بقلم : سعيد شعيب 
 يتصور كثيرون أن ما نسميه اليوم ب"الإسلام السياسي" هو اختراع حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، وستجد الكثير من النتائج البحثية والأكاديمية تم بنائها على هذه الفرضية، وتدريجياً أصبحت تقريباً من المسلمات البديهية، بل ومن العقل العام وخاصة في الشرق الأوسط. 
 
 فهل هذا صحيح؟ 
 الحقيقة انه لا يمكن الاطمئنان إلى أن هذه الفرضية، فمشروع الإخوان وعموم الإسلاميين هو ببساطة  هو أن "الإسلام دولة وخلافة". وهذه "الدولة والخلافة" كانت موجود منذ اكثر من 1400 عام، بعد ان تم استخدام الإسلام كدين لبناء إمبراطورية استعمارية اجتاحت العالم، وبالتالي لم يعد دين فقط، أي علاقة فردية بين الإنسان وربه، لكن أصبح سلطة ودولة وامبراطورية. 
 
 وبالتالي أثناء حكم هؤلاء المستعمرين لم تكن هناك حاجة إلى إقامة "دولة الإسلام" لأنها قائمة بالفعل، فالحاكم يحكم بمشروعية "الإسلام"، فهو حاكم سياسي وديني في ذات الوقت، لذلك لم ينشأ طوال هذا التاريخ مؤسسات دينية مثلما حدث في المسيحية: الفاتيكان ، البطريكية الأرثوزكسية. وإذا حدثت أي "مناوشات دينية" للنزاع على ملكية والتحكم في الدين، يتم حسمها بالقمع لصالح الحاكم المسلم. كما أن الخلافة (الإمبراطورية) كانت قائمة بالفعل، ولم تكن هناك حاجة إلى إقامتها، أو ان تظهر جماعة تطالب بها، فليس منطقياً أن تطالب بشيء هو موجود فعلاً. 
 
 كل ما كان يحدث في التاريخ الذي نسميه "إسلامي"، هو ازاحة حاكم عربي مسلم، لأن معارضيه يقولون انه لا يطبق الإسلام الصحيح، أو ان المظالم انتشرت في عهده، ليحل محله حاكم مسلم “عربي” أو مسلم غير غير "عربي" مثل الأتراك"على رأس الإمبراطورية الاستعمارية بدون تغيير جوهري في  البنية الدينية السياسية والاجتماعية الديكتاتورية، فكلهم يستخدمون "الإسلام".  
 
 بالتالي لم تكن هناك حاجة لما نسميه اليوم "الإسلام السياسي"، فقد كان موجوداً ويحكم، ويتم تطبيقه بدرجات متفاوتة، لكنه في النهاية موجود. والإسلاميون يقولون لنا انهم يريدون استعادة هذا الذي كان موجوداً. أي استعادة "الإمبراطورية" التي ضاعت.  
 
  سقطت آخر نسخة من هذه الإمبراطورية المنسوبة إلى الإسلام عام 1924، ليس بسبب كمال اتاتورك كما يزعم الإخوان والإسلاميين، ولكن لأنه تم هزيمتها من الحلفاء فرنسا وإنجلترا في الحرب العالمية الأولى وأصبح من المستحيل استعادتها، وكل ما فعله أتاتورك هو إجراءات الدفن، والقتال لكي يحافظ على ما نسميه اليوم تركيا. 
 
 في أعقاب هذا السقوط خرجت مجموعات في أكثر من مكان في العالم تحلم وتحاول وتقاتل لإستعادة هذه الإمبراطورية الاستعمارية التي يسمونها “الإسلامية”، فهم يؤمنون بانها جزء من الدين، بل ولا بقاء لهذا الدين دونها. اهمهم جماعة الإخوان في مصر عام 1928. قال مؤسس الجماعة حسن البنا في "رسالة المؤتمر الخامس" : الإخوان يعتقدون أن الخلافة رمز للوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها، والاهتمام بشأنها" (1).
 
 في عام 1919 ، أي قبل ظهور جماعة الإخوان عندنا، وعندما بدأ اتاتورك يسرِّب إمكانية فصل الخلافة عن السلطنة أي عن الحكم، أعلنت لجنة من العلماء المسلمين في بومباي بالهند هدفين تنظيمين مهمين لها:
الأول هو الحثّ على احتفاظ سلطان تركيا بوصفه الخليفة بسلطاته الدنيوية.  أما الثاني فهو ضمان استمرار سيادة الخليفة على الأماكن الإسلامية المقدسة.
 ستلاحظ هنا ان هذه الحركة تأسست قبل تأسيس جماعة الإخوان في مصر 1924 بحوالي خمس سنوات. هذه هي الحركة التي انضم إليها أبو الأعلى المودودي وأصبح من قياداتها (2) ويمكنك اعتباره احد الآباء الكبار للتنظيمات الإرهابية في العالم. 
 
 محاولات الحفاظ او استعادة "دولة الإسلام والخلافة" التي كانت قائمة سعى اليها اخرون مثل عبد العزيز آل سعود الذي كان  يتطلع منذ وقت مبكر إلى عرش "الخلافة الإسلامية". ومثله الشريف حسين بن على ملك الحجاز الذي كان يحلم ب "الإمبراطورية العربية".     
 
 في بنجلاديش كان هناك ايضاً حلم استعادة الإمبراطورية " الخلافة"، وذلك عبر الجماعة الإسلامية التي انشقت عن الجماعة الإسلامية في باكستان ونجحت في عام 1971 في الانفصال وتأسيس بنجلاديش . وتقول أدبيات هذه الجماعة الله وحده هو المشرع، والقرآن والسنة فقط هما منهاج حياة الإنسان، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو الزعيم المثالي الواجب اتباعه في جميع مجالات الحياة" (3). 
 
وجرت محاولات مستميتة لجعل الملك فاروق خليفة للمسلمين، حيث يبايعه الناس كخليفة للمسلمين، ويتسلم التاج من شيخ الأزهر ويحمل سيف جده محمد علي باشا، ثم يتلو له المشايخ الدعاء الخاص بالخلفاء العباسيين وسلاطين آل عثمان من بعدهم (4).
 
  كل هذا السرد للتأكيد على ان الإخوان وعموم الإسلاميين لم يخترعوا فكرة أن "الإسلام دولة وخلافة"، كل ما في الأمر انهم مثل كثيرين غيرهم يحاولون استعادة هذا الحلم الإمبراطوري عبر استخدام "الإسلام" مجدداً. وبالتالي فلا خلاص من هذه الأيديولوجية الاستعمارية، إلا بان نقول للمسلمين أن الإسلام لم يكن دولة ولا خلافة، ولكن تم استخدامه. فالإسلام كما قال مفكرين مسلمين عظام مثل الشيخ علي عبد الرازق، دين فقط لا غير، وتحويله الى سلطة وامبراطورية هو ضد الإسلام والمسلمين. 
مصادر: 
1- ويكيبيديا الإخوان – تاريخ النشر 4-1-2003 – اسم الكاتب حسن البنا: 
2- مركز المسبار – تاريخ النشر 10-5-2018 – اسم الكاتب رشيد إيهُـوم :
3 - الجزيرة – لا يوجد تاريخ نشر – لا يوجد اسم كاتب: 
4 - المصري اليوم لايت – تاريخ النشر 8-3-2017 – اسم الكاتب محمود عبد الوارث :