كتب – محرر الأقباط متحدون أ. م

تساءل أحدهم ما هو حكم التبرع بأموال الحج والعمرة لصالح القطاع الصحي، والمتضررين من وباء كورونا؟

وأجاب الأزهر الشريف، أنه من المعلوم من الدين بالضرورة في شريعة الإسلام أن الحج ركنٌ مفروض على المستطيع من المسلمين في العمر مرةً؛ لقوله سبحانه: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} [آل عمران: 97]، وهو أحد أركانٍ خمسةٍ بني عليها الإسلام.

وتابع في فتواه، مع هذا الفضل العظيم للحج والعمرة فإن إكساب المعدوم، وإنقاذ المرضى، وإطعام الجوعى في زمان الوباء والفاقة أولى وأفضل من حج النافلة وعمرتها؛ فللنوازل أحكامها، ولأزمنة الجوائح في شريعة الإسلام تفقه يناسبها؛ سيما إذا تعطلت التحركات من بلد لآخر بسبب خوف انتشار الوباء، كما هو الحال الآن في ظل خوف انتشار فيروس كورونا، ليس في بلاد الحرمين فحسب؛ بل في مختلف بلاد العالم.

بل قد جاء عن الفقهاء ما يفيد أولوية الصدقة على حج الفريضة إذا عمت البلوى، وازدادت الحاجة، وتعينت المواساة؛ إذ إن المواساة في أزمان الجوائح واجبةٌ باتفاق الفقهاء، وحج الفريضة مختلف في وجوبه: هل هو على الفور أم على التراخي؛ يقول الإمام الحطاب المالكي رحمه الله: «وأما في سنة المجاعة فتقدم الصدقة على حج التطوع، ويفهم منه أنها لا تقدم على الحج الفرض وهو كذلك على القول بالفور، وعلى القول بالتراخي فتقدم عليه، وهذا ما لم تتعين المواساة بأن يجد محتاجًا يجب عليه مواساته بالقدر الذي يصرفه في حجه فيقدم ذلك على الحج لوجوبه فورًا من غير خلافٍ والحج مختلفٌ فيه» [مواهب الجليل للحطاب (3/ 537)]

ويقول الإمام ابن رشد رحمه الله: «إن الحج أحب إليه من الصدقة، إلا أن تكون سنة مجاعة؛ لأنه إذا كانت سنة مجاعة، كانت عليه المواساة، فالصدقة واجبة، فإذا لم يواس الرجل في سنة المجاعة من ماله بالقدر الذي يجب عليه المواساة في الجملة، فقد أثم، وقدر ذلك لا يعلمه حقيقة، فالتوقي من الإثم بالإكثار من الصدقة أولى من التطوع بالحج، الذي لا يأثم بتركه» [البيان والتحصيل لابن رشد (13/ 434)].

وتؤيد كلام الفقهاء المذكور أدلةٌ كثيرة دلت على عظم مكانة مداواة المرضى، وإطعام الجوعى، ومعاونة المحتاجين في الإسلام، وهي أكثر من أن تحصى.

ولا يخفى على أحد ما خلفه فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19) ووبائه من أزمات وتداعيات طالت جميع دول العالم وتأثر بها الأفراد على المستويات كافة، دينية كانت أو اجتماعية، أو علمية، أو اقتصادية، أو ثقافية، أو سياسية وأمنية، ولا يخفى أيضًا ما خلفته تدابير مواجهة هذا الوباء كمنع التجمعات، وحظر التحركات من إضعاف دخول كثير من الأفراد والأسر، الأمر الذي أدى إلى ازدياد حاجتها وفاقتها.

وهذا فضلًا عما يعانيه العالم أجمع من حاجةٍ ماسةٍ للمزيد من الأدوية، والمعدات والأدوات والأجهزة الطبية.

وهي لا شك أمور تدعو الناس جميعًا إلى الاصطفاف الوطني والاجتماعي، وتحتم على كل قادر أن يعين بماله أخاه في الإنسانية، وتوجب على المسلمين بشكل خاص أن يجعلوا أموال زكواتهم وصدقاتهم ونفقات حجهم هذا العام وعمرتهم في هذه المصارف الضرورية الملحة.

ومن كان قد ادخر مالًا لحجة الفريضة وحال بينه وبين أدائها حائلٌ خاص به، أو بأماكن أداء الشعائر كتعطيل حج هذا العام، وقرر التصدق بالمال الذي أعده لحجته؛ فقد أدى بذلك صدقةً من أعظم الصدقات، وأجر على نيته إن شاء الله؛ ولكن لا تسقط الصدقة عنه حجة الفريضة؛ إذ إن الحج فرض عينٍ على كل مسلم مستطيع مرةً واحدة في عمره، ومعلوم أن الفرض لا يسقط بالسنة.