د. أحمد الخميسي
نظمت الجهات الثقافية المصرية الرسمية مساء الأربعاء 7 أكتوبر الحالي أمسيات في ذكرى رحيل أحمد شوقي الذي توفي في 14 أكتوبر 1932. وقد قضى شوقي حياته كلها موظفا في بلاط الخديو توفيق الذي أعاده الانجليز إلى العرش على أسنة الرماح، وموظفا عند ابنه الخديو عباس حلمي الثاني. وفي 28 أبريل 1927 تمت مبايعة شوقي أميرا للشعراء لكن عباس العقاد رفض الحضور اعتراضا على المبايعة، ووصف الأدباء العرب الذين بايعوا شوقي بأنهم " جهلة بحقيقة الشعر والشعراء"! وكان العقاد بالاشتراك مع عبد القادر المازني قد أصدر كتابه " الديوان في الأدب والنقد" عام 1921، وقال فيه إن شوقي :" أشبه بملحق أدبي في بلاط الأمير" وأن : " خياله كليل"، و" فكره عقيم"، وقال عن شعر شوقي إنه:" شعر لا يتأبه صاحبه أن ينزل به منزلة الاعلانات التجارية.. وهوقريب نسب ممن ينادي في قوارع الطرقات: ياجواهر ياعنب"! وكتب أن شعر شوقي إجمالا لا جديد فيه ولا روح. وكان أساس نقد العقاد لشوقي أدبيا صرفا، استشهد خلاله بقصائد شوقي، وبين مدى ضعفها بوضوح، وسقم الخيال فيها، وأنها في معظمها مجرد نظم وليس شعرا. ولم تكن تلك هي وحدها ما يأخذه الكثيرون على أحمد شوقي الذي أصبح 
 
        " أمير الشعراء" بقدر ما كان شاعر الأمراء والبلاط وعائلة الخديو، وكانت ولادة شوقي في قصر الخديو اسماعيل في أكتوبر 1868، فظل طول العمر وفيا لجدران القصر، ينظم قصائد المديح في خديو إثر خديو بلا توقف، وينقض بقصائده على خصوم القصر ليظل يثبت وفاءه واخلاصه. وقد كانت سقطة شوقي التي لا تغتفر حين هجا زعيم الفلاحين أحمد عرابي بقصيدتين " عرابي وماجنى" التي نشرها بدون توقيع عام 1901 في جريدة" اللواء" وفيها انقض شوقي على عرابي الثائر وفيها امتدح المحتلين الانجليز:" فَمُرَّ بإنكلترا تُزجي فيالِقَها ..
 
وبالأساطيل تَدْوي في موانيها"! أما القصيدة الأسوأ  فكانت " عاد لها عرابي" بعد رجوع الفلاح الثائر من المنفى إلى مصر، وفيها يقول أمير الشعراء :" صغار في الذهاب وفي الإياب.. أهذا كل شأنك يا عرابي؟".
 
وفي مذكراته رد الزعيم الثائر على شوقي بقوله : " كبار في الذهاب وفي الإياب .. برغم أنف أولاد الكلاب". إلا أن الزمن سرعان ما يضع كل شيء في مكانه الصحيح، ويخرج في مصر شاعر من أبنائها هو فؤاد حداد لينصف عرابي من شعراء الأمراء، وليكتب عن عرابي : " أحمد عرابي ربط فوق الليالي خيول.. ساعة ما تشب يلقاها القمر مذهول". أما صلاح جاهين في قصيدته " على اسم مصر" فيقول : " وحصان عرابي صهل صحى جميع الجيش.. على اسم مصر.. حصان عرابي جميل..
 
حصان عرابي أصيل .. يقف في عابدين ويآخد زاوية البروفيل.. للرسامين يرسموه ونشوفه جيل ورا جيل.. ويعدي كالريح على المجاريح ويسلم .. وحافره على الصخر في التل ا لكبير علم .. ولما صابه انفجار القنبلة اتألم .. على اسم مصر".
 
بقي عرابي رغم قصائد أحمد شوقي، أما ما الذي سيبقى من شوقي فلا يدري أحد. إلا أن بعض الأبحاث التي قدمت في أمسيات الاحتفال بذكرى رحيل شوقي تحدثت عن " الشعر الاسلامي عند أحمد شوقي"، وهكذا مازلنا ندور في نفس الدائرة، ونكرر أنه لا يوجد شعر أو أدب إسلامي أصلا، لأن الأدب لا يعرف بالدين، ولو كان تعريف الأدب بالدين، لكان علينا أن نتحدث بعد ذلك عن " الادب الشيعي"، و" الأدب السني"، و" أدب البهائيين" وهلم جرا، وأن نتحدث في المسيحية عن " الأدب البروتستنانتي"، و" الأدب الكاثوليكي" إلى أخره. أما أن يكون شوقي متأثرا بالدين الاسلامي فهذا أمر بدهي وطبيعي، لكن ذلك التأثر لا يخلق " أدبا إسلاميا" ، فقد كان سيرجي بوشكين أعظم شعراء روسيا متأثرا بالقرآن الكريم بعد أن درسه في ترجمته الروسية الصادرة عام 1790 ثم كتب بعد ذلك قصيدته الطويلة " قبسات من القرآن " المؤلفة من نحو مئة وثمانين شطرة في خريف 1824، فهل يعد بوشكين " شاعرا إسلاميا" ؟ لمجرد أنه تأثر بالاسلام؟  
 
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري