كتب – روماني صبري 
أحييت مصر بالأمس الأربعاء 15 نوفمبر، ذكرى ميلاد طلعت حرب، الاقتصادي والمفكر العظيم، حيث ولد في مثل هذا اليوم عام 1867، للنجاح الذي أصابه في عالم الاقتصاد، لقب بـ" أبو الاقتصاد المصري"، ناهض استحواذ غير المصريين على كافة المناصب والأعمال التجارية وقت الاحتلال، كان حزينا لما تعانيه مصر من أزمة اقتصادية دفع ثمنها المواطن البسيط، جانب ظروف الاستعمار الذي بدأ في عام 1882، قال أن أولى خطوات التحرر من الاستعمار تأتي بضرورة تمصير الاقتصاد الذي كان معظمه بأيدي الأجانب، ليقرر دراسة العلوم الاقتصادية وإتقان لغة أجنبية.
 
أبو الاقتصاد 
 الراحل من أسس بنك مصر، وكل الشركات التابعة له، رأى فيه كبار الاقتصاد أحد أهم أعلام الاقتصاد في تاريخ مصر، حيث حرر الاقتصاد المصري من التبعية الأجنبية، وأسس عدد من الشركات العملاقة التي تحمل اسم مصر ومنها : شركة مصر للغزل والنسيج ومصر للطيران ومصر للتأمين، ومصر للمناجم والمحاجر ومصر لصناعة وتكرير البترول وأستوديو مصر ومصر للسياحة.
 
 
طلعت يحقق حلمه الوطني 
نجح طلعت حرب في إقناع 126 من المصريين بالاكتتاب لإنشاء بنك مصر الوطني، وبلغ ما اكتتبوا به 80 ألف جنيه، تمثل عشرين ألف سهم، أي أنهم جعلوا ثمن السهم أربعة جنيهات فقط، وكان أكبر مساهم هو عبد العظيم المصري بك من أعيان مغاغة الذي اشترى ألف سهم، شهد الثلاثاء 13 ابريل عام 1920، نشر الوقائع المصرية في الجريدة الرسمية للدولة مرسوم تأسيس شركة مساهمة مصرية تسمى "بنك مصر"· كان قد تم قبل ذلك عقد تأسيس الشركة بين ثمانية من المائة والستة والعشرين مساهما جميعهم مصريون، وحرر بصفة عرفية في 8 مارس سنه 1920 - ثم سجل في 3 أبريل - أي بعد أقل من شهر وهؤلاء الثمانية هم: أحمد مدحت يكن باشا، يوسف أصلان قطاوي باشا، محمد طلعت بك، عبد العظيم المصري بك، الدكتور فؤاد سلطان، اسكندر مسيحه أفندي، عباس بسيوني الخطيب أفندي، عبد الحميد السيوفى أفندي.
 
 
الاحتلال يلبث صامتا 
رفض الاحتلال البريطاني حينذاك، الوقوف في وجه إنشاء البنك، عبر  وضع عقبات في طريق إنشائه، على الرغم من أنه قام لينافس البنك الأهلي الذي كان يمثل سلطة الاحتلال الاقتصادي الإنجليزي لمصر، حيث كان اجتاح الغضب الشارع المصري بعد ثورة 1919م، فعزف الاحتلال أن يفجر الوضع مرة أخرى مثل ما حدث باعتقال سعد زغلول من قبل، إلى جانب أن الإنجليز ربما رأوا أن بنك مصر برأس ماله الصغير وقلة خبرة المصريين في أعمال البنوك لن يستطيع الصمود في المنافسة، ولن يلبث أن يقع ويغلق أبوابه، فلا داعي لدخول معركة ضد الرأي العام لا حاجة لهم بها، وهو ما لم يحدث.
 
لنمصر الاقتصاد 
افتتح البنك رسميا في 10 مايو عام 1920، وألقى طلعت حرب خطبة في دار الأوبرا المصرية بمناسبة بدء أعمال بنك مصر، وكان أول مقر له في شارع الشيخ أبو السباع، بعدها شرع الرجل في تمصير الاقتصاد المصري والقيام بدور كبير في الاقتصاد المصري، عبر تأسيس مجموعة من الشركات المستقلة التي تدور في فلكه فترفعه والقطاعات الاقتصادية الأخرى تدريجيا نتيجة التفاعل الطبيعي بينها جميعا وأدت سياسته إلى الكثير من التطورات التي شوهدت في الاقتصاد الوطني والتي ارتبطت بشكل كبير بنشاط البنك الوطني الجديد.
 
 
متقد الذكاء منذ الصغر 
حرب ابن منطقة قصر الشوق في حي الجمالية تربى في رحاب مسجد الحسين، عمل والده موظفا بمصلحة السكك الحديدية الحكومية، وينتمي إلى عائلة حرب بناحية ميت أبو علي من قرى منيا القمح وتتبع حاليا الزقازيق محافظة الشرقية، والدته كانت تنتمي لعائلة صقر لقرية تابعة لمنيا القمح كذلك.
 
كان متقد الذكاء منذ صغره، حيث حفظ القران، ارتاد مدرسة التوفيقية الثانوية بالقاهرة، والتحق بعد ذلك بمدرسة الحقوق الخديوية في أغسطس عام 1885، وحصل على شهادة مدرسة الحقوق عام 1889، ليصبح بعدها من أوائل الخريجين، كان أولى اهتماما كبيرا وهو يدرس الحقوق بالأمور الاقتصادية، وقراءة الكتب في مختلف مجالات المعرفة والعلوم، وكان يعرف عنه إجادته للغة الفرنسية.
 
أزمة حلمه الوطني 
حقق بنك مصر على يديه نجاحات عظيمة، لكن جراء الأزمات المفتعلة للاحتلال، وبوادر بدء الحرب العالمية الثانية، خيمت حالة من الكساد على الاقتصاد، ودفعت المخاوف الكثيرين لسحب ودائعهم لدى بنك مصر مما تسبب في أزمة سيولة، ومما زاد الأزمة سحب صندوق توفير البريد لكل ودائعه من البنك، ورفض المحافظ الإنجليزي لبنك الأهلي وقتها أن يقرضه بضمان محفظة الأوراق المالية، وقتها قصد طلعت حرب وزير المالية حينذاك حسين سري باشا لحل هذه المشكلة، وطلب منه إما أن تصدر الحكومة بيانا بضمان ودائع الناس لدى البنك، أو أن تحمل البنك الأهلي على أن يقرض بنك مصر مقابل المحفظة، أو أن تأمر بوقف سحب ودائع صندوق توفير البريد.
 
 
 
فقال له سري، ارفض ذلك، وكان ذلك بايعاز من علي ماهر باشا، جراء مساندة حرب لخصمه النحاس باشا، فعرض عليه الوزير حلا للازمة، عبر تقديمه استقالته، فلبى دون تفكير، وقال :" مادام في تركي حياة للبنك فلأذهب أنا وليعيش البنك"، غيب الموت هذا الرجل العظيم في 13 أغسطس عام 1941.