Bernard Pyne Granfell
( 1869- 1926 )
صاحب الفضل في اكتشافات برديات البهنسا التي تحتوي علي أقدم ترنيمة مسيحية قبطية  في العالم وذلك بالتعاون مع آرثر سوريدج هانت ( 1871- 1934 ) .

إعداد/ ماجد كامل
يمثل العالم الانجليزي برنارد بيني جرانفيل Bernard Pynne Granfell ( 1869- 1926 ) قيمة كبيرة في تاريخ علوم  البرديات Papyrology . حيث يرجع إليه الفضل الرئيسي في اكتشاف برديات البهنسا ؛ وذلك بالتعاون مع عالم برديات آخر يدعي آرثر سوريدج هانت Arthur Surridge Hunt ( 1871- 1934 ) ( سوف لنا معه مقالة أخري عن حياته وانجازاته في الوقت المناسب أن شاء الله ) . أم عن جرينفل نفسه ؛فلقد ولد في 16 ديسمبر 1869 بأحدي المدن الانجليزية ؛ وتدرج في مراحل التعليم المختلفة حيث تخصص في في علوم البرديات Papyrology  وحصل بعدها  علي منحة دراسية للدراسة في جامعة الملكة بأكسفورد  The Queen s College ,Oxford . ولقد تم اختياره بعدها ضمن البعثة المسافرة إلي مصر للعمل مع عالم المصريات الكبير فليندرس بيتري  Flinders Petrie ( 1853- 1924 ) ( راجع مقالة كاتب هذه السطور عن حياة وأعمال هذا العالم الكبير علي صفحة الأقباط متحدون بتاريخ 29 يولية 2019 ) .     


وفي عام 1895 قررت جمعية The English Exploration  تبني مشروع كبير هو اكتشاف الحقبة اليونانية – الرومانية في صعيد مصر  . ورشحت الجمعية العالم جرانفيل والعالم هانت للقيام بهذه المهمة ؛ فسافر ا إلي الفيوم أولا للبحث والتنقيب هناك ؛ثم توجها بعد ذلك إلي منطقة البهنسا المعروفة في اليونانية ( اوكسيرنخوس القديمة ) حيث عثرا علي برديات بالغة القبمة ( سوف نعود إليها بشيء من التفصيل بعد الانتهاء من سرد قصة حياته وانجازاته وكتاباته ) .

ولقد كرم العالم كله العالمين الكبير جرانفيل وهانت بسبب هذه الاكتشافات الرائعة ؛ حيث  أنتخب جرنفيل زميلا بالجمعية  بالأكاديمية الربيطانية عام 1905 ؛ وعين أستاذا لعلوم البرديات بجامعة أكسفورد .  وفي خلال معظم سنوات الحرب العالمية الأولي (1914 – 1918 ) تطوع زميله هانت للعمل بالخدمة العسكرية في الجيش البريطاني ؛فقام جرانفيل بالعمل بمفرده في ترجمة أوراق البردي المكتشفة ؛كما قام بعمل دراسة شاملة عن جغرافية مصر في اوائل عام 1920 . ولقد أستمر جرانفيل في العمل والأنتاج وتأليف الكتب حتي توفي في 18 مايو 1926 عن عمر يناهز 57 عاما تقريبا قضاها كلها في خدمة العلم ( للمزيد من التفصيل عن حياة العالم جرانفيل راجع كتاب :- أوكسرينخوس (البهنسا) تاريخ مدينة عظيمة ؛ ترجمة وإعداد هلجا ديل وناصر البردونهي ؛ إيبارشية النمسا للأقباط الآرثوذكس ؛ صفحة 18  و19 )  .

ولقد أثري العالم الكبير جرنفيل المكتبة الاثرية والبردية بالعديد من الكتب والمراجع القيمة نذكر منها :-
1- أقوال ربنا من البرديات اليونانية المبكرة ( بالتعاون مع العالم Hunt ) 1897
  Saying of Our Lord from an Early Greek Papyrus (Egypt Exploration Fund,1897).
2-  مدينة الفيوم مدنها وبردياتها (بالتعاون مع هانت ) Fayum Town and Their Papyri London 1900
3- أوراق كلاسيكية يونانية يونانية ولاتينية من العصر  اليوناني واللاتيني (بالتعاون مع هانت ) .
4- برديات يونانية Greek Papyri
5- برديات الهنسا في" 17" مجلد The Oxyrhynchus Papyri

وتذكر هيلجا ديل مؤلفة كتاب "البهنسا " عن العالم جرنفيل حيث تصفه كالتالي " جرنفيل كان عالما موهوبا بشكل غريب في أداء عمله .كان ذكيا جدا واسع المعرفة ومنظم في عمله وكان عالما مليئا بالطاقة والحماس والإبتكار والحيوية . الرجل كان ذو شخصية جذابة . سخية ومحبة .فاز بسهولة بثقة وحب المصريين الذين عمل معهم وكان يظهر إحترامه لعمال التراحيل الذين كانوا يعملون بعميلات التنقيب معه " ( المرجع السابق ذكره ؛صفحة 19 ) .

أما عن برديات البهنسا وأهميتها التاريخية والأثرية ؛ يقدر العلماء عدد البرديات التي تم  اكتشافها علي يد العالمين الكبير جرنفيل وهانت بحوالي 400000 أربعمائة ألف بردية وشذرات من البرديات غير الآلاف التي سبق أن نقلها بتري إلي لندن ( المعلومة نقلا عن كتاب هيلجا ديل صفحة 24 ) .  نذكر منها الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ؛ كما تم اكتشاف خطاب من البابا بطرس خاتم الشهداء( 302- 311 م ) والملقب بخاتم الشهداء ؛  يرجع تاريخه إلي عام 311 م .  كما عثر علي تقويم كنسي يرجع تاريخه لعام 353م ؛ كذلك عثر علي أقدم نوتة موسيقية لأقدم لحن كنسي في العالم كله ( نفس المرجع السابق صفحة 25 ) . ( لنا عودة تفصليلة لنص هذا اللحن وأهميته في نهاية المقالة ) .


وتذكر المؤلفة علي لسان العالم جرنفيل قوله عن أهمية إكتشافات البهنسا بالنسبة للمسيحية  قوله "أن أوكسرنخوس مدينة علي جانب كبير من الأهمية بالنسبة للمسيحية ؛حيث أن الموقع يضم العديد من الكنائس وكان يعيش فيه الآلاف من الرهبان في القرن الرابع والخامس الميلادي ؛المخطوطات المكتشفة  تقدم أدلة علي أن عددا متزايدا من الكنائس بدأت بكنيستين في القرن الثالث ثم  وصل عددها إلي حوالي أربعين كنيسة في القرن السادس ؛ وفي فترة لاحقة وصل عدد الرهبان بالآلاف . هذا هو السبب في العثور علي هذا الكم الهائل من المخطوطات المسيحية . (نفس المرجع السابق صفحة 76 ) .

ومن ضمن نصوص الصلوات المكتشفة في  البهنسا :-
1- صلاة إلي الله القدير بيسوع المسيح ؛للمساعدة في الرحمة والتطهير والخلاص. وترجع للقرن الثالث أو الرابع الميلادي .
2- صلاة تمهيدية لأب كاهن ؛وترجع للقرن الرابع الميلادي .
3- ترنيمة للثالوث القدوس مع نوتة موسيقية  ؛وترجع للقرن الثالث الميلادي .

كما ذكرت بعض الأسماء والرتب والكنسية ؛مثل شخص يدعي "هيركلس " لقب بشيخ الكنيسة "بريستفيروس ". ورتبة أناجنتيتوس ( قاريء باليونانية ) . كما وردت أسماء بطاركة وأنبياء  كذلك تم العثور علي جدول بالغ  الندرة ينظم عمل القداسات أيام الآحاد والأعياد في التي كانت تقام في كنائس البهنسا ؛وتاريخ تنظيم هذا الجدول يرجع لحوالي عامي ( 535- 536 م تقريبا ) وكان ذلك في زمن حبرية البابا تيموثاوس الثالث ( 518- 536 م )  . وتعلق العالمة هيلجا ديل علي أهمية وجود مثل هذا  الجدول في هذا الزمن  بقولها " أن الأقباط هم أول من قام بعمل جدول لتنظيم مواعيد إقامة القداسات وهو يدل علي مدي دقة ونظام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في إداء أعمالها الإدارية وهو ما أنعكس إيجابيا علي الشعب القبطي الذي إشتهر بمهارته ودقته وحبه للعمل والإنتاج  ...... كذلك يلاحظ أن القداسات كانت تقام كل أيام الأسبوع تقريبا" ( لمزيد من التفصيل راجع الكتاب المذكور :- الصفحات من 78- 100 ) .

وعن أهمية لحن البهنسا ؛ يذكر عنه  جناب الأب متي المسكين ( 1919- 2006 ) في كتابه البالغ الأهمية "التسبحة اليومية ومزامير السواعي " أنه لحن من القرن الثاني الميلادي ..... ؛ ولقد أعتبر هذ اللحن أقدم لحن مسيحي في العالم مدون علي نوتة !!!! وقد نقلها علي النوتة الحديثة العالم الموسيقي P. Wagner . أما ترجمة اللحن بالعربية فهي كالتالي :-

] كل خلائق الله العظيمة ؛ لا يمكن أن تقف صامتة ؛ ولا النجوم الحاملة للأنوار يمكن أيضا ان تتواري ؛ كل الأمواج التي تعج بها الأنهار تسبح الآب والأبن والروح القدس ؛وكافة القوات تشترك معها آمين آمين  ...... الحكم والسبح والتمجيد للواحد الواهب كل صلاح آمين آمين { . وواضح أن هذا اللحن مأخوذ من مزمور 93 : 3 ؛4 مز 148 :4 الذي يذكر فيه أن المياه تسبح الله ؛ ومن مز 19 : 1 ؛ 2 الذي فيه يذكر أن السماء والنجوم تسبح الله .
كما يلاحظ أن الذكصولجية الأخيرة أرثوذكسية بكل معني الكلمة ؛ أما تكرار "آمين آمين " مرتين فقط فهو طقس ذكصولوجية المزامير الأصلي ......

ويضيف الأب متي المسكين معلومة بالغة الأهميةعن أهمية وأصالة هذا اللحن القبطي ؛ حيث يذكر أن بعض العلماء قد حاولوا مع الأسف الشديد ونسبوه للألحان اليونانية زورا  ؛ ربما بسبب  أنه مدون باللغة اليونانية . ولكن معروف أن آباء مصر العلماء كتبوا وألفوا منذ القرن الثاني حتي القرن الخامس باللغة اليونانية . والذي ينفي يونانية هذا اللحن نفيا قاطعا هو توقيعه علي النوتة ؛ إذ يظهر منها بمنتهي الوضوح خروجه عن الأصول الموسيقية اليونانية الأولي في توقيع الألحان ؛ فبينما توقيع الصوت في الأصول اليونانية يلتزم بنغمة واحدة One Tone ؛ أي بعد موسيقي واحد لكل مقطع  لفظي ؛ نجد أن هذه القاعدة المكسورة نهائيا في "لحن البهنسا " وبالأخص في "آمين آمين "الأخيرة ؛ ومن هنا نري أن هذا اللحن ليس يونانيا موطنا فالعنصر القبطي متأصل فيه بالرغم من اللغة اليونانية المدون بها  ..... ويختتم الأب  متي المسكين هذه الفقرة بهذه العبارة البالغة الأهمية " وهكذا نستخلص حقيقة بالغة الأهمية ؛ وهي أن توقيع الألحان الكنسية علي النوتة كان أسبق الكنائس إليه هم الأقباط ؛ وبالتالي فالألحان القبطية ألحان فنية دقيقة مما يثبت رسوخها في الكنسية منذ هذا العصر السحيق أي القرن الثاني ( لمزيد من التفصيل راجع الكتاب المذكور :- الصفحات 95 – 97  ) .

كما تذكر العالمة هيلجا ديل في كتابها الرائع " أوكسرنيخوس تاريخ مدينة عظيمة" عن ألحان  أوكسيرنخوس ؛ أنه تم العثور علي ثلاثة عشرمخطوطة عبارة عن نوت موسيقية منها هذا اللحن الذي تم اكتشافه عام 1920 ؛والذي تقول كلماته " ولا حتي واحدة فقط من أعمال الله الرائعة يجب أن تبقي صامتة لا في الليلولا في النهار النجوم الساطعة ؛الجبال الشامخة ؛أعماق البحار ؛ ينابيع نهر متدافع ؛ كل هؤلاء معا يبدعون ترنيمة واحدة ؛ترنم معنا للآب والأبن والروح القدس وجميع الملائكة في السماء يردون آمين آمين آمين " . وتذكر العالمة أسماء حوالي تسع برديات موسيقيةتم اكتشافها في مدينة  ؛ مسجلة بأرقامها في المكتبة الوطنية بفينا ( يمكنكم الإطلاع علي القائمة الكاملة لهذه العنواين في الكتاب السابق ذكره ؛ الصفحات من 121- 123 ) .
ويبقي في النهاية حلم وأمل ؛ هو تبني هيئاتنا ومؤسساتنا القبطية المختلفة ( وآخرها المكتبة البابوية المركزية  التي قام قداسة البابا تاوضروس بافتتاحها في 19 نوفمبر 2019 بدير الانبا بيشوي العامر وادي النطرون) ؛ بتبني  حملة قوية لنشر وتحقيق وترجمة ودراسة مثل هذه الاكتشافات البالغة الأهمية نشر علمي محقق ( وفي نفس الوقت مبسط ) ؛ كذلك أيضا العمل علي تعريف الشباب  المصري والقبطي بحياة وجهود مثل هؤلاء  العلماء العظام سواء المصريين أو الأجانب .  

بعض مراجع ومصادر المقالة :_
1- هلجا ديل ؛ ناصر البردونوهي :_ أوكسيرنخوس (البهنسا ) تاريخ مدينة عظيمة ؛ سلسلة عالم الأقباط ؛ إيبارشية النمسا للأقباط الأرثوذكس ؛ نسخة PDF .

2-  الأب متي المسكين :- التسبحة اليومية ومزامير السواعي ؛ دراسات في التقليد الكنسي – الكتاب الرابع ؛ دير القديس أبو مقار – برية شيهيت ؛ الطبعة الثانية ؛ 1979 ؛ الصفحات من 95- 97 .

3-  Bernard Pyne Grenfell – Wikipedia
4- Biography of Bernard Pyne Grenfell – Grenfell Family History  
5- Bernard Pyne Grenfell ; British Egyptologist (1869- 1926) – Biography …
6- Bernard Pyne Grenfell – J .G .Mine ,1926 SAGE Journals
7- Professor Bernard Pyne Grenfell /The British Academy
8- Bernard Pyne Grenfell – Person – National Portrait Gallery
9- Grenfell ,Bernard P .1869- 1926 (Bernard Pyne ) [World Cat Idenenties]
10- برديات البهنسا القديمة – رابطة أبناء ابو جمعة بمصر ؛14 يونية 2015 ؛ موقع علي شبكة الأنترنت .