في بلدنا خلال عمرى شهدت أربع مراحل أساسية مر بها سوق العقارات
محمد حسين يونس
والمرحلة الثانية :- طلبت مني والدتي .. مرافقة أبي لديوان المحافظة بعابدين ..أثناء التحقيق معه .. ثم أطلعتني علي خطاب إستدعاء موقع من ( سعد زايد ) محافظ القاهرة .. بسبب شكوى مقدمة من فلان الفلاني .. أن والدى قد تقاضي منه (خلو رجل ) ليترك له شقتنا القديمة بالسكاكيني

في اليوم الموعود كان هناك عم فؤاد السحار (صاحب البيت) .. و الشاكى .. و والدى ..المحقق هددنا برفق بإسلوب غير مباشر .. أننا سيصيبنا أضراربالغة إن لم نعيد للرجل ماله .. و تكلم عن قانون رد خلوات الرجل ..و العلاقات الإنسانية التي يجب أن تسود التعاون بين المواطنين في العهد الجديد .

صاحب البيت وافق فورا علي رد المبلغ .. أما والدى فقال أن ما تقضاة من الشاكي لم يكن (خلو رجل) ..بل كان لقاء عفش و منقولات تركها له في الشقة قبل أن يغادرها .

دار حوار حاد بين الإثنين و كادا أن يتماسكا أمام المحقق .. أوقفته أنا بأن تعهدت بدفع المبلغ المطلوب بدلا من والدى ..فصرفنا من الديوان ..و كل منا يتمني الشر للأخر و يريد أن ينسفه من فوق ظهر الدنيا .

هذة كانت قضية سهلة من بين الاف القضايا التي كان يدرسها و يحكم فيها ضباط جيش عبد الحكيم عامر .. رافعين ريشة (ماعت) لتحقيق العدالة للمصريين الذى طال إضطهادهم .. و سرقتهم.. من المفتريين أعداء الشعب أمثال والدى و عم فؤاد السحار .

بعد إنقلاب 52 إهتم الضباط .. بعمل فرقعات سياسية تبدو كما لو كانت لصالح الفقراء ..و ذلك لتكوين شعبية جماهيرية تتوازن .. مع ما كان للوفد في تلك الأيام

أول هذه الفرقعات الإعلامية بدأ بالفلاحين .. و تطبيق قانون الإصلاح الزراعي و تمليك المعدمين لأرض الإقطاعيين ..

فإنقلبت الحياة ظهرا علي عقب في الريف .. دون تغيير يذكر لدرجات البؤس و العوز و عدم الطمانينة التي كان يعيش فيها ..الفلاح .. فلقد حلت الجمعيات التعاونية الزراعية مكان الإقطاعي .. و أصبح عليه أن يتعامل مع عشرين موظف كل منهم أنيل من الإقطاعي أو الخولي في جشعة و جموده .

وفي محاولة أخرى لحصد تأييد الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة تم إصدار قوانين تخفيض الإيجارات و تجريم ( الخلو رجل )..

إنقلبت الحياة بالمدن .لقد تحولت كل الصفقات التي جرت بالتراضي بين أطرافها ..إلي قضايا و نزاع و سب و كراهية .. تبدت في مكاتب التحقيق بدواويين المحافظات ... و بالطبع لم يكن منها إستيلاء كبار الضباط علي شقق الأجانب و اليهود دون مقابل فالمجني علية مطرود من مصر .

توقف الفلاح عن إعالة ذاته فلقد كان رغيف القمح الأبيض متوفرا في الأفران رخيصا..و اللبن و البيض و الخضروات في الجمعيات التعاونية .. و فرص العمل بالمدن سانحة خصوصا في أعمال التعميروالبناء.. فتركوا الأرض .. و هاجروا إلي أطراف المدن سعيا خلف لقمة العيش .

نتج عن ذلك أنه في نفس الوقت الذى كان عمال المقاولات يبنون فيه مساكن الطبقة المتوسطة في مدينة نصر و مدينة الإعلاميين .. و المساكن الشعبية .. للأسر الأقل حظا .. كان ينشيء لنفسه مدن الصفيح علي حدود العاصمة أو الأسكندرية ..

ثم تطورت عشش الصفيح لتصبح .. عشوائيات منشية ناصر و الكيلو 4.5 في القاهرة .. و في الأسكندرية ميرغم و العصافرة و غيرها... وتعد بالمئات .. منها ما تشكل خطورة علي حياة قاطنيها و زوارهم .

وسط هذا الحماس ركب المحافظون الموجة ..و بدأ البت في الشكاوى الحقيقية أو الكيدية .. التي يدعي فيها مؤجر شقة أن صاحب الملك أو المؤجر السابق قد تقاضي منه خلو رجل ... بينما تصفق الجرائد وتتحاكي الإذاعة عن عدالة الضباط .

الإنقلاب الذى حدث في نشاط الريال ستيت ..( تخفيض الإيجارات و تجريم إتفاقات خلو الرجل ) كان له ملمحان .. أن القطاع الخاص إمتنع عن البناء و التأجير .. و حلت الحكومة محلة تنشيء و تبيع بالتمليك وحدات سكنية بنماذج موحدة .. و أذواق غثة ..

الملمح الأخر اعتداء الحكومة علي مساحات واسعة من الأرض الزراعية و تجريفها .. و زرع الأسمنت (و الطوب الأحمر ) عليها بدلا من الأشجار .. (أبرزها حلوان ) في تصرف عشوائي .. غير مخطط و غير مدروس فيه إحتياجات المجتمع والمستخدمين ..

زيارة واحدة لمباني الستينيات (التي أقامتها الحكومة ) سواء الإقتصادية أو المتوسطة .. سيدهشك حجم التعديلات التي أجراها السكان علي منازلهم .. لتلائم إحتياجاتهم .. بحيث تحولت إلي كتل مشوهه غير متجانسة .. و غير صحية .. أو إنسانية . بدلا من مباني الزمن السابق .. الواسعة ذات الأسقف العالية .. و الأذواق الجميلة و التشطيبات الفاخرة .

و مرورا بين مزارع مصر في أى محافظة .. ستذهل من حجم التعديات علي الأرض الخصبة.. فالحكومة أول من إعتدت علي الأرض الزراعية .. و المزارعين إقتدوا بها .. ليصبح حلم الفلاح المهاجر خارج قريته عند العودة .. هو بناء منزل بالطوب الحمر بدلا من الطين . .., ( نكمل حديثنا غدا )