د. محمد مسلم الحسيني
منذ أن ضرب وباء كورونا الجديد "كوفيد19" الصين وأنتشر منها الى بقاع العالم، بدأنا نسمع ونقرأ عن إكتشافات لعقاقير ضد هذا الوباء أو لقاحات تصنع هنا أوهناك، مما خلق ويخلق أملا حقيقيا في نفوس الناس، ثم لا يلبث هذا الأمل أن يتلاشى وينحسر حتى تعاد الكرّه من جديد ويعود الأمل معها. هذا لا يعني بأن لا توجد بحوث مكثفه في هذا المجال ولا يعني بأن المختبرات الطبيه مقصره في عملها من أجل خلق عقار مناسب أو لقاح ناجع للتصدي لهذا الوباء القاسي والخطير. غير أن هناك حقائق أوليه لابد من كشفها ومعرفتها أولا كي لا يحصل الخلط في الفهم فيستفيد منه أصحاب  الأهداف والأجندات الخاصه حينما تبقى الرؤيا غبشه وغير واضحه.
 
من أولويات الأمور التي يجب معرفتها هو أننا نستطيع محاربة الوباء بطريقتين : الأولى وهي الأكفأ والأهم، هي صناعة لقاح "مصل" ناجح يتصدى للجرثوم" بكتريا أو فايروس" المسبب للمرض كي يحمي الناس منه. هذا اللقاح هو عباره عن ماده بيولوجيّه تمثل مادة الجرثوم  تعطى أو تزرق في جسم الإنسان من أجل تحفيز الجهاز المناعي فيه كي يبدأ بصنع المضادات الجسميه والمسمّاة  بـ"الغلوبيولين المناعي" أو الـ "Immunoglobulins"، حيث ستتصدى للجرثوم المقتحم لجسم الإنسان لاحقا وتدمره.
 
مادة الجرثوم هذه إما أن تكون جراثيم حقيقيه مضعفه أو ميته أو مصنعه من مواد بروتينيه تطابق الصيغه البروتينيه للجرثوم المقصود. عملية صنع اللقاح تمر بمراحل طويله ألخصها بما يلي : إكتشاف الصيغه الجينيه للجرثوم، صنع اللقاح المناسب له، تجريب اللقاح على الحيوان، تجريب اللقاح على الإنسان " المتطوعين"، دراسة فعالية اللقاح الحقيقيه، دراسة المضاعفات والآثار الجانبيه الحاصله في جسم الإنسان جراء تعاطي اللقاح، بعد التأكد من نجاح اللقاح وخلوه من الآثار الجانبيه الخطيره، يطلب الإذن الرسمي بتصنيعه وتسويقه من السلطات الصحيّه، ثم يتم بعد هذا إنتاجه وعرضهفي الصيدليات والمستشفيات.
 
هذه الخطوات الحصينه تتطلب فترة زمنيه تتراوح بين ستة شهور الى أكثر من سنه كامله !.أي لا يمكن للقاح أن يتوفر لعامة الناس قبل هذه الفتره الزمنيه المحدده والمطلوبه قسرا.
 
كلما تعلن المختبرات نجاحها في خطوه من خطوات صنع اللقاح، يتبادر الى أذهان الناس المتعطشه للأخبار بأن اللقاح صار جاهزا ومتوفرا وهذا غير صحيح. قد تستفيد بعض الحكومات من هذا الفهم الخاطىء للناس من أجل تهدأة الشعوب الخائفه  من هذا الوباء من جهة، والناقمه على حكوماتها التي لم تتعامل بالشكل الصحيح  والناجع في التصدي للوباء ضمن المبادىء الأوليه المطلوبه والموصى بها من جهة أخرى!. اللقاح إن توفر فهو لن يستخدم لعلاج من أصيب بالمرض، فهو ليس عقار يشفي المرضى، أنما هو وسيلة لمنع العدوى وصد المرض. أي أن المستفيد من اللقاح هم الأصحاء الذين لم يصابوا بالوباء بعد، بعبارة أخرى اللقاح يمنع المرض ولا يشفيه!. تماما عكس الدواء الذي يكون فعله بالعكس ، فهو يشفي المرضى من مرضهم ولكن لا يستطيع منع العدوى من الوباء.
 
من أهم العقارات أو الأدويه التي تداولتها وسائل الإعلام والتي جربت بالفعل على بعض المرضى منذ بداية الوباء في الصين هي عقار الـ " كلوروكوين " وقرينه الآخر " هايدروكسي كلوروكوين". كلاهما يعتبر عقارا فعالا لمرض الملاريا وقد أستخدم منذ القدم لهذا الوباء. أجرى معهد " ليوبولد العالمي للأمراض المتوطنه" في مدينة أنتويربن البلجيكيه إختبارات أخرى تحرى فيها عن أثر هذا العقار في علاج الأمراض الناشئه عن فايروسات الكورونا والأيبولا وغيرها. حيث تبيّن ومن خلال الأبحاث بأن هناك فعاليه لهذا الدواء ضد هذه الفايروسات خارج الجسم، غير أن التجارب لم تكن كافيه لمعرفة تأثيرها الحقيقي ضد الفايروسات داخل الجسم. كما أجرت مختبرات البحوث تجارب أخرى إستنتجت منها فعالية هذا العقار في علاج بعض أمراض التهابات المفاصل وأمراض المناعه الذاتيه حيث كانت النتائج واعده في ذلك.
 
بعد تجربة الصين لهذا الدواء على مرضاها في معالجة الوباء لم ترد إستنتاجات واضحه تؤكد صلاحيّة هذا الدواء أو فعاليته الحقيقيه ضد كوفيد19 بعد، رغم أن هناك معلومات مسربه تقول بأن هذا العقار قد يخفف من شدة المرض ولكن ليس هناك ما يؤكد بأنه قادر على شفائه. مهما يكن من أمر، فالجهات الصحيه العالميه تنظر بترقب كبير للإستنتاجات الصينيه بهذا الصدد والتي ربما ستصدر لاحقا. الضجه الإعلاميه الكبيره بشأن هذا العقار في كثير من دول العالم قد لا تتناسب مع جوهرالحقيقة، حيث قد تختبىء خلف هذه الضجه دوافع سياسيه أو إقتصاديه أو نفسيه أو غيرها. كيف نستطيع تفسير التهليل والتبشير بالعلاج وكأنه المنقذ والمخلص من الوباء دون المعرفه الحقيقه والمستنده على قواعد علميه إحصائيه تشير الى فعالية هذا الدواء وقابليته على شفاء المرضى!؟. ثم كيف نفسّر إيعاز بعض الدول لمصانع الأدويه بإنتاج كميات هائله من هذا الدواء قبل أن نعرف حقيقة فعاليته وصلاحيته في شفاء المرضى !؟.
 
أن من بدأ بتبرير صلاحيّة هذا الدواء قبل الأوان سيمضي، دون شك، قدما في تبرير نتائج إستعماله على المرضى حتى ولو خالفت الحقيقه! . علينا أن ندرك هذه الحقائق والتحقق منها قبل التطبيل لنتائج وفعالية هذا الدواء المكلف ماديا وربما المضر صحيّا إذ أن إستخدامه لفترات طويله قد يؤدي الى آثار جانبيه قد يكون بعضها مؤذيا، كأذى في شبكيّة العين والذي قد يصل حد العمى ! فهل النتائج ستبرر الوسيله !؟. أهم الأمور التي يجب أن تثبت كحقائق هي أن المرضى بوباء كوفيد19 ينقسمون الى النسب التاليه حسب أعراضهم وشدة مرضهم، قبل إستخدام العلاج المقترح وهي : 80 بالمئه من المصابين لا يحتاجون علاجا إنما يعانون فقط من أعراض بسيطه لا تحتم عليهم الرقود في المستشفيات. 15 بالمائه من المرضى تتطلب حالتهم الرقود في المستشفى لمدة تسعة أيام على الأقل من أجل المراقبه وعلاج  الأعراض المرضيه الحاصله لديهم، كإعطاء الأوكسجين أو المضادات الحيويه أوغسل الكلى أو غيرها حسب حاجة المريض، بعدها يمتثلون للشفاء التام ويغادرون المستشفيات. 5 بالمائه من المصابين فقط يحتاجون عناية مركزه وتكون حالتهم خطيره حيث يتوفى منهم ما يقارب النصف. إن أستخدم علاج "الكلوروكوين" أو رديفه "الهيدروكسي كلوروكوين" فعلى المراقب أن يشاهد إختلافا مميزا وحقيقيّا في هذه النسب، فإن لم تحصل فوارق محسوسه على هذا النحو، فالإستنتاج سيكون واضحا بأن الدواء غير فعال لهذا الوباء!. هذا الإستنتاج مطلب ضروري لأن إستخدام هذا العقار لمرضى حالتهم الصحيّه أصلا خطيره وتحميلهم آثار جانبيه إضافيه أخرى بسبب الدواء، قد لا يكون منطقيّا ومقبولا.
 
فعلى المستشفيات التي أستخدمت هذا العقار كعلاج روتيني للوباء عليها أن تظهر نتائجها كي يتم مقارنتها مع النتائج المعروفه بدون إستخدام هذا العقار، كي يستطيع المراقب أن يحدد فعالية الدواء المزعوم قبل إستخدامه عشوائيا فتكون المضرات أكبر من الفوائد!.
 
من الأدويه التي لا يجب إغفالها والتي من الممكن إعطاءها لمن يبدي أعراضا خطيره للمرض هو  المضادات الجسميه " الغلوبيولين المناعي" للفايروس المقصود، وهذه المواد تستخلص عادة من بلازما دم المرضى الذين أصيبوا بفايروس كوفيد14 وتعافوا منه، حيث تستخلص مادة الغلوبيولين المناعي وتزرق للمرضى الجدد خطيري الأعراض كي تساعد المريض على التصدي والتخلص من الفايروسات المهاجمه. ربما تكون صعوبة إستحصال الغلوبيولين المناعي من المرضى المتعافين والتكلفه الباهضه الملازمه لذلك عقبه هامة إمام إستخدام هذا كوسيله روتينيه متاحه في العلاج.
 
ملخصا لما جاء أستطيع أن أقول : بأن اللقاح والعقار شيئان مختلفان، فاللقاح يمنع المرض ولا يشفيه والعقار يشفي المرض ولا يمنعه، وبتوفرهما معا يتم التصدي للوباء والتخلص من آثاره. العقار يتطلب البحث والدراسه كي تتأكد فائدته في الإستعمال، واللقاح يتطلب الصبر والأنتظار من أجل ساعة الوصول وكلاهما غائب عن الحضور حتى هذه الساعه، ومن يدعي بوجودهما أو وجود أحدهما في الوقت الحاضر هو صانع للوهم !.