في مثل هذا اليوم 15 اكتوبر 1801م..
وُلد رفاعة رافع الطهطاوي في 15 أكتوبر 1801 بمدينة طهطا إحدى مدن محافظة سوهاج بصعيد مصر. لقي رفاعة عناية من أبيه فحفظ القرآن الكريم وبعد وفاة والده رجع إلى موطنه طهطا ووجد من أخواله اهتماماً كبيراً حيث كانت زاخرة بالشيوخ والعلماء فحفظ على أيديهم المتون التي كانت متداولة في هذا العصر وقرأ عليهم شيئا من الفقه والنحو. التحق رفاعة وهو في السادسة عشرة من عمره بالأزهر في عام 1817 وشملت دراسته في الأزهر الحديث والفقه والتفسير والنحو والصرف وغير ذلك.

المنعطفُ الكبير في سيرة رفاعة الطهطاوي كان سفره إلى فرنسا ضمن بعثة عددها أربعين طالباً أرسلها محمد علىّ لدراسة العلوم الحديثة. كان الشيخ حسن العَطَّار وراء ترشيح رفاعة للسفر مع البعثة كإمامٍ لها وواعظٍ لطلابها. ذهب كإمام ولكنه إلى جانب كونه إمام الجيش اجتهد ودرس اللغة الفرنسية هناك. بعد خمسٍ سنوات حافلة أدى رفاعة امتحان الترجمة وقدَّم مخطوطة كتابه الذي نال بعد ذلك شهرة واسعة "تَخْلِيصُ الإِبْرِيزِ فيِ تَلْخِيصِ بَارِيز".

عاد رفاعة لمصر مفعماً بالأمل منكبّاً على العمل فاشتغل بالترجمة في مدرسة الطب ثُمَّ عمل على تطوير مناهج الدراسة في العلوم الطبيعية. أفتتح مدرسة الترجمة التي صارت فيما بعد مدرسة الألسن وعُيـِّن مديراً لها إلى جانب عمله مدرساً بها. فى هذه الفترة تجلى المشروع الثقافى الكبير لرفاعة الطهطاوى ووضع الأساس لحركة النهضة التي صارت في يومنا هذا بعد عشرات السنين إشكالاً نصوغه ونختلف حوله يسمى الأصالة أم المعاصرة. كان رفاعة أصيلاً ومعاصراً من دون إشكالٍ ولا اختلاف ففى الوقت الذي ترجم فيه متون الفلسفة والتاريخ الغربي ونصوص العلم الأوروبى المتقدِّم نراه يبدأ في جمع الآثار المصرية القديمة ويستصدر أمراً لصيانتها ومنعها من التهريب والضياع.

ظل جهد رفاعة يتنامى بين ترجمةً وتخطيطاً وإشرافاً على التعليم والصحافة فأنشأ أقساماً متخصِّصة للترجمة (الرياضيات - الطبيعيات - الإنسانيات) وأنشأ مدرسة المحاسبة لدراسة الاقتصاد وومدرسة الإدارة لدراسة العلوم السياسية. ظلت مدرسة الترجمة خمسة عشر عامًا كانت خلالها مشعلاً للعلم ومنارة للمعرفة ومكانًا لالتقاء الثقافتين العربية والغربية إلى أن عصفت بها يد الحاكم الجديد عباس الأول. قام بإغلاقها لعدم رضاه عن سياسة جده محمد علي وعمه إبراهيم باشا كما أمر بإرسال رفاعة إلى السودان بحجة توليه نظارة مدرسة ابتدائية يقوم بإنشائها هناك. تلقى رفاعة الأمر بجلد وصبر وذهب إلى هناك وظل هناك فترة دون عمل استغلها في ترجمة رواية فرنسية شهيرة بعنوان "مغامرات تلماك". قام بإنشاء المدرسة الابتدائية وكان عدد المنتظمين بها نحو أربعين تلميذًا ولم يستنكف المربي الكبير أن يدير هذه المدرسة الصغيرة ويتعهد نجباءها برعاية خاصة.

عاد رفاعة أنشط مما كان فأنشأ مكاتب محو الأمية لنشر العلم بين الناس وعاود عمله في الترجمة المعاصرة ودفع مطبعة بولاق لنشر أمهات كتب التراث العربى. قضى رفاعة فترةً حافلة أخرى من العمل الجامع بين الأصالة والمعاصرة.!!