كمال زاخر
3 ـ مفاهيم أولية :
، يأخذ بيدك بعيداً عن دوائر الحزن والصراع والخوف، ليضعك فى دائرة المسيح، حيث المصالحة التى تبدأ مع نفسك أولاً.
 
مفهوم التوبة:
التوبة هى الإيمان بالمسيح والرجاء الوطيد فى تحننه، فالراحة الحقيقية والفرح الكامل، والسلام الذى يفوق كل عقل، تحصل عليه فى المسيح وحده الذى قال "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال وأنا أريحكم"(متى 11: 28). فالخلاص من الخطيئة وسلطانها، إنما هو بالمسيح والإيمان باسمه، والإيقان بقوته ومعونته، والرجاء فى رحمته، وباستخدام وسائط الخلاص التى رسمها لنا فى كنيسته، إذ ليس بأحد غيره الخلاص، "لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطى بين الناس، به ينبغى أن نخلص" (أعمال 4 : 11).
 
ثم يطرح الكاتب العلاقة الوثيقة بين "حياة" التوبة فى الكنيسة وبين ثلاثية "المعمودية والإفخارستيا والإنجيل"، فى رحلتنا الممتدة ـ بطول العمر ـ إلى الملكوت، "منذ اللحظة التى نلتحف فيها بالنور ونكتسى بثوب البر ونسجل فى سفر الحياة فى المعمودية، التى هى سر الميلاد من الله، والتوبة هى سر الاتحاد بالله، فيما تبقى الإفخارستيا سر الاتحاد بالله. ولا تستقيم التوبة بدون الإنجيل، ولا يمكن أن تدوم إلا فى ظل الإنجيل مفتوحاً كل يوم، (أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذى كلمتكم به ـ يوحنا 15 : 3)."
 
وفى ايجاز يوضح هذه العلاقة :
ـ المعمودية
"هى التوبة الأولى، وقبول حياة جديدة فى طبيعة الإنسان التى فسدت بسبب الخطيئة الأولى،
والتوبة هى معمودية ثانية، وتجديد المعمودية الأولى، بقبول مغفرة دائمة من الخطايا عن الخطايا اليومية، لدوام الحياة مع الله وفيه بالروح القدس."
ـ "التوبة فى ايجاز هى فى قول الإنجيل "لى الحياة هى المسيح" (فيلبى 21:1)، التوبة هى حفظ العهد الذى تعهدنا به أمام الله يوم المعمودية بحضرة شهود كثيرين، أن نجحد الشيطان وجنوده، وكل أعماله، وكثرة نفاقه. لقد كتب الملائكة تعهدنا، وحُفظ العهد فى السماء، فالتوبة تضمن دوام العهد. فدينونة المسيحى لن تكون إلا لكونه قد نقض العهد الذى قطعه على نفسه، فمن فمه يُدان. فعلى قدر ما لعظم المعمودية من كرامة لا يدانيها كرامة، على قدر خطورة إغفال تلك الكرامة وعدم اعتبارها. وهنا تبرز أهمية التوبة للذين شهدت عليهم ملائكة السماء."
 
ـ الإفخارستيا
"هو ثمرة سر التوبة وجزاؤها، حيث التناول المتواتر من جسد المسيح ودمه الأقدسين، هو فعل ديمومة حياة المسيح فينا، وثباتنا فيه، بعد أن تهيأ المسكن بالتوبة لسكناه. فالغصن الثابت فى الكرمة لا يكف عن احتياجه للعصارة التى تغذيه دواماً من أصل الكرمة، وإن أعاقه عائق عن استمرار تدفُّق العصارة إليه من أصل الكرمة يجف ويلقى خارجاً. والمسيح هو الكرمة ونحن الأغصان. وعصارة الكرمة هى جسده ودمه الكريمين."
 
ـ "التوبة لقاء مع الله والإفخارستيا توكيد لهذا اللقاء. التوبة هى تقابل بين مشيئة الله المُحِبة الهادئة الجاذبة للإنسان الخاطئ بفعل دم المسيح، وبين مشيئة الإنسان المُتعَب ورغبته الجدية بشوق فى العودة لله. والمبادرة دائماً من الله (لا يقدر أحد أن يُقبل إلىَّ إن لم يجتذبه الآب الذى أرسلنى. وأنا أقيمه فى اليوم الأخير ـ يوحنا 6 : 44)."
 
ـ "والله يجذب إليه الإنسان بناء على اشتياق هذا الإنسان وسعيه إليه (كل ما يعطينى الآب فإلى يُقبِل، ومن يُقبِل إلىَّ لا أخرجه خارجاً ـ يوحنا 6 : 37)، ولكن حتى هذا الشوق الذى يشتاقه الإنسان إلى الله هو نفسه من الله (توبنى فأتوب، لأنك انت الرب إلهى ـ إرميا 31 : 18)"
 
ـ "حياة التوبة هى قبول دعوة من الرب لكى يدخل إلى حياتنا (هاأنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحد صوتى وفتح الباب أدخل إليه واتعشى معه وهو معى ـ رؤيا 3 : 20)."
ـ "لا نستطيع أن نتقدم إلى الإفخارستيا إلا بضمير خطاة تائبين، لننال البر الذى وعد به الرب كل الراجعين إليه. لأنه إن كانت التوبة عتق من الموت، فالإفخارستيا عبور إلى الحياة."
 
ـ "التوبة ثمرة المعمودية، والإفخارستيا ثمرة التوبة، والكل معاً ليعيش المسيح فينا، ونعيش فيه."
ـ "الحياة فى المسيح بالكنيسة، شفاء ودواء، ورجاء للنفس والجسد والروح، شفاء من الخطيئة، ودواء لأسبابها، ورجاء أكيد بالنجاة والخلاص."
 
ـ كلمة الله
ـ "كلمة الله هى النور الذى نسير بهداه مسيرة غربتنا على الأرض، لذا يستحيل أن تستقيم التوبة بدون الإنجيل، ولا يمكن أن تدوم إلا إذا ظل الإنجيل مفتوحاً كل يوم. (أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذى كلمتكم به ـ يوحنا 15 : 3)."
 
ـ الكنيسة الأولى، بحسب قوانين هيبوليتس (القرن السادس) كانت تحرص على أن تجتمع بكل رتبها "وكل الشعب باكراً جداً (عندما يصيح الديك)، ويصنعون الصلاة والمزامير وقراءة الكتب والصلوات"، وتوصى أولادها أن "الأفضل لهم أن يسمعوا كلام الله اكثر من كل افتخار هذا العالم"، "وأن يتفرغوا لذلك بالكنيسة مرات كثيرة، ليقدروا أن يخرجوا الحقد الذى للعدو".، وتواصل فى نفس القوانين "الذين يحركهم العقل فى البيت فإنهم لا يغفلون عما سمعوه فى الكنيسة، لأجل هذا فليهتم كل واحد أن يمضى إلى الكنيسة فى كل الأيام التى تكون فيها الصلوات ... وفى اليوم الذى لا يصلُّون فى الكنيسة، فلتأخذ كتاباً وتقرأ فيه، ولتنظر الشمس الكتاب على رجليك فى كل الغدوات".
 
ـ ويواصل الكاتب تأكيد العلاقة بين الإنجيل والتوبة؛ "الإنجيل هو قوة الله للخلاص، والتوبة هى سعى نحو الخلص، (فاقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة القادرة أن تُخَلِّص نفوسكم ـ يعقوب 1 : 21)، (وأعرِّفكم أيها الإخوة بالإنجيل الذى بشرتكم به وقبلتموه وتقومون فيه وبه أيضاً تخلصون ـ 1 كورنثوس 15 : 1).
 
ـ التوبة هى فعل تغيير مستمر فى حياة الإنسان، من حياة حسب الجسد، إلى حياة حسب الروح. وهذا التغيير لا يتم إلا بتجديد الذهن والفكر (تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم ـ رومية 12 : 2)، وتجديد الذهن والفكر لا يكون إلا بكلمة الإنجيل (إذخلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الجديد الذى يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه ـ كولوسى 9:3)، (وتتحددوا بروح ذهنكم، وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله فى البر وقداسة الحق. ـ أفسس 23:4)".
 
ـ وينتهى بنا الكاتب إلى نتيجة محددة أن التوبة فى الكنيسة واقعياً وحياتياً "مرتبطة بالمعمودية والإفخارستيا وكلمة الإنجيل؛ المعمودية تخلق فينا إنساناً جديداً يحتاج إلى نمو من قامة إلى قامة. وكلمة الإنجيل هى البذرة التى تُلقى فى تربة هذا الإنسان الجديد، لتثمر فيه ثمراً يليق بالحياة الأبدية. والإفخارستيا هى الحصن الذى يصون نمو هذه الثمار لتكون كلها لحساب المسيح وحده ... أما التوبة فهى الرباط السرى الذى يهيئ فى الإنسان مناخاً صحياً وتربة صالحة لنمو هذه الحياة الجديدة. حياة المسيح فينا."
 
"وبهذا الإنسان الجديد ـ وبه فقط ـ يكون الدخول إلى ملكوت ربنا يسوع المسيح."