توقفت مفاوضات سد النهضة بين وزراء المياه في مصر والسودان وإثيوبيا، مساء أمس الأربعاء، "دون تقدم يذكر" بحسب تصريحات وزير الري محمد عبدالعاطي، بعد 72 ساعة كاملة تواصلت فيها المداولات حول "المقترح السوداني التوافقي".

 
رغم الصعوبات الكبيرة والتباين الشديد في اتجاهات مصر وإثيوبيا حول القضايا المختلفة، إلا أن التفاؤل كان يراود الجميع بأن يؤدي التفاوض المكثف حول الجوانب الفنية والقانونية خلال الأيام الثلاثة الماضية إلى ولادة مسودة لاتفاق نهائي وملزم على قواعد الملء والتشغيل، خاصة بعد التصريحات الإيجابية من الجانب السوداني التي تركز على نسب ما تم إنجازه من توافق على البنود الفنية.
 
لكن الرياح جاءت بما لا يشتهي أبناء وادي النيل، وتحطمت النوايا الحسنة على صخرة التعنت الإثيوبي فنيا وقانونيا، بشهادة الوفدين المصري والسوداني، لتزداد الأزمة تعقيدا، ويُفتح باب واسع للتكهنات بشأن "الخطوات السياسية الأخرى" التي تحدث عنها وزير الخارجية سامح شكري منذ أيام، وما إذا كانت السودان ستقود جولة جديدة من محاولات التقريب والتوفيق، بالتزامن مع زيارة النائب الأول لمجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو "حميدتي" إلى أديس أبابا ولقائه المقرر اليوم برئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد.
 
وترصد «الشروق» تفاصيل 72 من التفاوض دون اتفاق حول سد النهضة، وفق التسلسل الزمني التالي:
 
الإثنين 15 يونيو:
- السودان يعرض على مصر وإثيوبيا مسودة اتفاق توافقية بشأن ملء وتشغيل سد النهضة بناء على ملاحظات البلدان الثلاثة، التي تعرضت لها اللقاءات الأربعة التي انعقدت بين 9 و13 يونيو.
 
- سبقت اللقاء تصريحات من مصر وإثيوبيا بدت في ظاهرها بارقة أمل نحو حلحلة المفاوضات المتعثرة؛ إذ قبلت القاهرة النقاش حول المسودة التوافقية السودانية "في سبيل إبداء المزيد من المرونة".
 
- بينما صرحت أديس أبابا بأن المفاوضات "حقيقية وتقوم على حسن النية والشفافية وأنها ستؤدي إلى إنهاء العملية بنتيجة مربحة للجميع" مع زعمها الالتزام بالمبادئ التوجيهية والقواعد للتعبئة الأولى والتشغيل السنوي، التي ستوقعها مع مصر والسودان، لكنها لن تسترشد في هذا الالتزام إلا بإعلان المبادئ.
 
- بعد اللقاء، أصدر وزارة الري السودانية بيانا صحفيا أشارت فيه إلى أن الجولة الحالية من مفاوضات سد النهضة "حققت تقدما كبيرا في الملفات الفنية المتعلقة بأمان السد، والملء الأول والتشغيل طويل الأمد، وتبادل البيانات، والدراسات البيئية واللجنة الفنية للتعاون"، واستدركت: "وبرزت خلافات بين الوفود الثلاثة فيما يتعلق بالجوانب القانونية خصوصا في إلزامية الاتفاقية، وكيفية تعديلها بالإضافة إلى آلية حل الخلافات حول تطبيق الاتفاقية وربط الاتفاقية بقضايا غير ذات صلة بها تتعلق بتقاسم المياه باعتبار أن قضية مفاوضات سد النهضة الحالية هي الملء الأول لسد النهضة وتشغيله".
 
- وأعلن الوزير السوداني اتفاق القاهرة والخرطوم وأديس أبابا على تكليف الفرق القانونية من الدول الثلاث بمواصلة المداولات بحضور المراقبين على أن ترفع ما تتوصل إليه للاجتماع الوزاري، الذي سيعقد في وقت لاحق يوم الثلاثاء 16 يونيو.
 
- ومن جانبها، قالت وزارة الري والمياه والطاقة الإثيوبية إن الاجتماع ركز بشكل أساسي على قواعد إدارة الجفاف في أثناء ملء وتشغيل سد النهضة، مشيرة إلى أن الوفد الإثيوبي شدد على ضرورة اتباع نهج يضمن المسؤولية المشتركة للبلدان الثلاثة في حدوث الجفاف مع الحفاظ على التشغيل الأمثل للسد.
 
- ولم يصدر عن مصر أية تصريحات رسمية عن نتائج الاجتماع.
 
الثلاثاء 16 يونيو:
- الثانية ظهرا بتوقيت القاهرة: اجتمعت الفرق القانونية في مصر والسودان وإثيوبيا في محاولة لحسم النقاط القانونية العالقة في مسودة الاتفاق.
 
- الخامسة مساءً: اجتمع وزراء المياه بحضور الوفود الرسمية الثلاث؛ لاستعراض نتائج مداولات الفرق القانونية، واستمر اللقاء حتى منتصف الليل.
 
- لم تصدر أية بيانات أو تعليقات رسمية من مصر أو السودان إو إثيوبيا.
 
- مصدر مطلع على المفاوضات أبلغ «الشروق» بمد الاجتماعات ليوم إضافي.
 
الأربعاء 17 يونيو:
- الرابعة مساء بتوقيت القاهرة: في بيان لافت؛ طالب مجلس الأمن القومي الأمريكي إثيوبيا بإظهار "روح قيادية قوية" ودعاها إلى "إبرام اتفاق عادل بشأن سد النهضة قبل البدء في الملء الأول للسد، بعد حل المشاكل الفنية" في إشارة واضحة لتأييد الولايات المتحدة مطالب مصر والسودان بعدم ملء إثيوبيا سدها في يوليو المقبل قبل الاتفاق على القواعد.
 
- السابعة والنصف مساء: أصدرت وزارة الري السودانية بيانا صحفيا، جاء فيه أنه "رغم التقدم المعتبر الذي تم تحقيقه في الجوانب الفنية المتعلقة بملء وتشغيل سد النهضة، إلا أن الخلافات في الجوانب القانونية كشفت عن خلافات مفاهيمية حقيقية بين الأطراف الثلاث حول عدد من القضايا على رأسها مدى إلزامية الاتفاق وآلية حل النزاعات وعدم ربط الاتفاق بأي اتفاقيات أخرى باعتبار أن الاتفاق الحالي يفترض أن يتعلق بملء وتشغيل السد وليس بتقاسم حصص المياه بين الدول الثلاث".
 
وأشار البيان إلى أنه "على ضوء هذه التطورات، طلب الوفد السوداني إحالة الملفات الخلافية لرؤساء الوزراء في الدول الثلاثة للوصول لتوافق سياسي بشأنها بما يوفر الإرادة السياسية التي تسمح باستئناف المفاوضات في أسرع وقت بعد التشاور بين وزراء الري في الدول الثلاث".
 
- الثامنة مساءً: عقد وزير الري السوداني مؤتمرا صحفيا صرح خلاله بأن النقاط القانونية العالقة تحتاج إلى قرار سياسي أولا وأخيرا، لكنه لم يتراجع عن تفاؤله المعتاد حين أجاب على سؤال حول إمكانية اللجوء لمجلس الأمن في حالة فشل رؤساء الوزراء في حل الخلافات القانونية بملف سد النهضة، بالقول "فلنكن متفائلين؛ إذا توفرت الإرادة السياسية من قادة الدولة فالاتفاق الفني حسم 95% والنقاط الفنية العالقة مقدور عليها".
وجدد الوزير السوداني التأكيد بأنه الخرطوم لا تقبل الملء الأحادي لسد النهضة دون اتفاق.
 
- الحادية عشرة مساءً: أصدرت وزارة الري المصرية بيانا صحفيا، أوردت فيه على لسان الوزير محمد عبد العاطي، أن "مفاوضات سد النهضة التي أجريت على مدار الفترة الماضية لم تحقق تقدما يذكر".
وعدَّد البيان المصري أوجه الخلاف مع إثيوبيا؛ حيث رفضت أديس أبابا أن تبرم اتفاقية ملزمة وفق القانوني الدولي، وتمسكت بالتوصل إلى مجرد قواعد إرشادية يمكن تعديلها بشكل منفرد، كما سعت للحصول على حق مطلق في إقامة مشروعات في أعالي النيل الأزرق، فضلاً عن رفضها الموافقة على أن يتضمن اتفاق سد النهضة آلية قانونية ملزمة لفض النزاعات، كما اعترضت على تضمين الاتفاق إجراءات ذات فاعلية لمجابهة الجفاف.
وصرح عبد العاطي بأن إثيوبيا استمرت في رغم انخراط مصر في جولة المفاوضات الأخيرة بحسن نية سعيا منها لاستنفاد واستكشاف السبل المتاحة كافة للتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن حول سد النهضة؛ "بما يؤمن لإثيوبيا تحقيق أهدافها التنموية من هذا المشروع، مع الحد- في الوقت ذاته- من الآثار السلبية والأضرار التي قد يلحقها هذا السد على دولتي المصب".
 
- نوَّه وزير الري المصري إلى أن إثيوبيا اعترضت، في ختام اجتماعات وزراء الري، على اقتراح بإحالة الأمر إلى رؤساء وزراء الدول الثلاث كفرصة أخيرة للنظر في أسباب تعثر المفاوضات والبحث عن حلول للقضايا محل الخلاف، مما أدى إلى "إنهاء المفاوضات".
 
- الحادية عشرة والنصف مساء: أصدرت وزارة المياه والري والطاقة الإثيوبية، بيانا صحفيا باللغة الإنجليزية، زعمت فيه أن "الدول الثلاث اتفقت على استمرار المفاوضات بعد استشارة السودان لرئيس الوزراء" مؤكدة في الوقت نفسه أن من حقها ملء وتشغيل السد بناء على اتفاق المبادئ الموقع عام 2015، وأنها مقتنعة بإمكانية اختتام المفاوضات باتفاق مربح للجميع.
وبحسب البيان الإثيوبي، فإن "أبرز القضايا الفنية تم حلها من خلال التفاوض، ومع ذلك، فإن الانتهاء الكامل للمفاوضات يتطلب حل القضايا القانونية".
وزعمت إثيوبيا أن "الوفد السوداني سعى إلى الإبلاغ عن التقدم المحرز والتماس التوجيه الأمر إلى رئيس وزراء السودان، وأن الاجتماع انتهى باتفاق على استمرار المفاوضات بعد استشارة السودان".