التسامح لغة هو: أن تتغاضى على خطأ ارتكبه آخر أو أن تتساهل فى حق أو أن تصبر على إساءة ما، وبعيدا عن اللغة، فالتسامح يعبر عن موقف ثقافى اجتماعى، يرى الآخر ويتسامح إزاء الإختلاف معه، وفى الحضارة العربية الإسلامية قامت العلاقة بين "الأنا" وبين "الآخر" على أساس أخوة الجنس البشرى كله، وعلى أساس حق الآخر فى الوجود والاختلاف، أى من حق الناس جميعا أن يعيشوا كما يشاءون، وأن يعتنقوا ما يؤمنون به من عقائد بشروط أهمها مراعاة حقوق الآخرين وواجباتهم إزاء هؤلاء الآخرين.
إذا أين العالم وأين نحن من ذلك ؟
إذا ما اتفقنا أن التسامح هو موقف من الآخر، إذا لابد أن يكون هناك "نحن" وهناك "آخر"، فكيف نرى أنفسنا ؟ 
وكيف نرى علاقتنا بالكون وبالبشر وبالأشياء داخل هذا الكون؟
كيف نرى دورنا فى تاريخ البشرية؟
وهل نرى تكليفا الهيا    لنا فى هذا الكون لصالح البشرية جمعاء، أم إننا مختارون لنسمو فوق بقية البشر ؟
هل نرى البشر سواء أم نرى فروقا يصنعها العرق أو اللون أو الدين؟
علينا حتى تستقر الأمور الإجابة على هذه الاسئلة بكل صراحة حتى نحدد موقفنا من هذا العالم الذى لا أعتقد أنه يضمر أى شر لنا.
 
إذا طالما هناك "نحن" وهناك "آخر" فإنه من الواجب والحق أن نعود إلى وقت أن ظهر مصطلح "صراع الحضارات" أو "صدام الحضارات" وأيضا وقت أن ظهر مصطلح "العولمة" أو  "مناهضة العولمة" وهنا يمكن أن نقول لقد ظهر فى العالم تقسيم جديد ل  "نحن" و "الآخر" وهذا التقسيم الجديد قد ابتدعه الغرب، وربما أو غالبا لا يتطلب هذا التقسيم التسامح بمعناه الذى تعارف عليه العالم من قبل وإنما بالمعنى الذى قال به الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش يعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر سنة ٢٠٠١ 
"من ليس معنا فهو بالتأكيد عدونا"
وإن كنت أرى أن قطاعات كبيرة من الأمريكان أو الغرب بشكل عام ليسوا مع هذه المقولة.
 
إن التجربة الحياتية المصرية كانت على مدار التاريخ تجربة حضارية متسامحة، فمنذ فجر التاريخ المصرى كان على  الإنسان فى مصر أن يتفاعل مع توجهات الجغرافيا المصرية، إذ إنه بالنظر إلى جغرافية مصر ستكتشف بسهولة كبيرة أن هذه البلاد أشبه ما يكون بالواحة الفيضية التى كونها الفيضان السنوى لنهر النيل، ولأن النيل يكاد يكون هو مصدر الحياة الوحيد، إذا كان على المصريين أن يعملوا معا منذ بداية وجودهم لتطويع النهر والأرض وبالتالى اندمجت كل العناصر التى تعيش على حافتى النهر فى نسيج إجتماعى واحد، هكذا كان التسامح بمعناه اللغوى وإلاصطلاحى سمة الحياة المصرية عبر التاريخ، ولقد ظل هذا التسامح من خصائص المجتمع المصرى حتى ما حدث فى سبعينات القرن الماضي، حيث برزت ولأول مرة مشكلة الطائفية وعدم التسامح، والحقيقة لم يكن ذلك لأسباب إجتماعية وثقافية بقدر ما كان ناتجا عن أسباب سياسية داخلية وخارجية، ولم تتوقف حدود هذه الطائفية الطارئة عند الحدود الدينية، إنما تعدتها إلى نمط من الطائفية السياسية والإجتماعية والثقافية، وبالتالى يمكن إرجاع ما حدث إلى الفكر الوهابى السلفى الذى أتانا من مناطق عربية امتلكت الثروة، فظنت أن من حقها قيادة الأمة العربية والإسلامية، مع إنكار حق الآخر فى الإختلاف وفى الوجود، مضافا إلى ذلك ما قام به الرئيس الأسبق السادات من إطلاق العنان لجماعة الإخوان المسلمين لمواجهة التيارات اليسارية المناهضة له، وعلى الجانب الآخر كانت هناك أنماط أصولية مسيحية تنتشر فى العالم وتترك بصماتها على المسيحيين المصريين، وبالتالى كانت نتيجة ذلك كله موجة من عدم التسامح إزاء الآخر المختلف ترواح مكانها حتى الآن.