سحر الجعارة
فى منتدى شباب العالم، الذى عُقد بمدينة شرم الشيخ عام 2018، تعهّد السيد رئيس الجمهورية «عبدالفتاح السيسى» بأن تضمن الدولة «حرية العقيدة» ليس لأصحاب الديانات السماوية فحسب، بل أيضاً للادينيين، وقد أوفى الرئيس، على سبيل المثال، بحماية المساجد والكنائس والأديرة، وكذلك التوسع فى بناء الكنائس.

لكن تظل ترجمة ممارسة الشعائر الدينية للكل دون استثناء مأزقاً يحتاج إلى تشريعات جديدة، وإلى تفعيل آليات «الدولة المدنية» ببعض الإجراءات التى تضمن للإنسان حياته دون أن نقحم أنفسنا فيما يعتقد أو يستغله البعض لتأليب فئات المجتمع على بعضها البعض، وهى المؤامرة التى يتقنها بلطجى الدعوة «عبدالله رشدى».

«رشدى» أتفه من أن نلتفت لما يروّجه من أكاذيب، لكن هذا الوطن يستحق أن ندافع عنه من تزييف وعى مواطنيه، وخلق أجيال تردد خلف «رشدى» تحية الدولة العثمانية الغازية، بالتزامن مع تهديدها للأمن القومى المصرى بدخولها ليبيا، وتحويل «أردوغان» كنيسة «آيا صوفيا» إلى مسجد لاستعداء مسيحيى العالم على المسلمين!.

وبعدما قدم الملقب بـ«عبده مجانص» فروض الطاعة والولاء للمول التركى، قرر أن يفتح ثغرة فى «الجبهة الداخلية» لمصر، فهذا التماسك وتلك الصلابة تهمّش دوره كداعية للعنف ومحرض على الإرهاب.. وهو ما قد يضر مصالحه «من شهرة وثروة تسمح له بملابس سينيه وهو موقوف عن العمل».

قرر «رشدى» أن يرفع سلاحه على «الطائفة البهائية»، وهو غلام الإخوان الوفى، مطبقاً لأدبيات مرشده السابق مهدى عاكف: «مسلم ماليزى يحكمنى ولا مسيحى مصرى».. إنه داعشى الفكر والنظرة إلى الوطن، ولكن تحت لافتة «الأزهر قادم»، هو لا يعترف بأن «البهائى» يحمل الجنسية المصرية ويعيش بين حدودها وتحت سمائها، وأنه يعمل فى الدولة «التى منعت الإرهابى رشدى من الخطابة».. وأن البهائى قد «سلم الناس من لسانه ويده» لم يؤذِ أحداً بفتوى قاتلة مثل فتواه عن تكفير الأقباط واستباحة أعراضهم وممتلكاتهم وهدم كنائسهم!.. البهائى لم ينتهك حرمة النساء، ولم يهتك ستر المرأة بالتحريض على التحرش بها كما فعل «رشدى» ولم يعادِ قواتنا المسلحة كما فعل هو!.

ما زلت أذكر عندما ظهر بعض رموز البهائية مع الإعلامى «وائل الإبراشى» -وقتما كان فى قناة دريم- فأُحرقت منازلهم وتعرضوا للموت.. ومن ساعتها وأنا أسأل نفسى: كم مواطناً فى مصر يحمل «ديانة ما» فى الرقم القومى لكنه فى الحقيقة «ملحد»؟.. وإن أعلن عن اعتقاده الحقيقى لن يحميه الدستور الذى يكفل «حرية العقيدة» للمواطن.. لأن العبوات الناسفة أقرب إليه من الدستور والقانون، بعد أن لغّم «رشدى وأمثاله» أرض الوطن بقنابل موقوتة على لحظة حرية!.

كثيراً ما يتردد أننى أهاجم الإسلام، والحقيقة أننى أدافع عنه من فقهاء السوء الذين حوّلوه إلى «بيزنس وسبوبة». ما ذكرته عن حرية العقيدة ليس رأيى، إنه تشريع سماوى وضعه المولى عز وجل من فوق سبع سموات، يقول تعالى: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف: 29.. أما التهديد والوعيد الشديد فى قوله تعالى: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) فهذا شأن ربانى لا دخل لإنسان فى تطبيقه أو حتى المطالبة به على الأرض.

هذا يجرنا مباشرة إلى بعض ضمانات حرية العقيدة التى يمكن أن تكفلها الدولة ببساطة، فرغم المشاكل الكثيرة المترتبة على ذكر خانة الديانة والدعاوى القضائية التى أقامها مسلمون أو مسيحيون تركوا ديانتهم الأصلية، ثم عادوا إليها، ثم غيروا ديانتهم فى الرقم القومى بأحكام قضائية.. فإن وزارة الداخلية التى تصدر الرقم القومى للمواطنين تصر على الإبقاء على «خانة الديانة»، بينما فى إصدارها لجوازات السفر لا تذكر خانة الديانة.. الأمر الذى يؤكد أن مخاوفنا «محلية» وأننا نعانى ازدواجية فى تصنيف البشر.. ونشق صدروهم قبل أن نمنحهم «صك المواطنة»!.

ومن يطالب بإلغاء «خانة الديانة» يتهمونه بالزندقة، ويرمونه بالكفر والإلحاد، ويطلقون عليه أبواقاً سلفية متحجرة ترى أن «وضع الديانة فى البطاقة يساعد على معرفة وكشف الديانات الأخرى غير السماوية، وحماية المجتمع من نسب ومصاهرة مخالفة».. رغم أن إثبات الديانة فى الميراث أو الزواج سهل باستخدام «شهادة الميلاد».. وحتى توصية من هيئة المفوضين بـ«المحكمة الإدارية العليا»، بوضع علامة (-) أمام خانة الديانة لدى الأشخاص الذين يعتنقون الدين البهائى، وعدم قيد الديانة البهائية فى خانة الديانة بمستندات الأحوال المدنية لما يمثله من تعارض مع النظام العام.. هى فى حد ذاتها تشكل خطراً محدقاً بمن ينتمى للبهائية.

الإبقاء على خانة الديانة فى الرقم القومى هو نقطة ضعف فى تطبيق مفهوم «المواطنة»، ومدخل للتمييز والعنصرية حتى بين الطلاب فى المدارس، و«التعصب بالفطرة» ضد المسيحيين لأنهم تربوا على «كراهية الآخر» فى نفوسهم، واستمعوا إلى منابر تطلق صيحات التكبير ثم تدعو على «النصارى واليهود».. وبينهم من تربوا على مناهج الأزهر التى تعلمهم أن المسيحى «ذمى وكافر ويجب فرض الجزية عليه».. هؤلاء الأطفال لا يعلمون أن شرط الإيمان على المسلم الإيمان بكل الرسل: (لا نُفَرِّق بَيْن أحدٍ من رُسُلِه)، البقرة: 285.

ما أدركه بالعقل أن على الأجهزة السيادية أن تتحسس مواطن التهديد للسلم الاجتماعى والأمن القومى، وأن تعمل فوراً على صد الهجمة الإرهابية على شعب مصر.

ونحن أمام تحدٍّ حقيقى لتجفيف «منابع الإرهاب»، ومحو ثقافة داعش وممارسات الإخوان (التى يروج لها رشدى) من الثقافة المجتمعية.

احذفوا خانة الديانة من الرقم القومى حتى لا تصبح «محاكم التفتيش» قانونية، حتى لا تتسيد البلطجة السلفية المشهد بدلاً من الدستور والقانون.
نقلا عن الوطن