بقلم – روماني صبري 
امتلك الفنان عبد السلام النابلسي، صفات الممثل المحترف القوي، حقا كان أداءه استثنائيا لا يشبه أحدا من أبناء جيله في عالم الفن، ما جعل ممثل شهير يطلق عليه "كونت التمثيل"، أفلامه الأبيض والأسود لازالت حتى يومنا هذا تعيش في وجدان الجمهور، النابلسي من أصل فلسطيني، ولد في لبنان عام 1899،  لكنه منذ وطأت أقدامه عالم السينما في مصر"تمصر" استحال مصريا، ومرد ذلك لتجسيده شخصية المصري ابن الحارة الجدع، الشهم، الذي يشرع ليساعد صديقه البطل، ابن البلد الذي يتناول سندوتشات الفول والطعمية ويعيش حياة الكادحين، ولنستذكر دوره في فيلم "شارع الحب"، بطولة عبد الحليم حافظ، صباح، إخراج عز الدين ذو الفقار عام 1958، وكذا دوره في فيلم إسماعيل ياسين في الجيش.
 
للأسف موهبة الرجل كانت اكبر من كل الأعمال التي قدمها، يحب الجمهور أدواره مع : فريد الأطرش، محمد فوزي،  إسماعيل يس، عبد الحليم حافظ، في المشاهد التراجيدية لكم برع في تجسيدها، وفي الكوميدية كما يقول المثل "وسعوله بقى"، شهد عام 1962 مغادرته مصر، حيث توجه للبنان، وتولى مهام  شركة الفنون المتحدة للأفلام، تزوج في الستين، وعانى ظروف وتجارب صعبة، بعد إفلاس  بنك (أنترا) ببيروت، كما عرفه مرض القلب، ولم يخبر أي أحدا في المجال، حفاظا على كل ما قدمه في السينما، وترك عالمنا في 5 يوليو عام 19681، على اثر أزمة قلبية.
 
من أطلق عليه "كونت التمثيل" ؟ 
يقول النابلسي قبل وفاته، ان صديقه المقرب الفنان الكبير "يوسف وهبي"، هو من أطلق عليه هذا اللقب، ولأنه لم يسأله عن السبب، رجح أن يكون مرد ذلك إلى أداءه الأدوار بطريقة ارستقراطية وكذا طريقة حياته والكيفية التي يتحدث بها خارج الأعمال السينمائية 
 
هل الثقافة مهمة للفنان ؟ 
كونه كان مستنير شديد الثقافة، رأى النابلسي، ان للثقافة دور كبير وضخم في حياة كل فنان، مشددا على أنها تترجم فنه، والفن في جوهره بالنسبة للنابلسي "شيء بوهيمي مجنون"، يقوده ويهذبه ويقربه إلى الجماهير، (عقل وثقافة الفنان)، لذلك وجب على الفنان أن يعرفه التعقل وقراءة الحياة بكل ما فيها بحكمة، وضرب مثالا :" العقل للفنان كاللجام في الحصان العنيد.

هل الذكاء هو العقل ؟ 
 رد النابلسي على هذا السؤال في حديث تلفزيوني بقوله :" كلا العقل شيء والذكاء شيء، فالعقل يقود الإنسان كي يعقل الأشياء ويكون متزنا يحسن التصرف، ويضع لحياته خططا ايجابية تصب في مصلحته، وكذا يتصدى لتهوره، ويحافظ على شخصيته وإنسانيته، عكس الذكاء، فقد نجد إنسان بسيط يتقد ذكاء، لذلك ليس العقل هو الذكاء، والثقافة بحد ذاتها تبلور الفن وتكشف جوهره للجماهير وليس سطحيته، وبالحق أبصرنا أعمالا فنية سطحية، انبثقت من تواضع موهبة القائمون عليها، حيث يمتلكون الموهبة البدائية، ولم يتطورون من أنفسهم بالثقافة، وكما يقول القول المأثور" البقاء للأصلح." 
 
 
 
واستطرد :" مقولة البقاء للأصلح تعني البقاء للي عنده عقل أكثر، وثمة شيء خطير في حياة الفنان، أود تسليط الضوء عليه، فحياة الفنان تطول أو تقصر، يجب ان تعرف التطور، والفنان الذي يرفض التطور يتأخر ويعاني الفشل في مجاله.
 
هل يؤيد النابلسي الأعمال الأخلاقية ؟ 
 بالطبع، فهذه الشخصيات هي أساس الفن، لذلك وجب على الفنان أن يتمتع بأشد الخلق، كما يأمرنا الدين، وليس الفنان فقط، الجميع عليهم التحلي بالأخلاق.

هل تكره الأطفال ؟ 
يعرف عني كرهي للأطفال، وبالطبع الأطفال بالنسبة لي مشكلة كبيرة ، أحب كل طفل، لكن أحبه لغيري، فعندما اعلم أن صديق أنجب طفل إلى العالم أشفق عليه جدا ، لأنه في السابق لم يكن يمتلك كل هذه الهموم والمشاكل ، كان يكفيه هموم الدنيا ، في لحظة قرر إنجاب هم جديد إلى الحياة، والأطفال "هم" لا شك في ذلك ، ألا يكفي أن أكون مسؤولا عن نفسي ، ألا يكفي هذا ؟ ! ، من اكبر المسئوليات في الدنيا أن يكون الإنسان مسؤولا عن نفسه ، لذلك الحكيم والعاقل هو من يقرر عدم إنجاب أطفال في الحياة ، فيكفي همومها.
 
النابلسي فنان كبير، قرر العودة للبنان، بعدما تعرض لمشاكل مع الضرائب، راحت تتفاقم وتتفاقم، وكانت قيمة ديونه 13 ألف جنيه، باءت كل محاولاته لتقليل المبلغ بالفشل، حيث كان يريد دفع 9 آلاف، راح يرسل لمصلحة الضرائب حوالة شهرية قيمتها 20 جنيها فقط الأمر الذي يعني أن تسديد المبلغ المستحق عليه سيستغرق 37 عاما، فقالت له المصلحة :" أنت لست جاد، استظل 37 عاما تدفع المبلغ، وبعد مرور 3 سنوات على وفاته، تم الحجر على أثاث شقته التي كان استأجرها  في حي الزمالك.