محمد حسين يونس

عندما بدأ هتلر نشاطه السياسى كان توجهه الأساسى الى الطبقة المتوسطة تلك التى يستطيع تنظيمها بسهولة فى جهاز بيروقراطى و آخر بوليسى يسيطر بواسطتهما على باقى طبقات الشعب .. وهى فى نفس الوقت أكثر طبقات المجتمع جبنا وترددا فى رأيه وبالتالى فمن السهل السيطرة عليها بواسطة ديكتاتور فرد يتقن طرق إرهابها .. وهى أيضا أكثر الطبقات تأثرا بالأزمة الاقتصادية .

 

   وبالتالى أصبحت خطته فى تنظيم الحكم ترتبط أساسا بتنظيم تلك الطبقة وفى نفس الوقت إرهابها .. وترغيبها. لقد كتب فى (كفاحى )-

 

(( فهمت الإرهاب الروحى الذى تفرضه هذه الحركة ولا سيما على الطبقة البرجوازية التى ليست أهلا للصمود لا من الناحية الخلقية أو من الناحية العقلية أمام هذه الهجمات .. فهى تنشر عند إعطاء أية إشارة معينة ستارا واقعيا من الأكاذيب والاتهامات ضد أى خصم يبدو منه خطر عليها وتواصل عملها هذا الى اللحظة التى تنهار فيها أعصاب هذا الإنسان الذى تعرض للهجوم ولا ريب فى أن هذا الأسلوب يرتكز على حسابات مدروسة للضعف الإنساني وتؤدى نتائجها الى النجاح بشىء من اليقين الرياضى .

وحصلت على تفهم مماثل لأهمية الإرهاب البدنى ضد الفرد والجماهير .. وبينما يبدو النصر الذى تحقق للمؤيدين وكأنه ظفر لعدالة القضية التى ينتمى إليها يشعر الخصوم فى معظم الحالات باليأس فى إمكان النجاح لأى مقاومة مقبلة ))

هذه المفاهيم التى ظهرت فى الفكر المبكر لهتلر – أى تنظيم البرجوازية وإرهابها نفسيا وبدنيا – أصبحت بعد ذلك دستور الدولة النازية وعلى أساسها تم بناء جهاز بوليسى قوى بدأه منذ اليوم الأول لعمله بالسياسة بعد انضمامه لحزب العمال الوطنى الاشتراكى والذى كان حزبا صغيرا للغاية فى ذلك الوقت .

 

كانت وظيفة الجهاز فى البداية المحافظة على النظام فى اجتماعات الحزب الجماهيرية .. ثم بعد ذلك إشاعة الإرهاب والفوضى فى مؤتمرات أحزاب المعارضة  ..

 

وكان يضم فى البداية جماعة من المتطوعين المعروفين بالصلابة بدأ تدريبهم تحت قيادة مجرم سابق على أساس أنهم فريق الجمباز بالحزب .. 

 

بعد ذلك انضم إليهم عديد من قطاع الطرق والجنود المسرحين وكون منهم فرق العاصفة والتى أصبح لها زى مميز – ملابس بنية - .. ثم انضم لهذه الفرق تنظيمات إرهابية أخرى بكامل تشكيلها .. حتى أصبحت بعد مدة قوة لا يستهان بها فى الشارع السياسى حتى أن هتلر صرح متحدثا عنها 

(( ان الحركة الاشتراكية الوطنية أصبح لها مخالب وأنياب وستحول دون رحمة فى المستقبل وبالقوة دون عقد أية اجتماعات أو محاضرات قد تضلل عقول إخواننا المواطنين))

 

إستعار هذا التعبير الرئيس السادات فقال ( الديموقراطية لها مخالب و أنياب ).

 

عندما اختار رئيس الجمهورية هتلر للمستشارية .. كانت فرق العاصفة قد أصبحت جيش العاصفة بقيادة ( روهم ) أخلص معاونى هتلر فى ذلك الوقت ... وفى ليلة الاختيار ظل هذا الجيش يستعرض فى الشوارع حاملا المشاعل طول الليل فى شكل من أشكال الإرهاب الروحى الذى تكلم عنه الزعيم فيما قبل .

وبعد مؤامرة حريق الرايشستاج المدبرة قاد هذا الجيش حملة إرهاب واعتقالات واسعة النطاق لمعارضى الحزب .

 

عندما توطدت سلطة الحزب أصبح هذا الجيش يتكون من مليونين الى مليونين ونصف من الشباب المتحمس النشط المسيطر عليه , ولكن ومع استتباب الأمن أصبح هذا الجيش وقيادته يمثلون خطرا على هتلر شخصيا وبدأ بعضهم يتبنون فكرة الثورة الثانية للإطاحة بالرأسماليين الصناعيين .

 

لذلك فلقد سارع بتكوين جهاز آخر من أجهزة القمع موازيا للعاصفة سمى بفرق الحرس النازى  SS وميزهم بأن ارتدى أفراد هذه الفرق الملابس 

 

السوداء مثل ملابس الفاشيست الإيطاليين كانت مهمتهم الأولى المحافظة على حياة الفوهرر نفسه .. وكان يمكن ملاحظة تزايد نفوذهم وهم يبعدون الجماهير المجنونة الحماس عن الزعيم أثناء إلقاءه لبعض خطبه الرنانة . وبهذا الجهاز استطاع هتلر أن يقضى على ( روهم ) وثورته الثانية ويقلم أظافر جهاز إرهابه الأول .

 

على الطرف الآخر كانت مهمة جورنج إرهاب الشعب فكون جهاز الشرطة الســــرية أو ( الجستابو ) والذى رأسه السفاح الشهير ( هملر ) فألقى بواسطته الرعب فى قلوب الألمان ومواطنى أوروبا .

 

ومع توسع نشاط الإرهاب الروحى والبدنى كان لابد من عد همسات الشعب بما فى ذلك أخلص خلصاء الحزب .. فتكون الجهاز السرى S.D  و الذى كانت مهمته فى البداية مراقبة أعضاء الحزب ونقل أخبار أى نشاط مريب.. وتضخم هذا الجهاز كما هى العادة ليصبح مكونا من مائة ألف مخبر مختارين من جميع فئات الشعب بما فى ذلك مثقفيه  .. وكان جهازا دقيقا غير معروف أعضاؤه يسترق السمع ويتجسس على كل مواطن ( مثل التنظيم الطليعي في بلدنا ) .. حتى أن من كان يجرؤ على إبداء رأيه دون أن يتأكد من أنه ليس هناك جهاز للتسجيل أو أن أحدهم لا يسمعه يصبح أحمق.

 

كان المرء فى تلك الأيام كما يقول شيرر (( لا يثق بإنسان ان كان حكيما أو عاقلا .. اذ لا يدرى فقد يكون ولده أو والده زوجته أو ابنة عمه .. صديقه أو رئيسه .. سكرتيرته أو سائقه مخبرا سريا )).

 

وبذلك أصبحت ألمانيا تحكم بواسطة جيش العاصفة والحرس النازى الذى أصبح منوطا بعد ذلك بالإشراف على المعتقلات .. والجستابو الذى كانت له سلطات استثنائية تجعله فوق القانون وجهاز المخابرات هذا عدا الشرطة والمخابرات الحربية .. وأصبح لكل جهاز عناصر سرية تخترق الأجهزة الأخرى وتتجسس عليها بشكل متنافس بحيث تصب كلها لدى الفوهرر كأداة لفرض الإرهاب  الروحى والبدنى .
 
 
وانتشرت معسكرات الاعتقال فى جميع أنحاء ألمانيا منذ السنة الأولى للحكم حتى أنها وصلت الى خمسين معسكرا فى نهاية 1933 .. وكان هناك قانون " الاعتقال الاحتياطى " الذى كان بواسطته يمكن تغذية هذه المعتقلات بروادها .. لمجرد الاشتباه فى سلوكه دون أوامر من السلطات القضائية .. وامتلأت المعسكرات بعناصر من السياسيين ورجال الصحافة والمفكرين ورجال الصناعة واليهود جنبا الى جنب مع المجرمين والمظلومين فقد كان من الممكن اعتقال أحدهم وتعذيبه حتى الموت ثم يتضح بعد ذلك أنه كان هناك خطأ فى الاسم .. وكان لرجال السلطة نزواتهم الخاصة فمن الممكن أن يعتقل أحدهم لأنه ينافس رجلا من رجال السلطة فى غرام سيدة .. أو لأن الآخر يريد أن يزيحه من طريقه ليستولى على قصره أو عزبته.. أو للحصول على فدية من أهل المعتقل أو أصدقاؤه.
 
 
ولقد أصبح لهذه المعتقلات دور هام بعد الحرب التوسعية فلقد نظمت وتولاها الحرس النازى .. بل أشد من فيهم قسوة هؤلاء الذين كان يطلق عليهم " رأس الموت " لأنهم يضعون شارة " الجمجمة والعظام " على صدورهم.
 
 
لقد قامت مجموعات رأس الموت هذه بإشاعة الذعر فى ثلاثين معسكرا كبيرا كانت لها سمعة عالمية مثل داخاو وبوخنفيلد وساشينهاوزن ورافيتر بروك وكان مخصصا للنساء وتيهاوزن فى النمسا وتربلنيكا فى بولندا .
 
 
وكانت لهذه المعسكرات قوانين خاصة أبسطها الحبس الانفرادى والتعذيب .. وكان القتل بأساليب غريبة عمل يومى يتفنن الزبانية بشكل سادى فى تنفيذه سواء بواسطة الغاز أو الدخان أو الضرب حتى الموت أو التبريد حتى التجمد أو القتل بالرصاص ولقد مات فى هذه المعسكرات وتم إهانة وتعذيب و إهدار كرامة الملايين يستوى فى ذلك الألمان والبولنديين والروس واليهود ولقد وصل التلذذ بالتعذيب بهؤلاء الوحوش الى درجة لا يمكن تصورها من إجراء التجارب الطبية على المعتقلين وقياس تأثير العوامل الجوية عليهم من برودة شديدة الى حرارة غير محتملة أو ضغط عالى أو منخفض .. ولقد وصل الإجرام بزوجة أحد قادة المعسكرات أنها كانت تختار بعض المعتقلين الذين لديهم وشم على جلودهم فتأمر بقتلهم وسلخ جلودهم ودبغها لتصنع منها أباجورات تملأ مسكنها ..
 
 
ان القصص التى رويت عن هذه المعتقلات تبعث الى التقزز من هذا الانحدار البشرى .. ولكن للأسف إن الإرهاب الروحى الذى اكتشف فاعليته هتلر وطبقه بمهارة .. أصبح حجر الزاوية لكل حكم فاشيستى .. بحيث لا تزال هذه الظواهر تجد من يؤيدها ويقوم بتنفيذها  ;كما لو كانت أمور معتادة .