في مثل هذا اليوم 14 يوليو 1789م..
الباستيل هو سجن أُنشئ في فرنسا بين عامي 1370 و 1383 كحصن للدفاع عن باريس ومن ثم كسجن للمعارضين السياسيين والمسجونين الدينيين والمحرضين ضد الدولة.

أصبح على مدار السنين رمزاً للطغيان والظلم وانطلقت منه الشرارة الأولى للثورة الفرنسية في 14 يوليو 1789 وما تزال فرنسا حتى اليوم تحتفل بمناسبة اقتحام السجن باعتبارها اليوم الوطني لفرنسا (Fête Nationale) في الرابع عشر من يوليو من كل عام وانتهاء حقبة طويلة من الحكم المطلق.

ابتداء من 1659 بدأ الباستيل يحفظ سجلات منتظمة لسجنائه ومنها نعرف أن سجناءه بين 1658 وسقوطه في 14 يوليو 1789 بلغ 5279 سجينا منهم 2320 أيام لويس الرابع عشر ومنهم 1459 أيام وصاية الكاردينال دي فليري De Fleury منهم 1233 من الذكور و 226 من الإناث، ومنهم 1194 سجينا في عهد لويس الخامس عشر (1019 ذكورا و175 إناثا) ومنهم 306 سجناء في عهد لويس السادس عشر (274 ذكور و 32 إناث) ولم يكن تدرج عدد السجناء في الانخفاض بسبب انخفاض عدد خطابات الكاشيه، ولكن نفقات الباستيل الباهظة جعلت الدولة تفضل إرسال المتعقلين إلى سجون أخرى.

اقتحام سجن الباستيل:
صبيحة اليوم الرابع عشر من تموز عام 1789م، كانت مدينة باريس في حالة من الذعر. وكان قد اقتحم المتظاهرون في وقت سابق ليزانفاليد لجمع الأسلحة (29000 – 32000 بندقية من طراز قديم لكن دون مسحوق البارود أو طلقات). وكانوا يسعون بشكل أساسي إلى الاستيلاء على الأسلحة والذخائر المخزنة في سجن الباستل – كان يوجد أكثر من 13600 كيلو غرام من البارود مخزنة هنالك في الرابع عشر من تموز.

في هذه الفترة كان سجن الباستيل فارغَا تقريبَا من السجناء؛ فيه فقط سبعة: أربعة مزورون، ومجنونان، ومنحرف أرستقراطي واحد وهو الكونت دي سولاجي comte de Solages (وكان قد نُقل الماركيز ديي ساد Marquis de Sade من السجن قبل عشرة أيام من يوم اقتحامه). التكاليف المنفقة على الحامية وصيانة الحصن الذي يعود تاريخه إلى العصور الوسطى، واستعماله لغرض محدود جدًا أدى إلى اتخاذ قرار بإغلاقه قبل وقت قصير من اندلاع الاضطرابات.لكن رغم ذلك، كان يشكل رمزًا للاستبداد الملكي.

قائمة المدافعين عن سجن الباستيل تشمل حوالي 600 اسمًا، ومجموع الحشود كان تقريبا أقل من 1000. احتشدت الجماهير في الخارج في منتصف الصباح مطالبين بإعلان السجن للاستسلام وإزالة البنادق وإخراج الأسلحة والباروددُُعي اثنين من ممثلي الجماهير للدخول إلى داخل الحصن، وبدأت بعدها المفاوضات؛ وفي الظهيرة سمح لآخر بالدخول حاملاً مطالب محددة.طالت المفاوضات طويلا بينما ازداد عدد الحشود ونفد صبرهم.تدفقت الحشود حوالي الساعة الواحدة والنصف نحو الفناء الخارجي غير المحمي، وقطعوا سلاسل الجسر المتحرك المؤدي إلى الفناء الداخلي والذي أدى إلى سحق أحد المدافعين سيء الحظ. تقريبا في هذا الوقت بدأ إطلاق النار، رغم أن معرفة أي الفريقين بدأ إطلاق النار أولا لن يتم التوصل إليها أبدا بشكل قاطع. ويبدو أن الحشود شعرت نفسها قد وقعت في فخ وأصبح القتال أكثر عنفًا وشدة، وتجاهل المهاجمون محاولات النواب للتوصل إلى وقف إطلاق النار.

استمر إطلاق النار. وفي الساعة الثالثة، دعم متمردو الحرس الفرنسي وغيرهم من الفارين من القوات النظامية ومعهم مدفعين المهاجمين.ولم تتدخل قوات الجيش الملكية ذات القوة الكبيرة المعسكرة في ساحة دي مارس المجاورة. ومع وجود احتمالية وقوع مجزرة مشتركة بين الطرفين، ظهر محافظ السجن دي لوني فجأة وأمر بإيقاف إطلاق النار في الساعة الخامسة. وتم تسليم رسالة يعرض فيها شروطه للمحاصِرين في الخارج عبر فتحة في البوابة الداخلية.وعلى الرغم من رفضهم لطلباته، إلا أن دي لوني استسلم مدركًا أن قواته لن تقوَ على الصمود أكثر من ذلك، وفتح الأبواب المؤدية إلى الفناء الداخلي فاندفع المتظاهرون للداخل محررين الحصن الساعة الخامسة والنصف.

ذهب ضحية القتال ثمانية وتسعون مهاجمًا وومدافع واحد. وأُلقي القبض على دي لوني وسُحب إلى دار بلدية دفيل Hôtel de Ville وسط وابل من الشتائم. وبدأ نقاش حول مصيره خارج دار البلدية.وصاح المهزوم دي لوني: "كفى! دعوني أمت!"وركل طاهي فطائر اسمه دواليت Dulait على فخذه، فطعنوه عدة مرات حتى سقط، ونشروا رأسه وثبتوه على رمح ليجوبوا به الشوارع. وقتل الحشود أيضا الضباط الثلاثة لحامية الباستيل الدائمة، وقد نقل الجنود الناجون تفاصيل جراحهم وألبستهم وأعدم اثنين من المحاربين القدامى التابعين للحامية، وقام الحرس الفرنسي بحماية جميع السويسريين النظاميين التابعين لفرقة ساليس ساماد عدا اثنين، وتم تحريرهم تدريجيا ليعودوا إلى فرقتهم. وكتب ضابطهم ليتنانت لويس دي فلو Lieutenant Louis de Flue، والذي نجا، تقريرًا مفصّلاً حول دفاعهم عن سجن الباتستيل والذي أُدرج في سجل أداء الفرقة. إن موت الماركيز دي لوني، والذي اتهم دي فلو قيادته بالضعف وعدم الحسم، أمر خطير (بل وربما غير عادل).ويبدو أن مسؤولية سقوط الباستيل تقع على عاتق قادة قوات الجيش الملكية المعسكرة في ساحة دي مارس، حيث أنهم لم يقوموا بأي جهد للتدخل بينما كان ديزنفاليد المجاور والباستيل يُهاجمان.

أما في دار بلدية دفيل، فقد اتهم الجماهير شهبندر التجار prévôt ès marchands جاك دى فليسيل Jacques de Flesselles بالخيانة، واغتيل في طريقه إلى المحاكمة الصورية في القصر الملكي.

توقع مواطنو باريس هجومًا مضادًا، فتحصّنوا الشوارع، وأقاموا الحواجز من حجارة الرصف، وتسلحوا بكل ما استطاعوا وخاصة بالرماح. في ذلك الوقت، بقيت الجمعية في فرساي جاهلة بمعظم الأحداث التي شهدتها باريس، لكنها كانت مدركة تمامًا أن المارشال دى بروجلي كان داعمًا لإحداث انقلاب ملكي لإجبار الجمعية على تبني مرسوم الثالث والعشرين من تموز ومن ثم حلها. وعلى ما يبدو، أحضر دي نوال de Noailles في البداية أخبار دقيقة حول أحداث باريس إلى فرساي. وأرسل ام جانيل M. Ganilh و بانسال ديس اسارت Bancal-des-Issarts إلى دار بلدية دفيل بسرعو وأكدوا هذا تقريره.

في صبيحة اليوم الخامس عشر من تموز، أصبحت العواقب واضحة للملك أيضا، وتنحّى عن منصبه هو وقادته العسكريين. وتشتت القوات الملكية المعسكرة حول باريس إلى مواقعهم على الحدود. وتولى الماركيز دي لا فاييت السيطرة على الحرس الوطني في باريس، بينما أصبح جان سيلفان بايي – قائد أحد قادة الطبقة الاجتماعية الثالثة والمحرض على قسم نادي التنس - عمدة المدينة تحت هيكلية الحكومة الجديدة والمعروفة باسم "بلدية باريس Commune de Paris" .وأعلن الملك أنه سيستدعي نيكر ليعود من فرساي إلى باريس.في السابع والعشرين من تموز، وافق الملك على القبعة المثبت عليها أشرطة ذات الألوان الثلاثة من بيلي ودخل دار بلدية دفيل ينما تغيرت الهتافات من "يعيش الملك" إلى "تعيش الأمة."

و بعد هذا العنف، بدأ النبلاء - والذين لم يثقوا بالتسوية الظاهرية التي تبين أنها مؤقتة بين الملك والشعب - بالفرار من البلاد كلاجئين سياسيين émigrés . وكان من ضمن المهاجرين الأوائل دي ارتوس comte dArtois (ملك فرنسا المستقبلي شارلز العاشر) وولديه الأمير دي كوندي prince de Condé و والأمير دي كونتي prince de Conti، وعائلة بوليجناك Polignac ، وفيما بعد وزير المالية السابق شارلز ألكسندر دي كالون Charles Alexandre de Calonne.واستقروا في تورين Turin ، وهناك بدأ كالون، بصفته وكيلا للكونت دي ارتوس والأمير دي كوندي، بالنخطيط لخرب أهلية داخل الملكة والتحريض لتشكيل ائتلاف أوروبي ضد فرنسا.

عاد نيكر من بازل إلى فرنسا وسط فرحة الانتصار (التي سرعان ما تبددت) واكتشف حين وصوله أن الجماهير قد قتلت فولون Foulon وابن أخ فولون، بيرثييه (Berthier)، وأن البارون دى بيسينفالbaron de Besenval (قائد تحت إمرة بروجلي) قد أسر. ورغبة من نيكر في تجنب المزيد من سفك الدماء، أكد على المطالبة بتحقيق عفو عام يصوت عليه مجموع منتخبي باريس. وقد أخطأ نيكر تقدير وزن القوات السياسية بمطالبته بالعفو بدلا من مجرد المطالبة بمحاكمة عادلة وغالى في تقدير قوة جمعية اد هوك ad hoc assembly حين أقامت محاكمة في شاتليت Châtelet ولكنهم سرعان ما قرروا إلغاء أمر العفو لحفظ مكانتهم وربما أرواحهم. ويعتبر مغنت هذه الحادثة أنها اللحظة التي تركت الثورة فيها نيكر خلفها.

انتشر أمر نجاح التمرد في باريس إلى كافة أنحاء فرنسا.ووفقًا لمبادئ السيادة الشعبية وبالتجاهل التام لمطالب السلطة الحاكمة، أنشأ السكان نظام مماثل في مجالس البلديات لبناء الحكومة المدنية، وحرس وطني لتقديم الحماية المدنية. وفي المناطق الريفية، ذهب الكثيرون أبعد من ذلك؛ فقام البعض بإحراق صكوك التمليك وعددًا ليس بالقليل من القصور، وهاجموا ملاك الأراضي معتقدين أن الطبقة الأرستقراطية كانت تسعى إلى إخماد الثورة، وذلك خلال انتشار "الرعب الهائل" في المناطق الريفية في الفترة الممتدة من 20 تموز إلى 5 آب.

وكملاحظة تاريخية مثيرة للاهتمام، فإن مفتاح الباستيل موجود الآن في مقر جورج واشنطن في ولاية ماونت فيرنون Mount Vernon، وقد أرسله له لايفيت Layfette عام 1790م.!!