بقلم / نجيب محفوظ نجيب.
رأيته يقف وحيداً في أحد الأركان.. مُرتدياً ملابس بالية ... ممتلئ الجسم ... شعررأسه و ذقنه أبيض اللون  ... يُحيط بعينيه هالة سوداء ... عمره يُناهِز الخمسين ...
 
يقترب منه بعض المارة ... يرثون لحاله ويُشفقون عليه ... فمنظره يوحى بأنه لم يذق الطعام ولم يذق طعم النوم ... منهم من يتحنن قلبه فيمد له يده ببعض القروش ... ومنهم من يسخر من حاله فيُرميه بكلمات مثل طلقات الرُصاص ... 
 
أقترب منه أحد الأشخاص وبدلاً من أن يضع يديه في جيبه ليخرج بعض القروش ويُعطيه إياها ... مد يديه وصفعه بالقلم دون أية مُقدمات ... نزلت من عينيه دمعة... لم يرد الإهانة ... ظل صامدا صامتاً ... حتى جاء الليل ...
 
بدأ يتسلل مُتخفياً ... يجوب الحارات والشوارع ... 
 
يطرق أبواب الفقراء ... يترك لهم بعض من القروش التي حصل عليها على مدار اليوم ... وعند ما ينتهى من كل ما معه ... يعود إلى بيته ... يتطلع إلى يوم جديد يبدأ معه نفس الحكاية ... يذهب إلى نفس المكان ... يقف وحيداً في أحد الأركان ... مُرتدياً نفس الملابس البالية ...