17 دقيقة من غناء الفنان علي الحجار، كانت كفيلة بأن تكون حاضرة بأذهان جمهوره ومستمعيه في ذكرى احتفالات أكتوبر والمناسبات الوطنية كافة، 17 دقيقة هي مدة الميدلي الذي قدمه علي الحجار وفرقته إحياءً للانتصار المجيد منذ 3 سنوات، ثم بات طقسا ثابتا يختم به الحجار حفلاته.

 
يبدأ الميدلي بأغنية «عدى النهار» التي أنشدها الفنان عبدالحليم حافظ من كلمات الخال عبدالرحمن الأبنودي، في أعقاب نكسة 1967، وينتهي الميدلي بأغاني نصر أكتوبر، ليجسد بشكل فني معاناة 7 سنوات ظل الشعب خلالهم يتطلع إلى النصر واستعادة الأرض المغتصبة، وكان الفن أحد أسلحة الدولة في رفع الروح المعنوية للمواطنين وحشد الجهود للاصطفاف خلف الجيش والقيادة.
 
17 دقيقة قدم خلالها علي الحجار ميدلي لأغاني: «عدى النهار - بسم الله الله أكبر بسم الله - رايحين شايلين في إيدنا سلاح - حلوة بلادي السمرا - دولا مين - أحلف بسماها وبترابها».
 
في ذكرى انتصار أكتوبر المجيد، الشروق تحدثت مع الفنان علي الحجار حول انتصار أكتوبر، وذكرياته خلال السنوات الست العجاف من النكسة إلى الحرب.
 
يقول علي الحجار في حديثه مع الشروق: كلما اقتربت ذكرى نصر أكتوبر العظيم يتبادر إلى ذهني صورة لمتنا في البيت الكبير حول جهاز الراديو مع أخوالي وخالاتي وجدتي لأمي؛ لنستمع إلى صوت المذيع الذي عرفت عندما كبرت أن اسمه «أحمد سعيد»، وكان يعلن من وقت لآخر بصوت حماسى مليء بالفرحة: «أسقطنا للعدو خمس طائرات فنردد جميعًا خلفه (كده بقوا ستين طيارة)»، ثم يعيد الكرة مرة ومرات حتى وصلنا إلى «كده بقينا 128 طيارة»؛ فأنزل الشارع مهرولآ متجهًا إلى كونيش النيل القريب من البيت لأجد أصدقائي قد أتوا أيضًا لنشاهد معًا دانات الصواريخ المضادة للطائرات بصوتها المخيف ولونها الرمادي القاتم الذي ينطبع على صفحة سماء إمبابة، التى كانت بالنسبة لي –آنذاك- هى مصر، نعم كان خيالى وقتها أن مصر هي الحي الذي أعيش فيه بجسدي وأسكن فيه بوجداني.
 
• النكسة
 
يضيف الحجار: لم نكن نعرف أننا نخسر هذه الحرب حتى أخبرونا بعد أيام قليلة؛ فبكيت أكثر من مرة لبكاء أبي وأمي وأخوالي وخالاتي وجدتي، كما أخبرونا أيضآ أن على شعب مصر بالكامل طلاء شبابيك البيوت باللون الأزرق، وأن نبنى أسوارًا من الطوب أمام أبواب بيوتنا، وألا نضيء أنوارنا بقدر الإمكان، ثم تنحى جمال عبد الناصر البطل الذى كنا نحبه حبا كبيرًا، وبكيت مع أبى وأمى وأخي أحمد ونحن نستمع إلى خطاب التنحي، وتسلقت مع أصحابى سطح حافلة ضمن الحافلات التى ستأخذنا إلى كوبرى القبة حيث يقطن الرئيس هناك لنهتف له ونرجوه بألا يتنحى حتى عدل عن قراره بناءً على طلب الشعب، وعشنا 6 سنوات في عتمة الخجل من الهزيمة والإحباط، وكانوا يخبرونا دائمآ بأننا مازلنا نحارب حربآ اسمها «حرب الاستنزاف»، وبالطبع لم نكن نصدقهم كما صدقنا من قبل المذيع أحمد سعيد الذى أدانوه وادعوا عليه بأنه كان يسرب أنباءً كاذبة ثم ظهرت براءته بعد ذلك.
 
ولم ينكر الحجار دور الفن المؤثر في شحذ الهمم، فيكمل: «أصبحنا كبارًا أنا وأصدقائي بالقدر الذي جعلنا نهتم بالاستماع لما يتردد من أخبار سياسية واقتصادية، وكنت أتميز عنهم بمتابعة أخبار الفن؛ فكانت أغنية «عدى النهار» برغم الحزن الساكن فيها، إلا أن الخال عبد الرحمن الأبنودي وضع في نهايتها شعاعًا من النور انبلج منه مقدارًا من الأمل الذي يبشر بأننا نستطيع أن نسترد كرامتنا وأرضنا، وظلت هذه الأغنية تتردد بداخلي كلما ألمت بمصر أي ضائقة.
 
• النصر
 
فبعد نكسة يونيو 1967 توفي جمال عبد الناصرعام 1970 ثم تولى الحكم الرئيس محمد أنور السادات بشكل مؤقت ولكنه استمر في الحكم خلال وقت لم يكن الشعب المصري يعلق عليه أملآ كبيرآ كرئيس لمصر بعد وفاة زعيم كانت له كاريزما أو حضور طاغي بالنسبة للعالم أجمع هو جمال عبد الناصر، ولكن ظهرت كرامات الرئيس السادات بقوة وبدأنا نسمع عن بطولات ضباط وجنود الجيش المصرى أثناء حرب الاستنزاف، ثم جاء النصر الكبير بسبب ذكاء السادات في الخطة التي وضعها لحرب 6 أكتوبر 1973؛ بداية من إقناع إسرائيل والعالم أجمع بأنه لن يحارب وإظهار ضباط وجنود الجيش المصرى وهم يلعبون الكرة ويسبحون فى مياه القناة؛ وصولآ إلى اختياره اللغة النوبية كشفرة أثناء فترة الحرب، وفقا لحديث الفنان.
وبالتأكيد إخلاص قادة الجيش المصري وشجاعة الضباط والجنود كانت سببًا كبيرًا للانتصار بداية من اقتحام صرح بارليف المنيع عن طريق خراطيم المياه؛ وهو ما لم تصدقه إسرائيل.
 
• حلوة بلادي السمرا
 
يستكمل الحجار حديثه المسترسل ويروي: واستردت مصر كرامتها وسمعتها أمام العالم أجمع، واستطاع الشعب المصرى أن يزيل اللون الأزرق القاتم من فوق زجاج الشبابيك، واستطاع أن يهدم حوائط الطوب من أمام مداخل البيوت، واستعاد الشعب ثقته بجيشه وتأكد أن المصريين «خير أجناد الأرض»، كما استعاد روح النكتة التى عُرف بها المصريون وجعلهم النصر يحبوا ويحفظوا أغانى النصر «وانا على الربابة باغنى ماملكش غير إنى أغنى واقول تعيشى يامصر – دولا مين ودولا مين دولا عساكر مصريين – أحلف بسماها وبترابها – ياحبيبتى يامصر – وعشرات الأغانى التى صنعها فنانو مصر بمنتهى الصدق وبفرحة حقيقية».
فنانو مصر كانوا يتركون بيوتهم وعائلاتهم ويبيتون الليالي في استوديوهات وطرقات مبنى الإذاعة والتلفزيون دون أن يتقاضوا مليمًا واحدًا مقابل أعمالهم الفنية العظيمة التى خرجت من صميم قلوبهم ووجدانهم وعقولهم، ولذلك مازلنا نحفظها ونغنيها حتى الآن لأنها دخلت قلوبنا وعقولنا جميعًا، حسبما قال.
 
• مازالت المعركة
 
رغم استرداد الأرض من العدو الخارجي، لكن يؤمن الحجار أن مصر يتربص لها عدو خارجي وأنا أؤمن أننا مازلنا ننتصر؛ فنحن نخوض في سيناء حروبًا غير نظامية ممولة بتمويلات ضخمة من دول تتمنى لنا الفشل، ولكن مازال جيشنا يحقق انتصارات ناجحة ومتلاحقة بالرغم من صعوبة هذه الحروب. وأرجو أن يستوعب شعبنا أن زمن الحروب الشريفة قد انتهى؛ فنحن نواجه أسلحة حديثة أخطر من الدبابات والمدرعات عن طريق تمويلات إعلامية ضخمة تدفع لخلق قنوات فضائية عديدة وتستقطب بعض الفنانين والإعلاميين الخونة الذين يؤمنون بالمال أكثر من إيمانهم بالوطن، ومهمتهم هي زعزعة الثقة فى نظام الحكم فى مصر؛ لذلك أتمنى ألا نكتفى بالرد على أكاذيب وادعاءات هؤلاء الخونة من خلال برامج تلفزيونية مهمتها أن تُظهر خيانتهم وكذبهم لأن هذا أمر مفروغ منه؛ كما أننا بذلك نساهم فى إعطائهم اهتمامآ وشهرة لا يستحقونها، ولكن الأفضل أن نتجاهلهم تمامًا ونكتفى بصنع أعمال فنية سينمائية وتلفزيونية وغنائية تظهر عظمة مصر وإنجازاتها، وفقا لرؤية الفنان علي الحجار.
 
• أعمال فنية أخرى
 
وكما كان الفن رفيقا للشعب والدولة في النكسة والنصر، طالب الحجار في نهاية حديثه بصناعة أعمال توازى قصص البطولات العظيمة التى حدثت ومازالت تحدث فى سيناء ولا نكتفى بفيلم واحد فقط (الممر) ومسلسل واحد فقط (الاختيار)؛ مؤكدًا: «بطولات جيشنا عظيمة وكثيرة ومازالت مصر مليئة بفنانين عظماء ليس لهم مثيل فى أى دولة أخرى».