( 1857- 1932 )
أول من نادي بفكرة " مصر للمصريين " وصاحب أول مشروع لجمع وحفظ وإحياء التاريخ القبطي ومؤسس جريدة مصر وناشر كتاب بوتشر "تاريخ الأمة القبطية "

إعداد / ماجد كامل
هو كاتب ومؤرخ وصحفي مصري قبطي ؛ ولد في أسيوط وتحديدا في منقباد خلال عام 1875 م ؛وتعلم في مدارس أسيوط ؛وتدرج في مراحل التعليم المختلفة حسب ظروف عصره .ثم عمل معاون تفتيش أرمنت التابع للدائرة السنية عام 1874 ؛ثم عمل معاونا لمصلحة الأحوال الاميرية في أسيوط . أسس جمعية خيرية لإعانة الفقراء عام 1882 . ثم عمل معاونا في وابورات النيل في أسيوط عام 1882 . كما أسس شركة مساهمة في أسيوط بأسم الشركة التجارية القبطية خصصت عشر أرباحها للأعمال الخيرية ؛وفتحت فروعا لها في سوهاج وجرجا وأخميم . كما أسس شركة عقارية بالفيوم للمتاجرة وإصلاح الأراضي فاتهم زورا وحسدا بالتزوير أنه استحوذ علي 300 فدان . ولكن ثبت براءته ؛ فمنحه الخديوي لقب البكوية عام 1903 كنوع من رد الاعتبار له .


أما عن خدماته في المجال الكنسي والقبطي ؛ ففي عام 1884 دعا الي إنشاء لجنة لإحياء التاريخ القبطي ؛وكان أعضاء اللجنة هم ( تادرس شنودة المنقبادي – الخواجا يوسف إسرائيل – سرجيوس قلتة – أبادير سمعان- مشرقي حنا – أبادير نخيلة – صليب ميخائيل – ساويرس حنا ) ولقد قررت اللجنة ترتيب احتفال كبير بعيد النيروز ؛وبالفعل تم هذا الاحتفال في شهر سبتمبر 1885 ؛ حضره مطران أسيوط في ذلك الوقت ؛ وقناصل الدول المختلفة وأعيان وموظفوا أسيوط . ولقد ذكر المرحوم الأستاذ نجيب كيرلس المنقبادي حفيد مؤرخنا العظيم ؛ أن ترييب الاحتفالية بدأ بالصلاة ؛ ثم القيت الخطب الكلمات والخطب الحماسية عن تاريخ الاقباط وتاريخ المدرسة القبطية باسيوط ؛كما تم توزيع اللحوم والدقيق والاغذية المختلفة علي قفراء مصر - مسلمين واقباط - دون تمييز "

( لمزيد من التفصيل راجع مقالنا عن عيد النيروز ؛ وراجع أيضا مينا بديع عبد الملك ؛ البعد الوطني وراء الاحتفالية برأس السنة المصرية ؛ جريدة المصري اليوم ؛ الأربعاء 9 سبتمبر 2020 ) .

وفي مجال العمل الصحفي ؛ عشق تادرس شنودة المنقبادي العمل الصحفي منذ وقت مبكر ؛ففكر في انشاء جريدة يومية مع تادرس بك وهبي ( 1865- 1934 ) ( أرجو أن تتاح لي الفرصة للكتابة عنه وعن دوره في تأسيس المدارس القبطية في الوقت المناسب إن شاء الله ) . وكان ذلك عام 1889 ؛ولكنه لم يستطيع لأنه كان يعمل بالحكومة وقتها ؛ ولكنه فيما بعد أصدر مجلة تسمي " النور " لنشر الأخبار الطائفية ؛والعناية بأخبار الجمعيات والاصلاحات الطائفية ؛ ولكنها لم تعمر طويلا ؛ ولكن أتيحت له فرصة كبري لتأسيس صحيفة كبري لعبت ودورا كبيرا في تاريخ الصحافة المصرية ؛ إلا وهي "جريدة مصر " . فلقد ظهر العدد الأول منها عام 1895 ؛ولقد تميزت كتاباته في الجريدة بالتنوع ؛فكان يكتب في السياسة والاقتصاد والاجتماع ؛ ويغلب علي أسلوبه الإسهاب والإطالة ؛ والميل الي الاقتباس من الكتاب والشعراء والحكم والأمثال وأقوال السياسة ( لمزيد من التفصيل راجع :- عواطف عبد الرحمن بالاشتراك مع نجوي كامل :- تاريخ الصحافة المصرية ؛ الصفحات من 327- 328 ) .


ولقد لعبت جريدة مصر دورا كبيرا في تاريخ الحركة المصرية ؛ فلقد كانت كما جاء علي لسان تادرس شنودة المنقبادي نفسه "نظرت الي حالة المصريين بعين التأمل وإذ ببذور التدهور والتفكك في طور النمو ؛ ووجدت أنه من العار أن لا يكون للأقباط جريدة معتدلة تعمل بقلب مخلص وغيرة صادقة علي خدمتهم وقيادتهم إلي المباديء القويمة والإصلاح الصحيح .... وتحت عنوان الاتحاد قوة ذكرت الجريدة إن أبناء الوطن يجب عليهم الاهتمام بالمصالح العامة طالما حكام الأمة يعاملون جميع أفرادها حسبما تقتضيه أحوال العدالة وقوانين المساواة ......أن أية أمة تنقسم علي ذاتها مصيرها الخراب ؛ وأي شعب تمسك أفراده بأذيال الاختلاف كان هدفا لمخالب التطرف ؛ فكفانا انقساما " ( مريم مسعد :- قصة جريدة مصر التي أسماها الإنجليز الجريدة الوطنية المتطرفة ؛ جريدة وطني 3 مايو 2015 ) .

فلقد كان المنقبادي يري أن الطائفية شيء والوطن شيء آخر ولا يجب أن يتداخل الأثنين فقال " وقد يحتمل أن يكون أبناء الوطن مختلفي المذاهب والأديان علي أن ذلك لا يجب أن ينخذ ذريعة إلي إهمال المصالح الوطنية العامة ( موسوعة تاريخ أقباط مصر :- الجرائد والمجلات القبطية التي صدرت في الفترة ما بين 1877- 1952 )

ولقد صدر العدد الأول من جريدة مصر في يوم الجمعة 22 نوفمبر 1895 بمدينة القاهرة ( أنظر النص الكامل لكلمة الافتتاحية :- رامي عطا صديق :- الصحافة المصرية في القرن التاسع عشر ؛ تاريخها وافتتاحياتها قراءات في تاريخ الصحافة المصرية ؛مكتبة الشروق الدولية ؛ الطبعة الأولي 2006 ؛ صفحة 109 ؛ 110 ) .


ولقد قال عنها اللورد كرومر في أحد تقاريره " إن الأقباط وجريدة مصر مثال يحتذي به في الجد والاجتهاد وتحصيل العلوم ؛والدفاع عن حقوقهم بغير استكانة ( مريم مسعد :- نفس المرجع السابق ) .

ولقد توقفت جريدة مصر خلال عام 1966 بعد كفاح دام واستمر حوالي 71 عاما ( 1895- 1966 ) .

وفي مجال الترجمة والنشر ؛ قام تادرس شنودة المنقبادي بنشر وطبع كتاب "تاريخ الأمة القبطية وكنييستها " للمؤرخة الانجليزية الشهير "بوتشر Edith Butcher ؛ أما الترجمة فقام بها اسكندر افندي تادرس أحد موظفي وزارة الداخلية ؛ وطبع علي نفقة جريدة مصر عام 1900 . ولقد كتب تادرس شنودة المنقبادي مقدمة في الطبعة الأولي منه قال فيها " إذا قرأ القاريء تاريخ الأمة القبطية التي عنت بوضعه هذه السيدة الفاضلة يري أنها أمة لم ير لها نظير بين أمم الارض التي تراكمت عليها من سيف ونار واضطهاد وعذاب وحروب داخلية وخارجية وثورات اهلية ..... التي لو حاقت واحدة منها بأقوي أمم الزمان لما بقي لها في عالم الوجود وجود ....... ولا مراء في أن الأمة القبطية الحاضرة بما عرف عنها من الذكاء الخارق والفطنة تستفيد من تاريخها هذا فائدة لا تجدها في غيره إذ نقف علي حقيقة ما فيها بأجلي بيان ويتجلي بها مجدها القديم الذي انهار وضاع فتعمل علي استرجاعه ..... ومعلوم ان هذا التاريخ يمتاز عن غيره من التواريخ الأخري التي كتبت عن الأمة القبطية في انه صحيح ودقيق لم يترك شاردة إلا وسجلها في باطنه فضلا عن أنه كتب بروح خالية من الغرض أو الجبن الذي أضاع أكثر الحقائق التاريخية " .

وفي مقال بعنوان " إعادة قراءة في التاريخ المصري الحديث : المؤتمر القبطي لصموئيل تادرس ؛ يذكر فيه أنه خلال عام 1908 ؛ ذهب وفد مكون من أخنوخ فانوس ؛ تادرس شنودة المنقبادي ؛ حبشي مفتاح لمقابلة الخديوي لتقديم بعض الطلبات الخاصة بمساواة الأقباط والمسلمين في التعيين بالمناصب الإدارية ؛ تعطيل المحاكم يوم الأحد ؛ تعليم الدين المسيحي في المدارس الحكومية للتلاميذ الأقباط ( لمزيد من التفصيل راجع المقالة المذكورة :- الحرة ؛ 1 مارس 2018 ) .

والجديربالذكر أن تادرس شنودة المنقبادي كان أول من طالب بالاهتمام بقصر السكاكيني ؛ فبعد أن توفي السكاكيني باشا عام 1923 ؛وبعد وفاته باربع سنوات (أي عام 1927 ) تقدم المنقبادي شهادته عن بناء القاهرة الخديوية ودار الاوبرا ؛ مؤكدا أن السكاكيني قدم من دمشق للقاهرة للعمل في قناة السويس ؛فكلفه الخديوي اسماعيل ببناء دار الاوبرا ؛ وقام برفع التراب المحيط بالمنطقة ؛ واشتري 30 فدانا لتأسيس الحي المعروف حاليا " حي السكاكيني " ( راجع :- بوابة الأهرام ؛ قصة السكاكيني مع تلال العقارب في القاهرة الخديوية ؛ 4 يوليو 2020 ) .

ولقد ذكر الارشيدياكون القديس حبيب جرجس (1876- 1951 ) في موسوعته الهامة " المدرسة الاكليركية بين الماضي والحاضر " أن تادرس شنودة المنقبادي قام بزيارة المدرسة الاكليركية عام 1897 ؛حيث شجع الطلبة وطالبهم بالاهتمام بالوعظ في الكنائس والجمعيات (المرجع المذكور ؛ صفحة 22 ) .

نداء ورجاء أخير :-
كان كاتب هذه السطور خلال فترة عمله بقاعة الدوريات بدار الكتب والوثائق المصرية ؛ يهتم بتصفح بعض الأعداد العشوائية من جريدة مصر ؛ فلاحظ أنها تعتبر وثيقة تاريخية هامة ليوميات وأحوال الوطن بصفة عامة ؛ والكنيسة والاقباط بصفة خاصة ؛ ومن هنا فأنني أوجه نداءا إلي جميع مراكز المعلومات و البحث والتوثيق والأرشفة في الكنيسة القبطية بسرعة جمع – بل أقول إنقاذ – ما تبقي من هذه الجريدة ؛خصوصا أني لاحظت أن حالة الورق سيئة جدا وفي طريقها للاندثار الكامل ؛ ويا حبذا لو شمل هذا المشروع أيضا كل الدوريات القبطية التي كان لها دور هام في تشكيل الوعي والثقافة القبطية ؛ والتي كان يكتب بها صفوة علماء ومفكري الكنيسة خلال القرن التسع عشر وبداية القرن العشرين .

بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1- تادرس شنودة المنقبادي – ويكبيديا .
2- تادرس بك شنودة المنقبادي وطني ووصحفي – تاريخ الاقباط المنسي .
3- مينا بديع عبد الملك :- البعد الوطني وراء الاحتفالية برأس السنة المصرية ؛ جريدة المصري اليوم ؛ الأربعاء 9 سبتمبر 2020 .
4- نجوي كامل ؛ عواطف عبد الرحمن :- تاريخ الصحافة المصرية : دراسة تاريخية ومعاصرة ؛ صفحة 327 ؛ 328 .

5- هيروك ميوكاو – الصراع علي الهوية المصرية ( دراسة حالة لمهرجان نيروز ) ؛ ترجمة محمد مسعد يحيي ؛ الحوار المتمدن ؛ 21 ديسمبر 2018 .
6- مريم مسعد :- قصة جريدة مصر التي أسماها الإنجليز الجريدة الوطنية المتطرفة ؛جريدة وطني 3 مايو 2015 .

7- موسوعة تاريخ أقباط مصر :- الجرائد والمجلات القبطية التي صدرت خلال الفترة ما بين 1877- 1952 .
8- رامي عطا صديق :- الصحافة المصرية في القرن التاسع عشر ؛ تاريخها وافتياحاتها مكتبة الشروق الدولية ؛ الطبعة الأولي ؛ يناير 2006 ؛ صفحة 109 ؛ 110 .

9- مريم مسعد صادق :- لأول مرة السيرة الذاتية للمؤرخة بتشر ؛موقع صوت المسيحي الحر
10- دونالد مالكوم ريد :- فراعنة من ؟ صفحة 396 .

11- صامويل تادرس :- إعادة قراءة في التاريخ المصري الحديث : المؤتمر القبطي ؛ الحرة ؛ 1 مارس 2018 .
12- بوابة الأهرام :- قصة السكاكيني مع تلال العقارب في القاهرة الخديوية ؛ 4 يوليو 2020 .

13- مينا بديع عبد الملك :- أقباط في تاريخ مصر ؛ جمعية مارمينا العجايبي للدراسات القبطية بالإسكندرية ؛ الجزء الثاني ؛مايو 2019 ؛ الصفحات من ( 40- 43 ) .

14- حبيب جرجس :- المدرسة الإكليركية بين الماضي والحاضر ؛ 1939 ؛ صفحة 22 .