زهير دعيم
ربيع طالبُ مجتهد وخلوق ، يحبّ العلم منذ نعومة أظفاره ، فقد فتحَ عينيه على الكتب والأوراق تسرح في كلّ زاوية من بيتهم الأنيق الفخم ، ولا عَجَب ، فأبوه يعمل طبيبًا وامّه معلّمة ، لذا فقد فاز بالمرتبة الأولى في التحصيل والأخلاق ، فأحبّه المعلّمون والطلاب على حدٍّ سواء.
 
كان ربيع يجلس في الصف السادس الى جانب جميل ، وكان جميل طالبًا حَسَن الأخلاق ، متوسط الاجتهاد والتحصيل .وكثيرًا ما اتهم جميل من قبل الطلاب بأنه "ينقل" عن ربيع ، فكان يتضايق ويحلف انه لا يفعلها ، وكان ربيع يسانده في ذلك.
 
  وفي احد الأيام عيّن معلم التاريخ موعدًا للامتحان ، وكانت المادة كبيرة وصعبة .
 
 صمّم جميل أن يدرس هذه المرّة بجدّية  ليبرهن للجميع بأنّه قادر على الفوز بأعلى العلامات ، في حين قضى ربيع الساعات الطوال قُبيلَ الامتحان أمام شاشة التلفاز يتابع مباريات كرّة القدم .
 
  وعندما جاء موعد الامتحان ، "انقضّ" جميل على أسئلته مجيبًا عليها بدقّةٍ متناهية ، بينما راح ربيع يلوك المادة جاهدًا ان يستعيد منها او يتذكّر ما كان قد فاه به المعلم ولكن دون كبير جدوى.
 
 وبعد يومين أعاد المعلم أوراق الامتحان مُصلَّحة ، وعندما وصل الدوْر لامتحان جميل ، ظهر الغضب على وجه المعلم وقال : "لقد نقلت يا جميل معظم اجابتك عن ورقة ربيع ، فالإجابات متطابقة لدرجة كبيرة ، لذا قررت أن اخصم عشرين علامة من علامتكَ ، وأرجو الاّ تُكرّر هذا الأمر مرّة اخرى.
 
  انفجرَ الطلاب بالضحك ، وأخذوا يتغامزون عليه الا ربيع فقد نظر الى زميله المكسور القلب ، نظر اليه طويلًا ، ثمّ ما لبث ان وقف رافعًا يده ، طالبًا حقّ الكلام .   
 
 "أنا يا استاذ ...أنا هو الذي  نقل " ...وساد صمت طويل على كلّ الطلاب ، صمت عجيب !!!
 
وتابع ربيع كلامه : " قد تستغربون ولكن هذه هي الحقيقة ، فصديقي جميل حضَّر المادة أفضل تحضير ، بينما قضيت أنا ساعات طويلة أمام التلفاز ، فأرجو المعذرة ، أولا من زميلي جميل الذي طُعن في الصميم  ولم يتكلّم ، ومنكم استاذي وزملائي ، واني أعد نفسي وأعدكم جميعًا أن لا اكرّر هذه الفعلة الشنيعة ...وأرجو ، انْ أذِنَ لنا المعلم أن نُصفِّق لصديقي جميل .
 
 أومأ المعلم برأسه بالإيجاب ، فضجَّ الصفّ بالتصفيق الحارّ   ، في حين سحّت دمعتان على وجنتي جميل .
 
  وبعد أن هدأت عاصفة التصفيق ، دنا المعلم من جميل ، وربَّتَ على كتفه مُعتذرًا وقال : " اسمعوا يا أحبائي ، فقد تعلمّتُ وإياكم درسًا في التربية لن ننساه ، تعلمنا ان لا نحكم على أحدٍ قبل التمحيص والتأكّد ...أليس كذلك ؟!