سليمان شفيق
رمضان كريم وكل سنه وعباد الله طيبين ، قصة مسجد من ابرز المساجد في مصر
مسجد ابن طولون أو مسجد أحمد ابن طولون أو المسجد الطولوني هو أحد المساجد الأثريّة الشهيرة بالقاهرة. أمر ببناؤه أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية سنة 263هـ/877م بمدينته الجديدة القطائع ليصبح ثالث مسجد جامع بني في مصر بعد جامع عمرو بن العاص الذي بني في الفسطاط، وجامع العسكر الذي بني في مدينة العسكر ورغم أن مسجد عمرو بن العاص لا يزال موجوداً إلا أن المسجد الطولوني يعد أقدم مساجد مصر القائمة حتى الآن لاحتفاظه بحالته الأصلية بالمقارنة مع مسجد عمرو بن العاص الذي توالت عليه الإصلاحات التي غيرت معالمه.

شُيد المسجد فوق ربوة صخرية كانت تعرف بجبل يشكر، ويُعتبر من المساجد المعلقة، وهو أحد أكبر مساجد مصر حيث تبلغ مساحته مع الزيادات الخارجية حوالي ستة أفدنة ونصف الفدان، وقد بُني على شكل مربع مستلهماً من طرز المساجد العباسية وخاصة مسجد سامراء بالعراق الذي استلهم منه المنارة الملوية. يقع المسجد حالياً بميدان أحمد بن طولون بحي السيدة زينب التابع للمنطقة الجنوبية بالقاهرة، ويجاور سوره الغربي مسجد صرغتمش الناصري فيما يجاور سوره الشرقي متحف جاير أندرسون.

منشئ المسجد هو أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية في مصر والشام، تعود أصوله إلى قبيلة التغزغز التركية، وكانت أُسرته تقيم في بخاري. كان والده «طولون» مملوكاً لنوح بن أسد الساماني عامل بخارى وخراسان، فأرسله هدية إلى الخليفة المأمون مع من أُرسل من المماليك الترك سنة 200هـ/816م. واسم طولون مشتق من كلمة تركية (بالتركية: Tolun)‏ معناها البدر الكامل.

شخصية مهندس المسجد،  وكان مسيحيا يدعى سعيد بن كاتب الفرغاني، وأنه كان مهندس عيناً للماء طلب بنائها ابن طولون فلما أتمها دعا ابن طولون لزيارتها ولسوء حظه كان بموضع البناء جيراً لا زال رطباً غاصت به قدم فرس ابن طولون فكبا به فظن أنه أراد به سوءاً، فأمر بجلده وسجنه، وظل بمحبسه حتى أراد ابن طولون بناء الجامع فقُدر له ثلاثمائة عمود صعب تدبيرها إلا عبر استخدام أعمدة الكنائس والأديرة المتخربة، فتورع ابن طولون عن ذلك، ولما بلغ سعيد بن كاتب في محبسه الخبر كتب لابن طولون أنه يبنيه له كما يحب ويختار بلا أعمدة إلا عمودي القبلة، فأخرجه ابن طولون وأحضر له جلوداً للرسم، فصور له المسجد فأُعجب به واستحسنه، وأطلق سراحه وخلع عليه ورصد له مائة ألف دينار لنفقة البناء وكل ما يحتاج بعد ذلك، فوضع المهندس سعيد يده في البناء في موضع جبل يشكر، فلما أتم البناء وراح ابن طولون لزيارة المسجد، صعد  المهندس إلى المنارة صائحاً بابن طولون بطلب الجائزة والأمان خوفاً من أن يجري له ما جرى في المرة الأولى، فأمنه ابن طولون وكافأه بعشرة آلاف دينار وخلع عليه وأجرى له رزقاً واسعاً.

لما أسس أحمد بن طولون مدينته القطائع سنة 256هـ/870م كي تكون مدينة خاصة به وبحاشيته وجنده، بعد أن ضاقت عليهم الفسطاط والعسكر، وكرمز لاستقلاله عن الدولة العباسية، وكما كان معهوداً في ذلك الوقت بأن المسجد الجامع هو مركز العواصم الإسلامية، فقد شيد بن طولون مسجده الضخم بالقطائع، وذُكر أن من أسباب بناء الجامع هو ضيق جامع مدينة العسكر بالمصلين، فبدئ في بناء المسجد سنة 263هـ/877م وانتهى البناء في سنة 265هـ/879م، ورصد لبناء المسجد مائة ألف دينار ولكن بلغت تكلفته عند الانتهاء منه مائة وعشرون ألف دينار كان مصدرها كنز عثر عليه بن طولون في الجبل.

منظر عام للمسجد
يعتبر المسجد من المساجد المعلقة إذ يصعد إلى أبوابه الداخلية بدرجات دائرية، وهو من أكبر مساجد مصر حيث تبلغ مساحته مع الزيادات ستة أفدنة ونصف الفدان، استخدم في بنائه الطوب الأحمر، وأقيم على جبل يشكر، فكان أساسه في حدوده القبلية على صخر الجبل مباشرة، أما في حدوده البحرية فكانت أساساته على عمق خمسة أمتار. وضع تصميمه على مثال المساجد الجامعة التي لها صحن كبير مكشوف تحيط به أروقة ذات عقود. وبني المسجد على شكل مربع تقريباً طول ضلعه 162.25 متر × 161.50 متر، يشغل منها المسجد مع جدرانه مستطيلاً طول ضلعه 137.80 متر × 118.10 متر، ويتوسطه صحن مكشوف مربع تقريباً طول ضلعه 92.35 متر × 91.80 متر، ويحيط بالجامع من جوانبه القبلية والبحرية والغربية أروقة غير مسقوفة تعرف بالزيادات وهي من المسجد، وأسوار هذه الزيادات عاليه بسيطة، فتحت بها أبواب تقابل أبواب الجامع، تتوجها من أعلى شرفة مفرغة، كما فتحت بأسوار الجامع أبواب وشبابيك علوية، بينها حنايا وطاقات مخوصة تتوجها من أعلى شرفات. وللمسجد 21 باب يقابلها نفس العدد في الزيادات، ويوجد في بعض الأبواب معابر خشبية قديمة بها زخارف مورقة، وسبب تعدد الأبواب كان لتسهيل الوصول إلى المساكن والأسواق التي كانت حول الجامع.

بعد تجاوز سور الزيادة وأبواب المسجد يُوصل إلى الإيوانات التي يتوسطها صحن كبير، يمثل الإيوان الشرقي إيوان القبلة وهو أكبر الإيوانات وأكثرها أروقة وزخرفة، حيث يشتمل على خمسة أروقة، فيما تشتمل باقي الإيوانات على رواقين، وبه اللوحة التأسيسية للمسجد التي تتضمن تاريخ إنشاؤه، ويتوسط جداره الشرقي المحراب الرئيسي، وهيكله طولوني، أما الفسيفساء والطاقية الخشب ومقرنص القبة أعلاه فهي من أعمال السلطان لاجين، الذي تنضم إلى أعماله أيضاً المنبر الخشبي الذي اتُخذت حشواته من خشب الساج الهندي والأبنوس المدقوق بنقوش مورقة في منتهى الدقة، ونقل لاجين المنبر القديم إلى الجامع الظاهري الذي تلاشى حالياً ولم يبق له أثر. وبالإضافة إلى المحراب الرئيسي بهذا الإيوان توجد خمس محاريب جصية غير مجوفة أخرى استجدت بعد ذلك، اثنان صغيران أحدهما على يمين دكة المبلغ والأخر على يسارها، والمحراب المستنصري الموجود في منتصف البائكة الثانية بالرواق الشرقي من جهة الصحن، وعلى يساره محراب السلطان لاجين، ومحراب يعود إلى عصر المماليك البحرية على يسار المحراب الرئيسي. والأروقة مكونة من دعائم مبنية بالطوب مخلق في نواصيها الأربع عمد وتيجان تحمل عقوداً ستينية حليت حافاتها بزخارف جصية نباتية وفتح فيها شبابيك حليت بزخارف متنوعة، ويعلو العقود إفريز زخرفي من الجص يعلوه إزار خشبي يحيط بأروقة المسجد مكتوب فيه بالخط الكوفي البارز سورتا البقرة وآل عمران. وكان لاختيار الدعائم بدلاً من العمد دليلاً على حسن ذوق المصمم لتماثلها في الطول والسمك وهو ما لا ينطبق على العمد الرخامية التي كانت تختلس عادة من من الكنائس والأديرة المتخربة. استعمل الأسمنت المسلح بالسقوف الأثرية لأول مرة في هذا المسجد، وكان ذلك على يد محمود باشا أحمد مدير إدارة حفظ الآثار العربية فبنى السقف بتقاسيمه القديمة من الأسمنت المسلح ثم غلفه بالأخشاب القديمة والجديدة المطابقة للقديم. ويحيط بجدران المسجد الأربعة من أعلى مائة وتسعة وعشرون شباكاً من الجص المفرغ بأشكال هندسية ونباتية.

والقبة وسط الصحن هي ثالث قبة أقيمت للمسجد، حيث احترقت القبة الأولى الطولونية للصحن سنة 376هـ/986م، وتهدمت الثانية التي أنشئها العزيز بالله وقيل أمه تغريد سنة 385هـ/995م، وحلت محلها القبة الموجودة حالياً وهي من ضمن أعمال السلطان لاجين بالمسجد وأنشئها سنة 696هـ/1296م، وهي قبة كبيرة يقاس كل من ضلعيها القبلي والبحري 12.75 متر وضلعيها الشرقي والغربي 14.10 متر، وهي محمولة على أربعة عقود كانت شبابيكها محلاة بزخارف وكتابات كوفية، وبرقبتها من الداخل كتبت آية الوضوء، ويتوسطها فسقية، وفي جدارها سلم يوصل إلى سطح قاعدتها المربعة. أقيمت المنارة على مسافة 0.40 سم من حائط الزيادة الغربية وهي مبنية بالحجر مقاس قاعدتها 12.78 متر × 13.65 متر، وهي مكونة من أربع طبقات الأولى مربعة والثانية مستديرة وهي التي بها السلم الحلزوني والثالثة مثمنة أما الرابعة فتعلوها طاقية تكون معها شكل مبخرة. وهي المنارة الوحيدة في مصر التي لها سلم خارجي يشبه منارة مسجد سامراء. وتاريخ إنشاء المنارة محل خلاف بين الأثريين حيث يرى بعضهم أن السلطان لاجين جددها كاملة سنة 696هـ/1296م على مثالها القديم ضمن أعماله بالمسجد، ويرى البعض الآخر أنها طولونية عدا قمتها التي جددها السلطان لاجين.

أما القبة فوق المحراب فهي مكونة من قاعدة مربعة من الخارج تحتوي على مجموعة من المقرنصات مكسوة بالخشب لتحويل المربع إلى شكل مثمن ثم إلى الدائرة التي ترتكز عليها القبة، وتلك القبة من أعمال السلطان لاجين بالمسجد. ألحق بالمسجد سبيل يقع بالناحية الشرقية من الزيادة الجنوبية له واجهة رئيسة هي الغربية يبلغ طولها 19.80 متر وتنقسم إلى جزأين الأول يضم باب الدخول والثاني يضم شباك السبيل، وحجرة التسبيل مستطيلة المسقط طولها من الشرق إلى الغرب 11.75 متر وعرضها 5.35 متر، ويغطي حجرة السبيل سقف من براطيم خشبية عليه آثار زخارف نباتية ملونة وبأركانه أربع مقرنصات يتكون كل منها من سبع حطات متتالية. وبجوار المحراب الرئيسي باب في الجهة الجنوبية الشرقية كان يخرج ويدخل منه ابن طولون إلى دار الإمارة الملاصقة للمسجد ليغير ثيابه أو يجدد وضوئه أو لأخذ قسط من الراحة ثم يعود فيدخل إلى الصف الأول دون أن يتخطى جموع المصلين، ودمرت هذه الدار مع الدمار الذي حل بمدينة القطائع بعد زوال الدولة الطولونية، والدار القائمة اليوم مكانها هي من أعمال السلطان لاجين.

وكل رمضان والمصريين طيبين