طفت عقوبة الإعدام مجددا إلى السطح في المغرب بعدما شهدت مدينة طنجة، شمالي البلاد، جريمة عنف جنسي مروعة، راح ضحيتها طفل في الحادية عشرة من عمره، تعرض للاغتصاب والقتل، ثم جرى دفنه على مقربة من بيت العائلة.

 
على المستوى العملي، لم يلغ المغرب عقوبة الإعدام من قانونه الجنائي حتى الآن، لكن السلطات لم تنفذ هذا الحكم منذ 1993، أي أن آخر مرة كانت قبل 27 عاما، وهذا الأمر ينظر إليه حقوقيون بمثابة مكسب، لأنه يعبد الطريق أمام إلغاء هذه العقوبة بشكل نهائي.
 
لكن مؤيدي الإبقاء على عقوبة الإعدام، يرون أن هذا الحكم يحقق نوعا من الردع، أي أنه يجعل أي شخص يهاب التورط في جريمة تفضي إلى الموت، كما أن هذا الحكم يروي غليل أهل الضحية، بحسب قولهم، لأن الشخص المدان لن يواصل الحياة، فيأكل ويشرب ويستفيد من التغطية الصحية على حساب دافعي الضرائب.
 
وإزاء هذين الرأيين، تُطرح تساؤلات أخرى في المغرب حول ما إذا كان الإبقاء على هذه العقوبة إجراء ناجعا بالفعل في الحد من حوادث الاعتداء الجنسي ضد الأطفال، أو الاغتصاب بشكل عام.
 
وتحول هذا النقاش إلى "تراشق" على المنصات الاجتماعية، إذ يجري اتهام رافضي الإعدام، بالتغاضي عن حجم الألم الذي تسببه جرائم بشعة مثل الاغتصاب والقتل، ويضيفون أن حكم السجن غير كاف، لأن الشخص المدان قد يتمكن يوما ما من مغادرة أسوار السجن، وربما يعود مجددا إلى ممارسة جرائمه في الخارج.
 
في المقابل، يتهم حقوقيون المدافعين عن عقوبة الإعدام بالنظر إلى العدالة بمثابة "ثأر"، وينبهون إلى أن عمل القضاء يبقى نسبيا وتقديريا، كما قد تشوبه أخطاء كثيرة، وبالتالي، من الأفضل، بحسب قولهم، أن يتم التراجع بصورة نهائية عن عقوبة الإعدام، لاسيما في ظل وجود عقوبات بديلة ورادعة مثل السجن المؤبد، ويضيفون أن الحبس مدى الحياة أقسى بكثير.
 
وينبهُ رافضو الإعدام إلى أن أكثر الدول صونا لحقوق الأطفال وحمايتهم من العنف، بكافة أنواعه، ليست من الدول التي تراهن على تغليظ العقوبة، بل تحقق بيئة آمنة لصغار العمر من خلال التنمية ومحاربة شاملة للجريمة.
 
الرهان على "الردع"
 
ويشير الكاتب والباحث، منتصر حمادة، إلى وجود تباين في الشارع المغربي إزاء عقوبة الإعدام، لاسيما بعد حادثة اغتصاب وقتل الطفل عدنان بوشوف، 11 سنة، التي خلفت موجة غضب عارمة.
 
ويقر حمادة في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" أنه لا يمكن لعقوبة الإعدام أن توقف ظاهرة اغتصاب الأطفال مثلا وظواهر أخرى، ولكن في حالة الاغتصاب هذه، يرى مؤيدو الحكم، أن تطبيق حالة إعدام واحدة، كفيل بأن يكون رادعا حقيقيا لمئات أو آلاف ممن لهم قابلية لتكرار ما جرى في واقعة طنجة.
 
ويرى صاحب كتاب "قراءة في نقد الحركات الإسلامية"، أن النظر إلى عقوبة الإعدام له شق حقوقي وآخر ديني "وبالنسبة للحالة المغربية، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار طبيعة "مخيال المجتمع"، أي الخصوصية الثقافية والدينية، وتراكمات تاريخية".
 
وأورد الأكاديمي المغربي لا بد أن يكون الحكم محل مشاورات وتوافقات، وهذا أمر مستبعد في الساحة، إلا في حال جرى الاشتغال عليه عبر البرلمان، أو عبر تدخل مباشر لملك البلاد، كما جرى في أحداث سابقة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، صدور "مدونة الأسرة".
 
ويرفض حمادة تصوير أي شخص يدافع عن إعمال عقوبة الإعدام بمثابة شخص "داعشي"، لأن هذا الحكم موجود في القانون الذي تتبناه الدولة، كما أن عددا من المسؤولين الموجودين داخل المؤسسات يدافعون عن هذا الخيار، وهذا معناه أن الأمر لا يتعلق بهاجس أشخاص متشددين فقط.
 
وأورد أن من يدافعون عن إبقاء عقوبة الإعدام، ليسوا أناسا يتماهون مع التنظيمات المتطرفة، وإنما يقصدون تطبيق هذا الحكم من قبل جهاز القضاء في الدولة.
 
لكن رافضي عقوبة الإعدام، يردون على هذه الدعوة، بالقول إن العمل القضائي معرض لأن يخطئ ويصيب، وبالتالي، فإن عيب عقوبة الإعدام هو احتمال مصادرة حياة شخص بريء، مع عدم إمكانية تدارك الخطأ، بخلاف أحكام السجن التي يمكن أن تنتهي بإصدار عفو وتعويض الضحية.
 
الإعدام ليس حلا
 
الكاتب والباحث المغربي، أحمد عصيد، دخل على خط هذا النقاش، فكتب في صفحته على موقع فيسبوك، أن ما وقع في طنجة جريمة نكراء، لكن إلحاح البعض على عقوبة الإعدام تحديدا يظهر رغبة في الانتقام والثأر عوض معاقبة المجرم.
 
وأضاف الناشط الحقوقي المغربي أن المجتمع ليس من مهامه أن ينصب المشانق ويصدر الأحكام، لأن هذا الأمر من مهمة القضاء، "وإذا كان المغرب ما زال من الدول التي تقر حكم الإعدام (بدون أن تنفذه)، فقد آن الأوان لفتح نقاش أكثر جدية في هذا الموضوع، وكذا حول ظاهرة العنف ضد الأطفال.
 
وأضاف عصيد أنه على الذين يتعجلون حكم الإعدام أن يعلموا بأن أكثر الدول تنفيذا له مثل إيران هي التي ما زالت تعرف أكبر نسب انتشار الجرائم الفظيعة، وهذا معناه أن الذين يطالبون بهذا الحكم لا يقصدون أكثر من التنفيس عن مقدار الغيظ والعنف الكامن في دواخلهم، والذي ليس حلا للمشكل الذي نواجهه.
 
ونبه إلى أن ظاهرة اختطاف الأطفال بغرض اغتصابهم ظاهرة تزايدت في الآونة الأخيرة، والصواب هو التفكير الجدّي في سبل الحدّ منها. "أما المواطنون الذين تسابقوا في التعبير عن رغبتهم في قتل المجرم والتمثيل بجثته في الفضاء العام، فهم لا يقلون وحشية عن الوحش الذي يريدون الثأر منه".