لا يرى غيرها ولا يريد سواها، يخدمها ليل نهار، حتى ولو ظل حياته بطولها وعرضها بين يديها، يجلس بجانب سريرها يحدثها، يحكي لها عن يومه وعن ابنهما التي لم تحظى بفرصة رؤيته، يضحك معها ويمزح أحياناً، ثم يحزن ويبكي في أوقات أخرى، يحكي لها عن مشاكله وتعبه وهمومه، وهي جالسة أمامه على فراشها، لا تدري من الدنيا شيئاً، لا تراه ولا تسمعه، ولا تشعر حتى بوجوده.
 
4 سنوات و5 أيام، ظل هاني محمد الصانع، من إدكو بمحافظة البحيرة، بجانب زوجته، شيماء صبحي، وهي على هذه الحالة، يقوم بخدمتها وجالساً بجانبها، منتظراً أن تستفيق من الغيبوبة التي أصيبت بها، بعد أن وضعت طفليها التوأم، بنبرة حزينة تمتلأ بكل معاني الحب والشهامة، يتحدث "هاني": "4 سنين و5 أيام، باعدهم بالدقيقة والثانية، لو مراتي مش غالية عندي ماكنتش عملت كل ده، لازم أعد وأحسب، دي حب حياتي ودنيتي".
 
يحكي "هاني" بداية دخول زوجته في غيبوبة، ففي مثل هذا الوقت من العام منذ 4 سنوات، دخلت "شيماء" في غيبوبة بعد عام واحد من زواجهما، حيث حملت في طفلين توأم، وتأخرت بضعة ساعات قبل أن تدخل غرفة العمليات لتضع مولودها، وبعد خروجها من العمليات، في أول يومين كانت بصحة جيدة، تتحدث معهم وتمازحهم، وفي اليوم الثالث دخلت في غيبوبة، لم تستفق منها: "مراتي ولدت الطفلين قيصري، واحد منهم خرج عنده تسمم واتوفى، والتاني كان عنده نقص أكسجين وبقى عنده تشنجات وكهرباء زيادة في المخ، لأنهم اتأخروا قبل ما يدخلوها غرفة العمليات".
 
ظل "هاني" وأسرته في المستشفى مع زوجته لمدة وصلت إلى 8 أشهر لإسعافها والتبرع لها بالدماء ومتابعتها، يقضي معظم يومه على قدمه، مستدماً قوته من حبه لزوجته، جهد لا يتوقف ودعاء لا ينقطع: "كنت باشتغل مدرس تحت التثبيت، رفدوني من الشغل بسبب إني قعدت معاها في المستشفى فترة طويلة، ودلوقتي قاعد ما بتشتغلش مش لاقي شغل، وعايش بستلف من أصحابي وحمايا وحماتي، أو بابيع حاجات من البيت".
 
خرجت زوجته من المستشفى إلى البيت وهي لا زالت في غيبوبتها، لم يعط الأطباء لـ"هاني" سبباً مقنعاً لدخول زوجته في غيبوبة، فلم يعرف الأطباء السبب، قائلين إنه مرض نادر ليس له علاج، ولكن لم ييأس الزوج الوفي، وقرر مراسلة بعض الأطباء والمستشفيات خارج مصر: "راسلت 5 دول أوروبية، قالوا لي لازم تاخد كورس علاج وبعد 3 شهور هتظهر النتيجة، إبر صينية وعلاج بالإيجاء وحاجات مش فاهمها، وتكلفته 4 مليون جنيه، هاجيبهم منين".
 
بقيت زوجة "هاني" على حالتها في البيت، لم يتركها "هاني" ولو دقيقة، ظل بجانبها، سعيداً بخدمتها، منتظراً استفاقتها، وكانت "زوجته" تتزود من الطعام عن طريق فتحه في المعدة، وتتنفس من فتحة تحت الرقبة، وتأخذ أدوية بقيمة 400 جنيه أسبوعياً: "كل الأكل اللي بتاخدها بتبقى مطحونة أو مضروبة في الخلاط، وبغيّر الحفاض لها لما تعمل حمام".
 
لا تشعر "شيماء" بأي شيء سوى الألم وأحياناً بحديث "هاني" لها، والتي تأتي استجابتها له عن طريق تحريك وجهها حركة بسيطة ناحية الصوت، ويعلم بألم زوجته، حتى ولم تظهر عليها الأعراض: "أنا عندي أمل وباعمل اللي عليا يمكن ربنا يجبر بخاطري، يا يشفيها يا يرحمها، أنا مش هلاقي زيها، دي ملاك".
 
يتمنى "هاني" أن تتم مساعدته بسيارة ليعمل عليها سائق أجرة، لكي يستطيع توفير مصاريف طفله ورعاية زوجته وعلاجها: "أنا عاوز العربية قسط، مش عاوز فلوس ولا صدقات، عاوز حد يساعدني بس في العربية، وعاوز حد يسفر مراتي بره مصر، بس مين هايدفع كم مليون عشان يسفرها ومش مضمون هتخف ولا لأ".
 
بعين متغرغرة وشفاة ترتعش، يعبر "هاني" عن استعداده التبرع بأعضائه لتعيش زوجته وتعود إلى الحياة: "نفسي أشوفها كويسه، لو فاقت وكلمتها وبعدين أنا مت، كده بالنسبة لي أخدت كل حاجة من الدنيا خلا