ويأتى وقت الخريف ويتساقط بعضها جافاً بصفره الموت ولكن الحياة تستمر .. لقد فقدت أعزاء وتألمت لغيابهم ولكن مازال حبهم فى قلبى .
 
أما العصافير التى تأتى أحياناً وتقف على فروع الشجره وأراها منطلقه فرحه وتتحرك فى أنسيابيه مذهله يعجز عنها أهل الأرض ، وأظن أن كل مره يأتى عصفوراً أمام النافذه أنه يحمل رسالة خاصة من الله لى ...
 
فى حركته الرشيقه أشعر بيد الله الحانيه وفى صوته الرقيق أشعر بصوت الله الحنون
وفى مجيئه وذهابه أشعر بدفقات الحياة المتجددة .
 
كثيرا ما عمل الله معى بشكل مذهل ... فى طفولتى لم أكن أدرى تماماً ما يحدث معى من نجاحات وأخفاقات ... أتذكر الأم مرض والدى ومعاناه والدتى ومسيرة دراستى وطبيعه عملى وهدف حياتى وعندما أنظر إلى الماضى أتعجب أندهش كيف مرت حياتى هكذا محاطاً بيد الله القوية وكأنى ذلك العصفور الذى يتحرك بلا خوف ولا هم بل فى حرية وأنطلاق وفرح .
 
كانت زقزقه العصافير بمثابة أصوات تسبيح وصلاه وبهجه واطمئنان ... وهو شعور متبادل بينهم وبينى.
 
انها بالحقيقة لوحة جمالية مدهشة وسط الهدوء والسكون وتطلعات الحياه من خلال هذه النافذه التى تجعلنى أسبح فى الماضى وأعيش الحاضر وأتطلع إلى المستقبل فى سلام وأطمئنان .
 
أشعر أحياناً ان هذه النافذه مصدر سعادتى وبهجه قلبى بل أننى أكاد أسميها " نافذه رجاء" لانه كما تعصف بى الحياة فى مواقف صعبه وأحياناً مؤلمه ، أعود إلى "
 
صديقتى " لأنال قسطاً من الرجاء عالماً أن كل الأشياء تعمل معاً للخير ... أن تفاصيل هذه النافذه وما أراه من خلالها لهو يعنى لى أن الحياه حلوه وأنها بخير.
 
رغم الشرور التى نجدها أو نسمع عنها ... وأشعر أن مشاعرى تجاه صديقتى هى مشاعر راحه وسلام...
هذة النافذه ترسم لوحه حياتى الجميلة.