medhatbeshay9@gmail.com
 
ونحن نعيش أزمنة المفاجأت التي نصنعها و نصيغها بأنفسنا أو تلك المفاجأت ت القدرية التي لا حول لنا فيها ولا قدرة على التعامل معها إلا بالقدر الذي يسمح لنا المولى العزيز القديرأن نواجه ونحاور .. وفي زمن التحولات الكبيرة التي رافقت رحلة الانسان الطويلة مع الحياة، تدخل الفكر والدين والفلسفة لكي يرتفعوا بقيمة الانسان نحو الأفضل، من خلال تطويع وتهذيب الطبيعة البشرية وتحسينها ونقلها بالتدريج من حالة التوحش الى حالة التحضّر ومن حالة الانانية والمصلحية الى حالة التكافل والإيثار، وقد حدثت هذه النقلات التطورية في فكر وسلوك الانسان عبر وسائل عديدة، كالتعليم والمعايشة المتبادلة ومحايثة التجارب على نحو متبادل بين الامم والشعوب وغير ذلك .
 
ويأتي الاعلام المعاصر ليلعب دورًا هامًا في هذا المجال، وربما أصبح (الاعلام) بكل وسائطه وأشكاله  من من الدعائم الأولى لصقل شخصية الانسان والارتفاع بها الى أقصى ما يمكن من درجات الرقي والتحضّر، بمعنى آخر أن المهام الملقاة على عاتق الاعلام لا تنحصر بكشف الحقائق وطرحها على الملأ فحسب ولا اللهاث وراء المواضيع المثيرة من اجل كسب الشهرة وما شابه، بل ينبغي أن يكون الاعلام من الوسائل الرئيسة التي تعمل بجد على نقل الانسان الى المستويات المثلى من السلوك والفكر..
 
وللإعلام الدور البارز والفعال في عملية التنشئة الاجتماعية لما يملك من خصائص تعزز من دوره، منها: جاذبيته التي تثير اهتمامات النشء، وتملأ جانباً كبيراً من وقت فراغهم، خاصة وأنها تعكس الثقافة العامة للمجتمع، والثقافات الفرعية للفئات الاجتماعية المختلفة، وتحيط الناس علماً بموضوعات وأفكار ووقائع وأخبار ومعلومات ومعارف في جميع جوانب الحياة، بالإضافة إلى أنها تجذب الجمهور إلى أنماط سلوكية مرغوب فيها، وتحقق له المتعة بوسائل متنوعة على مدار الساعة بما يشبع حاجاته. لقد استطاع الإعلام أن يغزو البيت والشارع والمدرسة ويحدث تغييراً كبيراً في القيم، وإذا لم يواجه ذلك بعملية تربوية منظمة تواكب هذا التطور المذهل، فسوف يؤدي إلى التخبط والعشوائية بل والضياع في العملية التربوية.
 
لعلَّه قد مضى ذلك الزمن الذي كان يمكن فيه تحديد مصادر الإعلام ووسائله التي تتاح لأبناء مجتمع معين؛ وتُحجب عنه المصادر والوسائل الأخرى. فالفضاء الإعلامي اليوم يكاد يمتلئ بكل ألوان الطيف الفكري والعقائدي والسياسي والاجتماعي؛ فما الذي يمثله هذا التنوع والتعدد من المنافع أو المخاطر التي يمكن أن تصيب شخصية المواطن في مجتمعاتنا؟ وإذا كانت وسائل الإعلام متاحة لكل فئات المجتمع العمرية، مما أثر هذا التعدد والتنوع على الطريقة التي تحاول مجتمعاتنا إعداد الأجيال الجديدة عليها من خلال برامج التعليم والتربية والتوجيه والتشريع، لا سيما في مراحل التنشئة الاجتماعية ومستويات التعليم المختلفة..
 
ومع مظاهر التعدد والتنوع في المضامين الإعلامية تظهر أهمية القوانين والتشريعات التي تحدد ما هو مسموح وما هو ممنوع، مباح بحكم القانون، ومحرم مخالف للقانون. وتنبثق هذه التشريعات عادة من المعتقدات والقيم التي يتبنَّاها المجتمع للمحافظة على هويته وشخصيته. فأين تقف أجهزة الإعلام من هذه التشريعات؟ وما الأخلاقيات العلمية والمهنية والاجتماعية التي يمكن لمؤسسات الإعلام أن تحتكم إليها؟ .. نأمل أن تحاول الأجهزة الوطنية الجديدة المشرفة على إدارة و ضبط المنظومة الإعلامية المصرية المزيد من العمل الجاد للإجابة على كل الأسئلة التي يطرحها أهل الاختصاص لتحقيق طفرة علمية حقيقية للتطوير والإصلاح .