بقلم :عوض شفيق
والعنف الخسيس التركي
من له المصلحة في معاقبة الجناة ا؟
المجتمع البشرى بأسره له مصلحة في معاقبة الجناة من الأفراد المسؤولين من الأتراك
 
بعد فشل كافة المحاولات الدبلوماسية عديدة للعمل باسم الإنسانية. نصت المادة ٢٣٠ من معاهدة سيفر للسلام التي تم التوقيع عليها فـي ١٠ آب/أغـسطس ١٩٢٠ أن الحكومة العثمانية تعهدت بتسليم الحلفاء الأشخاص الذين تطلبها هذه القوى باعتبار أنهم ارتكبوا المجازر في خلال الحرب على الأراضي التي تشكل جزءا من السلطنة العثمانية. واحتفظ الحلفاء بحق "تعيين" المحكمة التي ستنظر في قضايا هؤلاء الأشخاص. غير أن هذه المعاهدة لم تبرم قط بل استبدلت بمعاهدة لوزان للسلام التي وقعت في ٢٤ تموز/يوليو ١٩٢٣. ونصت هذه المعاهدة في إعلان مرفق بها على الإعفاء من الجرائم المرتكبة بين عامي ١٩١٤ و١٩٢٢.
 
ففي عام ١٩٤٥، وبموجب محكمة نورمبرغ نصاً يُفترض على المحكمة بموجبه أن تحاكم وتعاقب كافة الأشخاص المذنبين بمن فيهم الذين ارتكبوا "جرائم ضد الإنسانية".
 
واقترح العلاّمة القانوني البارز "هيـرش لوترباخ" Hersch Lauterpacht على المندوب الأمريكي إلى مؤتمر لندن "روبيرت جاكسن" Robert Jackson استعمال هذا المصطلح بالتحديد، علما أنه تم تعيين هذا الأخير في منصب المدعي العام الأمريكـي لمحكمة نورمبرغ. وتعرّف محكمة نورمبرج الجرائم ضد الإنسانية على أنها: "القتل المتعمد، والإبادة، والاسترقاق، والترحيل، وغيرها من الأفعال اللاإنسانية المرتكبة في حق أي مجموعة من السكان المدنيين قبل اندلاع الحرب أو خلالها، أو عمليات الاضطهاد على أسس سياسية أو عرقية أو دينية، في ما يتعلق بالجرائم التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة أو تنفيذاً لها (أي الجرائم ضد السلم، أو جرائم الحرب)، بمعزل عما إذا كانت تخالف للقانون المحلي في البلد حيث تم ارتكابها.
Hersch Lauterpacht and the Development of International Criminal Law, انظر مجلة العدالة الجنائية الدولية، ٢٠٠٤، ص
 
وعمل الفقه الدولي والقضاء الدولي على تحديد مفهوم الإنسانية ومفهوم البشرية وما هي الأفعال المحظورة والتي تشكل جريمة ضد الإنسانية والسمات الرئيسة للجريمة ومن له المصلحة في معاقبة الجناة والمحاكم المختصة في المقاضاة
 
* المجتمع البشرى بأسره مصلحة في معاقبة الجناة من الأفراد المسؤولين
 
وفى اجتهاد للمحكمة الجنائية ليوغوسلافيا السابقة، قررت أن بشاعتها البالغة تجعل منها اعتداءً ليس على ضحاياها المباشرين فحسب بل أيضا على الإنسانية جمعاء، ومن ثم فإنّ للمجتمع البشري بأسره مصلحةً في معاقبة الجناة. وقد لوحظ في هذا الصدد ما يلي:
 
"لئن كانت القواعد التي تحظر جرائم الحرب تعالج السلوك الإجرامي الذي يأتيه الجاني بحق الشخص القريب المشمول بالحماية، فإن القواعد التي تحظر الجرائم ضد الإنسانية تعالج سلوك الجاني ليس تجاه المجني عليهم القريبين فحسب بل أيضا تجاه البشرية جمعاء ... فهي، بسبب فظاعتها وفداحتها، تشكّل اعتداءات بشعة على الكرامة الإنسانية وعلى فكرة الإنسانية نفسها. ولذلك فهي تؤثّر، أو لا بد أن تؤثّر، في بني البشر، أياً كانت جنسيتهم أو الفئة العرقية التي ينتمون إليها أو الموقع الذي يتواجدون فيه". [راجع قضية المدعي العام ضد إرديموفيتش]، ١٩٩٧، المحكمة الجنائية ليوغوسلافيا السابقة
Prosecutor v. Erdemović, Appeals Chamber, Judgment, ICTY Case No. IT-96-22-A, para. 21 (Oct. 7, 1997) para. 21 (Oct. 7, 1997)
 
السمات الرئيسية لفئات الجرائم ضد الإنسانية
١) تشكل جرائم بغيضة باعتبار أنها تعدًّ خطير على كرامة الإنسان أو أنها تشكل إذلالاً وإهانة لشخص واحد أو أكثر. السمة الأولى فهي كون هذه الجرائم هي من البشاعة بحيث تُعتبر بمثابة اعتداء على الذات البشرية بصفتها تلك.
كما وصفت "هانا أرنت" محرقة اليهود بأنها ”جريمة جديدة، الجريمة ضد الإنسانية - بمعنى أنها جريمة تُرتكب ’بحق كينونة الإنسان‘، أو ضد طبيعة البشر نفسها“
H. Arendt, Eichmann in Jerusalem: A Report on the Banality of Evil,1965.
 
٢) ليست عملا منفردا أو متقطعا بل تشكل جزءا من ممارسة منهجية وواسعة النطاق تنتمي إما إلى سياسة حكومية أو سلطة الأمر الواقع السياسية، أو إلى مجموعة سياسية منظمة، أو ترضخ لها أو تتغاضى عنها أو توافق عليها هـذه الحكومة أو السلطة أو المجموعة.
 
٣) تكون هذه الجرائم محظورة وبالتالي معاقب عليها بغض النظر عما إذا ارتكبت في زمن الحرب أو السلم. وتجدر الإشارة إلى أن الصلة بنزاع مسلح كانت عام ١٩٤٥ عاملاً أساسيا لاعتبارها جرائم ضد الإنسانية، غير أن هذه العلاقة السببية تلاشت في القانون الدولي العرفي الحالي. وبالتالي، وفيما كان "العنصر الظرفي" للجريمة يقوم على وجود نزاع مسلح، إلا أنه أصبح اليوم يقتصر على هجوم "واسع النطاق ومنهجي" على السكان.
قد يكون ضحايا الجرائم الأصلية من المدنيين، أو في حال الجرائم المرتكبة خلال النزاع المسلح، من الأشخاص الذين لا يشاركون (أو الذين لم يعـودوا مشاركين) في الأعمال العدائية المسلحة، والمقاتلين الأعداء بموجب القانون الدولي العرفي
 
ووفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في الماد 7 حددت الأفعال التي تشكل جريمة ضد الإنسانية والشروط التي يجب توافرها لارتكاب الجريمة وحددت أركانها المادية والمعنوية وأصبح الاختصاص في النظر في الجرائم ضد الإنسانية للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص تكميلي حال إذا فشلت الدولة ولم تكن لديها القدرة والمقدرة في ملاحقة الجناة
 
لغرض هذا النظام الأساسي للمحكمة ، يشكل أي فعل من الأفعال التالية "جريمة ضد الإنسانية":
 
- متي ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق او منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين ،
- وعن علم بالهجوم : وتعنى عبارة ”هجوم موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين“ نهجا سلوكيا يتضمن الارتكاب المتكرر للأفعال التالية ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، :
- عملا بسياسة دولة
- أو منظمة تقضى بارتكاب هذا الهجوم،
- أو تعزيزا لهذه السياسة.
 
الأفعال المحظورة والتي تشكل جريمة ضد الإنسانية
 
(أ‌) القتل العمد؛
 
(ب‌) الإبادة ؛ تشمل ”الإبادة“ تعمد فرض أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان؛
 
(ج) الاسترقاق ؛ يعنى ”الاسترقاق“ ممارسة أي من السلطات المترتبة على حق الملكية، أو هذه السلطات جميعها، على شخص ما، بما في ذلك ممارسة هذه السلطات في سبيل الاتجار بالأشخاص، ولا سيما النساء والأطفال؛
 
(د) إبعاد السكان او النقل القسري للسكان ؛ ) يعنى ”إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان“ نقل الأشخاص المعنيين قسرا من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة، بالطرد أو بأي فعل قسري آخر، دون مبررات يسمح بها القانون الدولي؛
 
(هـ) السجن او الحرمان الشديد علي أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي؛
 
(و) التعذيب ؛ يعنى ”التعذيب“ تعمد إلحاق ألم شديد أو معاناة شديدة، سواء بدنيا أو عقليا، بشخص موجود تحت إشراف المتهم أو سيطرته، ولكن لا يشمل التعذيب أي ألم أو معاناة ينجمان فحسب عن عقوبات قانونية أو يكونان جزءا منها أو نتيجة لها؛
 
(ز) الاغتصاب او الاستعباد الجنسي ، او الإكراه علي البغاء ، او الحمل القسري ، او التعقيم القسري ، او أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي علي مثل هذه الدرجة من الخطورة ؛ يعنى ”الحمل القسري“ إكراه المرأة على الحمل قسرا وعلى الولادة غير المشروعة بقصد التأثير على التكوين العرقي لأية مجموعة من السكان أو ارتكاب انتهاكات خطيرة أخرى للقانون الدولي. ولا يجوز بأي حال تفسير هذا التعريف على نحو يمس القوانين الوطنية المتعلقة بالحمل؛
(ح) اضطهاد أية جماعة محددة او مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية او عرقية او قومية او اثنية او ثقافية او دينية ، او متعلقة بنوع الجنس علي النحو المعرف في الفقرة 3 ، او لأسباب أخري من المسلم عالميا بأن القانون الدولي لا يجيزها ، وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو بأية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة ؛ يعنى ”الاضطهاد“ حرمان جماعة من السكان أو مجموع السكان حرمانا متعمدا وشديدا من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي، وذلك بسبب هوية الجماعة أو المجموع؛
 
(ط) الاختفاء القسري للأشخاص ؛ يعنى ”الاختفاء القسري للأشخاص“ إلقاء القبض على أي أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية، أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه، ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم، بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة.
 
(ي)جريمة الفصل العنصري ؛
 
وبالرغم من هذا الحصر، في المادة ٧ من نظام المحكمة الجنائية الدولية شكّل إنشاء فئة جديدة تقدما ملحوظاً على هذا الصعيد. وهى فئة أخرى "(ك)الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة او في أذى خطير يلحق بالجسم او بالصحة العقلية او البدنية .
 
ولذلك هل يعد أفعال وإشارة بقايا اسيف تعد من الأفعال اللاإنسانية الأخرى؟
بقايا السيف ليس تقليداً عند العثمانيين بل هو ممارسة دولة وخطة ممنهجة لارتكاب أعمال العنف الخسيس.
 
أن المجتمع الدولي يعمل على توسيع نطاق فئة الجرائم التي اعتُبرت أنها تتخطى الشأن الوطني. واشتملت هذه الفئة على كافة الأفعال المخالفة للقيم الأساسية التي تُعتبر أو التي يجب اعتبارها، لصيقة بكل كائن بشري (وتجدر الإشارة إلى أن عبارة "الإنسانية" ضمن هذا المفهوم لم تكن لتعني "البشرية" أو "الجنس البشري إنما "ميزة" التمتع بالحس الإنساني).
 
ومن خلال الأساس المنطقي الكامن وراء حظر وتجريم هذا التصرف الشائن من قبل اردوغان وأمامه الذى يحمل السيف في احتفالية تحوبل أيا صوفيا لجامع (تسعى القواعد الدولية إلى حظر الجرائم ضد الإنسانية والمعاقبة عليها مهما اختلفت مواصفاتها، وخاصة إذا ما كانت هذه الجرائم تشكل جزءا من العنف الخسيس الواسع النطاق والعابر للحدود الجغرافية والاقيمية لتركيا الموجه ضد الإنسانية، باعتبار أنّ اعتداءات مماثلة مهما اختلف شكلها، من شأنها أن تسيء إلى الإنسانية).