كتب – سامي سمعان
نشرت وزارة الخارجية عبر حسابها الرسمي على فيس بوك، كلمة سامح شكري وزير الخارجية في المؤتمر الوزاري حول ليبيا
 
السيد/ أنطونيو غوتيرش أمين عام الأمم المتحدة،
السيد/ هايكو ماس وزير خارجية ألمانيا الاتحادية،
السادة أصحاب المعالي وزراء الخارجية،
السيدات والسادة،
 
اسمحوا لي في البداية أن اتوجّه بالشكر للأمانة العامة للأمم المتحدة ودولة ألمانيا الاتحادية على تنظيم هذا الاجتماع الهام في تلك المرحلة الدقيقة من الأزمة الليبية.
 
السيدات والسادة،
نجتمع اليوم كمشاركين في مؤتمر برلين المُنعقد مطلع العام الحالي وكدول جوار لليبيا لتجديد رسالة التأكيد على اجتماع إرادتنا لوضع نهاية لإخفاقات الماضي في التوصل لحل سياسي ينهي معاناة الشعب الليبي الشقيق.. ومؤكدين أننا لن نترك فرصة إلا وظفناها لوقف تباين الرؤى حول مستقبل ليبيا ووضع حد لطموح الهيمنة الإقليمية لدى البعض.
 
كما نجتمع اليوم لمعاودة التأكيد على أن أي حل سياسي حقيقي في ليبيا لا بد وأن يستند إلى رؤية وطنية وحصرية للشعب الليبي دون إملاءات أو ضغوط مغرضة من هنا أو هناك.
 
السيدات والسادة،
خلال السنوات الماضية، زادت معاناة الليبيين بشكل غير مسبوق حيث تتفاقم يوماً بعد يوم مشكلات جمة على صعيد توافر الاحتياجات والخدمات الأساسية، فضلاً عن هدرّ واستنزاف ثروات الليبيين، وغيابّ الأمن في ظل سيطرة الجماعات المسلحة على بعض المناطق وانتشار الجماعات الإرهابية والمرتزقة والقوات الأجنبية في بقاع من ليبيا.. وقد آن الأوان لأن تتعافى ليبيا بعد مشقة طالت وثقُلت.
 
لم تتوقف مصر منذ اندلاع الأزمة الليبية عن التحرك الدؤوب والمخلص في كافة الاتجاهات مرتكزة فى ذلك على علاقات تاريخية وروابط شعبية ومصير مشترك مع أشقائنا الليبيين.. فدعمت كل جهد جاد لإعادة الأمن والاستقرار في ليبيا بدايةً من جهود الأمم المتحدة فى الصخيرات وصولاً إلى مؤتمر برلين.. ولم تنقطع اتصالات مصر مع كافة الأطراف الليبية لتقريب الرؤى.. ولم يكن "إعلان القاهرة" الصادر في السادس من يونيو الماضي إلا بناءً على المرجعيات المُجمع عليها دولياً، وقد جاء هذا الإعلان في وقت بالغ الحساسية بهدف حقن الدماء وتمهيداً لما نحن اليوم على مشارفه من حل سياسي برعاية الأمم المتحدة، وقد كثَفت مصر منذ ذلك التاريخ من جهودها واتصالاتها.. فاستضافت ممثلي القبائل الليبية من كافة المناطق للتأكيد على أن أحداً لا يمكن أن يقرر لليبيا مصيرها سوى أهلها.. ثم استضافت وفداً من الغرب الليبي ضم أعضاء من مجلسي النواب والدولة للتأكيد مجدداً على أن مصر هي وجهة كل الليبيين.. ثم استقبلت القاهرة كلاً من المستشار/ عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، والمشير/ خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، لتشجيعهما على التعاطي بكل روح إيجابية وبناءة مع جهود الأمم المتحدة الرامية لتثبيت وقف إطلاق النار والتوصل لحل سياسي وعلى التنسيق فيما بينهما بشكل أفضل.
 
ثم احتضنت مدينة الغردقة أول اجتماع ينعقد منذ فترة طويلة بين وفدين ممثلين للجيش الوطني ولحكومة الوفاق لبناء الثقة بينهما دعماً لجهود بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لاستئناف اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 التي نشأت بالبناء على مقررات مؤتمر برلين.. وما اجتماعنا اليوم إلا للتأكيد على التمسك بهذه المقررات لترجمتها إلى واقع ملموس.
 
السيدات والسادة،
إننا اليوم أمام فرصة مثالية للتوصل إلى تسوية سياسية تراعي كافة الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية للأزمة الليبية.. وتأخذ في الاعتبار التوزيع العادل للسلطة والثروة.. وتنهي أية تدخلات خارجية.. وتقضي على تواجد الإرهابيين والمرتزقة والقوات الأجنبية على الأراضي الليبية.
 
يتحتّم على اجتماعنا اليوم أن يُرسل رسالة واضحة لا لبس فيها بأنّ المجتمع الدولي جاد في إنهاء الأزمة الليبية وفق إرادة ورؤية الليبيين.. فلا مصلحة لأحد في أن تتحول ليبيا إلى بلد تتخطفه الأزمات وتمزقه الصراعات وأن تتحول إلى بلد مصدّر للتهديدات الإرهابية والهجرة غير الشرعية.. كما أنه لا مصلحة لكافة الأطراف الليبية في أن يطول أمد الصراع أكثر من ذلك فتستّمر معاناتهم ويستمر معها استنــزاف ثرواتهم التي ينبغي أن يتم توجيههــا لبنــاء ليبيـا ولخيـر شعبها.
 
وعليه، فإنني أطالب اليوم بأن تترجم إرادة الدول في إنفاذ توصيات وخلاصات برلين، جميعها دون استثناء، في إجراءات فعلية ملموسة لدفع الأطراف الليبية لاحترام ما التزم به الجميع في برلين وفي مجلس الأمن سواء تعلق ذلك بوقف إطلاق النار أو بحظر استيراد السلاح من جانب، أو بتفكيك الميليشيات ونزع سلاحها ومكافحة التنظيمات الإرهابية من جانب آخر بما يقتضيه ذلك من وقف فوري لجلب الإرهابيين من سوريا إلى ليبيا وخروج كافة القوات الأجنبية من ليبيا... وهي التزامات لطالما قطعها الليبيون والمجتمع الدولي على أنفسهم دون أن نرى لها أثراً فعلياً على الأرض ودون أن نرى مواقف رادعة لمن يخالفها... وكلي أمل ألا تصل مصر إلى مرحلة تضطر فيها إلى حماية مصالحها وأمنها القومي بالشكل الذي تراه كما صرح السيد رئيس الجمهورية بقاعدة "سيدي برانى" في 20 يونيو الماضي، ومن هنا تواصل مصر جهودها عبر اتصالات مع الأشقاء الليبيين ومن خلال التنسيق الكامل مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي حتى يعود الأمن والاستقرار إلى كافة ربوع ليبيا.
 
أكرر الشكر لمنظمة الأمم المتحدة وألمانيا الاتحادية على استضافة هذا الاجتماع الهام الذي أتطلع لأن يكون محورياَ على طريق صناعة السلام في ليبيا.