د. مينا ملاك عازر 
لست في مجال تقييم سنوي مؤسف ومعتاد، سأمته وسأمه كثيرين، مثلي لمكاسب ومميزات وخسائر وعيوب ثورة يوليو، وهل هي ثورة أم انقلاب أم حركة مباركة؟ تحولت لانقلاب، ثم أسموها ثورة، المهم بل والأهم لحياة الشعوب ما يلي:

ما جرى في مصر منذ ثماني وستين عام تقريباً، أيا كان اسمه وموقفك منه، خرجت منه بمكاسب لا ريب فيها وهي علاقة متينة بشعوب القارة السمراء التي أنت منهم وإليهم وتحتاجهم، وإن كنت لا تفهم عبارة تحتاجهم، فيمكنك فتح جوجل إرث أو أي صحيفة عالمية لترى فيديوهات وصور للبحيرة الجديدة التي صنعتها إثيوبيا وراء سد النهضة التي استطاعت بناءه بالرغم من كل الضغوط العالمية التي مارستها مصر وكل المحاولات الدبلوماسية والقلاقل الداخلية، سواء كان وراءها دول خارجية أم لا، لكنهم نجحوا في القفز من فوق هذا كله وبنوا السد وأمسكوا بالرغم من أنف الدبلوماسية المصرية والسياسة المصرية محبس مياه النهر العظيم الذي مصر هبته.

وهنا لنا وقفة، هل أحمل النظام الحالي مسئولية خسارة مكسب علاقاتنا الجيدة بدول قارتنا السمراء، لا بالطبع، النظام الحالي وضع من أولوياته وهو أمر من الأمور التي اتفقت معه عليها استعادة وإعادة مكان مصر في القارة السمراء، وليس المكانة فقط، أيا جودة العلاقة، وهنا لنا وقفة، الخسارة أتت من أيام السادات، ليس الفيلم ولكن التاريخ، السادات أعطاهم ظهره بالرغم من كل نصائح عظيم الخارجية المصرية بطرس بطرس غالي، والذي استمر في إسداء النصيحة لمبارك، لكنهم كلهم اهتموا بالشعوب البيضاء والشمال على حساب الشعوب السمراء والجنوب، وهنا كمنت الكارثة، فأي فراغ تتركه حضرتك وتخلفه وراءك يملأه آخر أيا كان من هو هذا الشخص، فهل فهمت الدرس؟ إن كنت لم تفهمه سيادتك فانظر مرة أخرى لبحيرة السد التي امتلأت في مرحلة أولى دون أدني اعتبار لغضبة مصر ولا لغضبة أحد في العالم، ضربوا بالكل عرض الحائط وملأوا الخزان بقرابة الخمس مليارات متر مكعب مياه، وقالها وزير خارجيتهم، النيل لنا، ولم يأبه بقسم رئيس وزراءهم لنا بأنه لن يمس مياه النيل إلا بالتراضي شيء من هذا لم يحدث، وصرنا مهددين تحت رحمتهم، والأمر ازداد سوء على سوئه، لأننا سحبنا الملف من مجلس الأمن واعتمدنا على الاتحاد الأفريقي، الذي لم يعد الاتحاد الأفريقي الذي كنا من مؤسسيه، بات يحمل لنا الكثير من رؤسائه الكثير من الضغائن والكره بالرغم من كل ما يقوم به النظام المصري من مد جسور تهدمت، وخيوط انقطعت، بل بالرغم من مجهودات الكنيسة المصرية الأرثوذوكسية التي لها أيادي بيضاء في مجال الصحة في الكثير من الدول، إثيوبيا توحشت، والموقف ازداد وحشية بتدخلات خارجية تلعب بورقة أثيوبيا لتجعلنا ننكفأ على ظهرنا، حتي لا نرى ما يحدث ولا ننتبه للوجود التركي في الغرب، فإن كنت كلي ثقة في جيشنا بأنه قادر على حسم معركة الغرب، فأرى بلا نقاش أنه الأفضل في حسم ملف الجنوب حتى وإن كانت مغامرة.

المختصر المفيد النيل مسألة وجود.