كمال زاخر

16 ـ ملء الأزمنة

• معنى الزمن عند اليونان وعند اليهود
يتوقف لكاتب توقفاً تاريخياً عند معنى الزمن عند اليونان وعند اليهود قديماً إذ يعتقد اليونان بوجود دورات تاريخية "يبدأ العالم كله بعد كل دورة حركته التاريخية من جديد بنفس حوادثها وبكل دقائقها الهامة، ومن هنا لا يزال المثل السائد (التاريخ يعيد نفسه) يُشير إلى هذا المعتقد.

بينما كانت رؤية اليهود للزمن "مبنية على التوراة ومعاملة الله، فبينما أغلق اليونان التاريخ إذ جعلوه على صورة دوائر متكررة بلا نهاية ولا معنى، جعل اليهود التاريخ على صورة خط، وإن كان خطاً غير مستقيم بطبيعة الحال، لما عاناه اليهود من تأديبات جعلت الخط التاريخي عندهم قابلاً للهبوط والارتفاع.". "لكنه له بداية "خلقة العالم بسفر التكوين" ونهاية "هى ما ذكرها العهد القديم دائماً باسم يوم الرب، حيث فيه وعنده ينتهى الزمن والتاريخ".

"أما قرب النهاية، نهاية الزمن، أو عندما يبلغ الزمن ملأه، فسيأتى شخص تحيطه الأسرار جداً يُدعى المسيا أى الممسوح من الله، وهو الذى سيضطلع بإنهاء التاريخ وإظهار مشيئة الله وحكمه وسلطانه وكل دقائق تدبيره، وهكذا عندما يأتى المسيا "يوم الرب" يَستعلن ملكوت الله أو يَستعلن حكمه السابق واللاحق."

"يوم الرب فى المفهوم اليهودى يعنى آخر الأيام، أو نهاية الدهور، أى نهاية التاريخ الذى يرى الآن، فى نظر اليهود"

"وآخر الأيام، هنا ليست نهاية باللفظ أو للزمن، بل هى مفهوم يعنى تكامل التاريخ والزمن (يسميه الإنجيل ملء الزمان (غل 4:4) لاستعلان الحق، لذلك فيوم الرب سيكون هو الإجابة على كل مشاكل التاريخ المحزنة وغير المفهومة، المقبولة وغير المقبولة".
"أما بالنسبة لفكر اليهودى المتدين، فهذا اليوم ـ أى يوم الرب أو المسيا أو آخر الأيام ـ يمثل عنده أولاً وأخيراً تحقيق كل قيمة الدين ومنفعة التدين، فهذا "المسيا" وهذه النهاية المنتظرة بفارغ الصبر، هى قلب الدين ورجاء التدين"

"أما العهد القائم بين الله وإسرائيل فلم يستطع إسرائيل أن يكون أميناً عليه إلا فى انتظار المسيا. ففى "أيام المسيا" سيرتفع "العهد القديم" إلى "عهد جديد"سيكون الله فيه صفوحاً بلا حدود. وعند استعلان مُلكه هذا سيُعطى إسرائيل القوة التى أعوزته لكى يحفظ هذا العهد لأن "بواسطة المسيا" سيفدى الله إسرائيل وسيعفو عن كل ذنوبه وإخفاقاته، وبالتالى سيرفع عنه تأديب التاريخ وأحزان وكوارث الزمن".

• الزمن وملء الزمن فى المفهوم المسيحى

يخلُص الكاتب إلى أنه "بمجئ المسيح كشف سر اليوم المكتوم منذ الدهور، وبموت المسيح وقيامته جاء "هذا اليوم" واستُعلن فيه ـ أى فى المسيح ـ فكر الله وتدبيره عبر كل التاريخ والزمن "لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شئ فى المسيح ما فى السموات وما على الأرض فى ذلك." (أف 1 : 10)

أى أن المسيح هو نفسه استعلان ومعرفة وشرح لكل حركات التاريخ والزمن على الأرض كما فى السماء!! لأن حركة التاريخ ـ فى المفهوم المسيحى الآن ـ تسير فى الأرض وفق ما يتدبر فى السماء، فكل خفايا التاريخ وألغازه ومشقاته وتأديباته التى وقعت على الأجيال السابقة، بدأت منذ الآن تُعرف وتنكشف بواسطة المسيح كما يفصح القديس بولس الرسول " بإعلان عرَّفنى بالسر ... حينما تقرأونه تقدرون أن تفهموا درايتى بسر المسيح الذى فى أجيال أُخر لم يُعرَّف به بنو البشر كما قد أُعلِن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح ... لى أنا أصغر جميع القديسين أُعطيت هذه النعمة أن أُبشِّر بين الأمم بغنى المسيح الذى لا يستقصى، وأنير الجميع فى ما هو شركة السر المكتوم منذ الدهور فى الله خالق الجميع بيسوع المسيح." (أف 3 : 3 ـ 9)

وهكذا، فإنه فى اللحظة التى قدَّم المسيح فيها نفسه ذبيحة بإرادته أمام بيلاطس البنطى راضياً بالصليب، لكى يكمِّل مشيئة الله الآب فيه، كانت هذه هى محنة التاريخ كله ودينونة العالم، فكانت هى اللحظة التى بلغ فيها التاريخ ذروته والنقطة الحرجة التى عندها اكتملت الأزمنة.

ويواصل الكاتب؛ أما عندما عبر المسيح من الموت إلى القيامة، ثم أكمل القيامة بالصعود، ودخل فعلاً بجسده إلى مجد أبيه، فقد بدأ التحوُّل، وبدأت دهور الله أو الزمن الآخر، وبدأ عهد المصالحة مع الله بواسطة المسيح. لأن فى حياته وفى سلوكه وفى موته كإنسان، تبرَّر الإنسان إزاء كل أحكام الله ونواميسه، لأن المسيح أكمل كل حكم الله وناموسه وكل قضاء التاريخ فى نفسه!! الله صالح العالم لنفسه بواسطة المسيح!!

و"فى المسيح" أى فى جسده، تعيش الكنيسة (العالم الجديد) مُبرَّرة، والمفديون بدمه صاروا أعضاء فى جسمه الذى ولدوا منه وله بالمعمودية، وبالإفخارستيا صاروا معه وفيه دائماً على الأرض كما فى السماء: "أقامنا معه وأجلسنا معه فى السمويات." (أف 2 : 6)
وينتهى الكاتب إلى النتيجة المحتمة "لقد دخل الإنسان "يوم الرب". وهو الآن يعيش فيه كل يوم!!
فكل إفخارستيا هى "يوم الرب".
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
نعود فى اللقاء القادم فنبحر فى المعانى العميقة وراء كلمات الرب وقت العشاء.