القمص اثناسيوس فهمي جورج
 
كان Jerome چيروم لغوياً بارعاً متضلعاً فى العبرية واللاتينية واليونانية ، وله قدرة جبارة على الترجمة . هو الذى قام بكتابه ( مشاهير الرجال ) De viris illustrious ، تمجيدا للعبقرية المسيحية ، وتاكيدا علي قيمة المعرفة في الايمان المسيحي ، لذلك يعتبر مرجعه هذا من بواكير مصادر التاريخ الكنسي . كذلك قدم الترجمة المشهورة " بالفولجاتا " اي الرائجة ، والتي ضمت ترجمة الكتاب المقدس
 
اصيب جسد جيروم الضعيف ، بحمى شديدة الوطأة ، وصلت الي حد الاستعداد لجنازته ، لكنه فجاة اختطف بالروح واخذ امام كرسى الدينونة الرهيب ، حيث النور الوهاج وحيث كان الواقفون ينيرون جداً ، وإذا بالسؤال يوجه اليه "من انت وما شكك ؟" فأجاب : "انا مسيحى" ، لكن الجالس على العرش قال له : انت تكذب انت تابع لفلاسفة العالم ، ولست تابعاً " للمسيح" فحيث يكون كنزك وهمك هناك سيكون قلبك ( مت ٦ : ٢١. ) ... وفى الحال علم انها ساعة القبر التي ليس فيها من يشكر ، ولا في الجحيم من يذكر .....
 
هنا صرخ جيروم يتوسل ويندب في خوف قائلاً : "اللهم ارحمنى ... اللهم ارحمنى ... اللهم اقبلنى .. ياسيد افتح لي باب رجاء التوبة واتركني هذه المرة ايضا " ... وفى رعبة اللحظة ، قدم العهود والوعود ، وصرخ نحو الديان الجالس على العرش بإسمه قائلاً :- يارب يارب ... ان كنت اعود للحياة ، فلن اعود للانفصال عنك ، لن اعود الي التاجيل وتسويف العمر باطلا . لن اعود الي البهرجة ، ولا الي الانشغال والاوهام ، لن اعود للرخاوة والاعذار. ، ولا لحمي خطايا التهاون ... لن اعود لبهرجة الايدولوجيات والسفسطة ، لن اعود الى تلذيذ العقل ولا الي ثرثرة الفم .. سابعد عن الافتخار الباطل وتشتت ضياع الهدف . لن اعود لعبادة الذات ولا للمجد الفارغ ...
 
انه الدرس الذي منه حذرتنا الكنيسة - ملاقاة الهراطقة- حذرتنا من المعاشرات الردية ، ومن تقوى الكتبة والفريسين الزائفة ... صرخ جيروم نحو المسيح وقال له : سأقتدى خطواتك يارب واتبع مثالك فى كل مثال . ومن بعدها نهض جيروم ، واتجه بيقظة الي زهد وصحو النساك ، وتاثر كثيرا بسيرة العظيم انطونيوس التي دونها قلم القديس اثناسيوس الرسولي ، وقام بترجمها الي اللغة اللاتينية ، وصادق القديس روفينوس ...وعاش ايضا كمتوحد وكمرشدا للعذاري والنبيلاات ، ثم اسس جماعة رهبانية للرجال ، كان هو رئيسها ،وجماعة اخري للنساء في بيت لحم سنة ٣٨٦ م اشرفت عليها باولا واستوكيوم بنجاح ذائع الصيت ، كذلك شيد كاتدرائية كبيرة يجتمع الكل فيها ، ضم اليها بيت ضيافة للذين يحجون الي الاراضي المقدسة ببيت لحم في مدينة الهنا اورشليم . كذلك قام جيروم بترجمة كتابات اوريجين وديديموس الضرير .. كذلك كتب خطابات ورسائل وعظات وتفاسير ودفاعات وحوارات واعمال تقنية في السير والقوانين الرهبانية والترجمات .
 
وهو الذي كتب اول سيرة رهبانية في الادب المسيحي عن حياة انبا بولا اول السواح vita of Paul المتوحد المصري ... تواصل جيروم مع الاباء الكبادوك القديس غريغوريوس النزينزي وغريغوريوس النيصي وامفيلوكيوس من ايقونية ، وذلك لتثبيت اعتراف امانة نيقية الارثوذكسية ، ويوكد ثقاة التاريخ علي لقاء جيروم بالقديس ديديموس الضرير في مدينة الاسكندرية العظمي ، واستمع الي شروحاته وتعاليمه القدسية .... وتضع الكنيسة جيروم احد اهم معلميها الاربعة في الغرب : امبروسيوس واغسطينوس وغريغوريوس الكبير وجيروم . وميزته بالحس المرهف والتاثر العصبي والارق ، وايضا بثورته علي الفساد والرذيلة والهرطقات ، كذلك عرف بشدة نسكه ونقده اللاذع للسلبيات الاخلاقية والروحية مما خلق لنفسه اعداء كثر ، فهو بطبعه متهكم اذ كان متفطن قوي الملاحظة ، بليغ وحاد اللسان ...
 
لذلك صادق القديس ابيفانيوس صائد الهرطقات اسقف سلاميس( قبرص ) ، الامر الذي دفعه ليغير موقفه متخذا الجانب الضد اوريجاني ، بعد ان كان قبلا معجبا به وسماه الرجل ذا القلب النحاسي ( chalchenterus. ) والعامل المعلم في الكنيسة . ويعاب علي جيروم انه وضع انفه في مشاكل الشرق ، وتحزب لاشخاص ضد اشخاص ، ولكنه في كل الاحوال هو الفاعل الرئيس في دخول الحياة الرهبانية الي اوربا والغرب ، وهو ايضا رجل الكتاب المقدس الروحاني والمترجم والفيلسوف الناسك والعملاق في علمه وسعه افقه ، ومما يضيف الي اهمية دوره ، ما نقله وسجله من استشهادات وترجمات باقتباسات اقوال الاباء اكثر مما كتبه هو بنفسه في اللاهوت .. لقد كمل جيروم حياته غارقا في العمل الرعوي والترجمةوالدراسة التي اعتبرها دعوته الخاصة ، منشغلا طول عمره بالتفاسير والكتابة والدراسة ليلا ونهارا بدون توقف ،مهتما باعداد طالبي العماد المعمودية ، حتي تنيح بسلام في ٣٠ سبتمبر سنة ٤٢٠ م ... وعادة يفضل الرسام تصويره وهو في مكتبته واسفل قدميه اسد جالس ، قيل انه كان اخرج شوكه من قدم الاسد الذي كان يلازمه كعرفان بالجميل .