محمد حسين يونس
رزئت مصر بالإضافة للهجرة المغربية مع الفاطميين.. و الكردية مع صلاح الدين.. بثلاث رزايا كبرى .. أثرت علي تكوينها الديموغرافيى ..كان اولها الإستعمار اليوناني .. ثم هجرة بدو شبه الجزيرة العربية و إستعمار مصر .. و كان ثالث الأثافي الإستعمارالإستيطاني الكثيف للمماليك .. أى لعبيد (ترك و مغول و شركس ) تم شراؤهم من سوق الرقيق ..بعد أن أتي أغلبهم مع نخاس و تسمي بإسمه...وقال المتنبي عن مثيلهم كافور:
لا تشـتَـرِ الـعَـبـد إلا والـعَـصَـا مـعــه *** إِن الـعَـبِـيــدَ لأنـــجـــاسٌ مَـنـاكــيــد.

نعم .. حتي هؤلاء الأنجاس المناكيد .. محدودى الذكاء و التعليم .. حكموا مصر..لثلاثة قرون بدأت 1250 م بعد وفاة السلطان نجم الدين الصالح أيوب ثم إستيلاء جنودة (مماليكة ) علي الحكم و تنصيب (الأتابكي ) عز الدين أيبك .. و إنتهت عام 1517م بشنق السلطان طومان باى بواسطة الغازى العثماني سليم الأول و تعليق جثته علي باب زويلة لثلاثة أيام .

كتب الاستاذ عبد المنعم عامر (مارس 1962 ) في مقدمة كتاب ((اخرة المماليك ))..الذى حققه لابن زنبل الشيخ احمد الرمال
(( لم تشهد مصر في تاريخها السياسي فترة أظلم من تلك الحقبة التي خضعت فيها لحكم المماليك الجراكسة و البحرية (1251 - 1517 م)حيث حاق بأهلها في هذه المدة ما ران علي قلوب هؤلاء المماليك و الحكام من حقد نتج عن ما لاقوه من الاستعباد والقهرخلال نشأتهم فإشتدت الحياة علي المصريين )).

في هذه الفترة كما صنف السيد المحقق كان اهل مصر يندرجون تحت ثلاث فئات :
- ((مماليك جراكسة (وأتراك ) عبيد جلبهم نخاس من الشمال الشرقي حول افغانستان وتركيا وتسموا باسماء نخاسيهم و معظمهم لا يتكلم العربية وبعضهم ظل حتي مماته لا يتقنها مثل السلطان برقوق ، دائمي الصراع علي السلطة فيما بينهم او مع أقاربهم القادمون من الشرق (اولاد حسن الطويل أو التتار او العثمانيون ) وهم لهذا يستخلصون نفقاتهم من المصريين بالقهر و الاستبداد ينفقونها علي الحروب وشراء السلاح و العبيد و الجوارى و اسباب المتع الحسية و الرفاهية و كان من بينهم الحكام و الامراء و الاقطاعيون و عساكر الدرك و الجنود .

- الفئة الثانية سكان الريف والمدن الذين كانوا يخضعون لنظام سخرة إقطاعي بغيض يقوم علي إستنزافهم فلا يبق لهم إلا الكفاف و كان من بينهم الزراع في القرى و في المدن الحرفيين وصغار التجار ورجال الدين من المذاهب الاربعة و القبط يضاف لهم ما بقي من ذرية الرومان و الاغريق و اليهود الذين إستوطنوا البلاد كسادة فاصبح احفادهم من الدهماء.

- الفئة الثالثة العربان (البدو ) الذين بقوا علي حالهم منذ أن دخل أجدادهم مصر قبائل تعيش بين الاقاليم اوعلي حدود القرى والمدن في مجتمعات مغلقة لا تختلط بغيرها دائمة الصراع فيما بينها أو مع المماليك بحيث لم نجد اى ملك او سلطان مملوكي لم يخرج التجاريد لتأديبهم و ردعهم ..
البدو كانت قبائلهم بعد ان ازاحهم المماليك من السلطة تمتهن إما رعي المواشي و الاغنام او قطع الطرق علي المسافرين فحتي قوافل الحج لم تسلم من أذاهم .. او فرض وتحصيل الاتاوات التي يقررونها علي الفلاحين وكل من يوقعه حظه العاثر بين أيديهم ))

((قال صاحب زبدة الفكر في تاريخ الهجرة أن طائفة الترك هذه كانوا عدة قبائل يسكنون بالبلاد الشمالية لا يتخذون جدارا و لا يستوطنون وطنا بل ينتقلون من الارض في أماكن شتي عند مصايفهم او مشاتيهم وقد تناسلوا و كثروا وتفرقوا في البلاد فلما كانت 626 هجرية قويت عليهم شوكة التتار و حاربوهم فكسروهم و اسروهم ونهبوا اولادهم و نساءهم وباعوهم للتجار فجلبوهم للامصار فاشترى الملك نجم الدين الصالح (زوج شجر الدر )..منهم و إستكثر في مشتراهم )).

العلاقة بين المماليك ومصر علاقة شديدة التركيب .. فهم في البداية صبيه مخطوفين من بين أهلهم معتدى عليهم جنسيا و عاملهم الجلاب بقسوة .. اميين يجهلون القراءة و الكتابة ...ولا يتقنون لغة القوم الذين إشتروهم فاقدى التواصل معهم .. البعض ظل حتي المشيب مثل السلطان برقوق لا يتحدث العربية ...ثم يدربون منذ نعومة أظافرهم علي أعمال القتال و الحرب و الإغارة .. هؤلاء..ترقوا بمرور الزمن في سلم التشكيلات العسكرية ( مليشيات أو جيش ) .. حتي تولوا القيادة و نعموا بالسلطة والمال .. وكونوا أسرا و أبناء ولدوا في مصر .. و أصبحوا مصريين .. ثم أحفاد ليس لهم وطن إلا مسقط رأسهم ..

هذه السلالة المصرية التي جدت علي التكوين الديموغرافيى لمصر .. التي كان جدودها من المماليك .. أصبحت قيادات في الجيش و منهم ملوك أو سلاطين لم يباعوا أو يشتروا .. لقد كان سلطانا إبن سلطان .مثل أبناء و أحفاد قلاوون و برقوق و الغورى...

بمعني أن حصر العلاقة مع مماليك ما بعد منتصف القرن الأول من حكمهم في كونهم (أنجاس مناكيد) .. ظلم لهم .. و معاكس للمنطق .. فلقد أصبحوا بحكم المولد و التربية مصريون ... و يشكلون قيادات وجنود جيش مصر .... و ما فعلوه خيرا أو شرا .. عادت نتائجه علي بلدنا .

((سلاطين مصر الذين جاءوا بعد الجيل الأول مثل أولاد الظاهر بيبرس وقلاوون وأحفاده مثل الأشرف خليل والناصر محمد كانوا قد وُلدوا في مصر وتمصروا وكانوا يتحدثون اللهجة المصرية ومتشبعون بالعادات والثقافة المصرية. ونفس الأمر كان لأولاد الأمراء المماليك الذين لم يكن لهم وطن غير مصر. وفي أقوات الحروب والمعارك كان الأعداء يسمونهم مصريون، وكان هذا نفس موقف المؤرخون الغربيون في التعامل معهم ))

طرح هذا الإقتراب يجعلنا نصنف الزمن الذى حكموا فيه مصر .. بأنه (حكم عسكرى) مبكر ..حيث إحتكر الجند السلطة فيما بينهم (بالقوة) ..و تصارعوا بعنف علي دكة الحكم .. صراعا تحكمه في أغلب الوقت الخيانة و الإغتيالات... ثم أنهم فرضوا سطوتهم علي المدنيين العزل..ليحوزوا علي النصيب الأوفر من مجمل الناتج القومي ..أى لم يختلفوا في ذلك عن ما قامت به الإنقلابات العسكرية التي شهدتها المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية .

العامل الأخر الملفت للنظر في زمن حكم المماليك .. هو أن أموال مصر ظلت تدور داخل الثقنوات الإقتصادية المصرية لم تنزح للخارج كما حدث مع الرومان و العرب و صلاح الدين .. وكما نراه في موازنة 20-21 و التي نقدم فيها 83% من إيرادات الحكومة للمدينين كخدمة للديون المتلتلة ..

كان نتيجة ذلك توفر الميزانيات التي تسمح بإقامة العديد من المنشئات .. منها الأربع.. والتكايا .. و السبل .. و الوكالات .. و المواني .. و القصور .. والمستشفيات . بطرزها المميزة و التي يطلق عليها تجاوزا العمارة الإسلامية ...

مدينتي القاهرة و دمياط لازالت كل منهما تحمل آثارهم .. أشهرها وكالة الغورى .. و بيت الكريدلية .

المماليك أبدوا إهتماما ملحوظا بالرى و تأمين طرق الإنتقالات مع تأديب العربان لكف شرورهم ..و إقامة الإحتفالات الصاخبة .. و شراء السلاح .. و خوض المعارك التي حالفهم في أغلبها الكثير من النجاح بحيث فرضوا سيطرتهم علي الشام و النوبة و جزء من العراق وأخر من شبه جزيرة العرب ..وإستمروا يحكمون إمبراطورية واسعة لثلاثة قرون .. كما صادفهم قليل من الفشل و لكنه وضع كلمة النهاية لحكمهم.

في نفس الوقت كان هناك تفاوت طبقي واسع .. فكل الثروة و التسهيلات للجنود ومعيشتهم و سلاحهم و خيولهم ..و من يساندهم من رجال الدين أو ( ويطبل لهم ) من رجال الإدارة .. أما الشعب فعلية العمل .. وله الفقر و العوز و الأمراض و الأوبئة و يسمونهم عندما ينتفضون بالغوغاء و العوام الذين في مواقف كثيرة ثاروا علي حكامهم و نهبوا قصورهم .. ..و لاقوا نظير ذلك ما لم يحمد عقباة ..

فلنجول مع إبن إياس المعاصر لفترة من فترات حكمهم .. من خلال كتابة بدائع الزهور في وقائع الدهور والذى لخصته في فصل من (( قراءة حديثة في كتاب قديم ))..لمن يحب الزيادة و التفاصيل . ((نكمل حديثنا غدا ))
#دفتر_إنكسار_أهلك_يامصر .