بقلم:  فيفيان سمير
أنهكها السير لساعات طويلة، دون هدف، وهي لا تكاد ترى الطريق، الذي تفصلها عنه سحابة كثيفة من الحزن، تمطر بغزارة فتحجب عنها حتى خطواتها، رأسها تعصف به أفكار كثيرة متضاربة، مبتورة ومشوهة، لا تستطيع تبين ملامح أيا منها، وكأنها غرفة اقتحمتها الرياح وأطاحت بكل ما بداخلها. 
 
أوقفت تاكسي واعطته عنوان منزل ابيها، الذي تعلم جيدا انه سندها وحصنها في وجه الاعاصير، فهي ابنته الوحيدة والمدللة جدا لديه. جلست تحاول ترتيب افكارها المبعثرة، وتهدئة روحها النازفة على اعتاب حياتها المحطمة، وايجاد سبب منطقي لما حدث، واوصلها الى هذا الوضع المهين المذرى. 
 
كانت ملكة متوجة على عرش الحياة، تنطلق كطفلة مرحة بين زميلاتها وزملائها، لا تحمل هما، فهي الأبنة الوحيدة لأب ميسور الحال، يعشقها ويوفر لها حياة مترفة، فلا تفارق الابتسامة وجهها المشرق، المفعم بحب الحياة، وردة تنثر عطرها على كل من حولها، لفتت انتباه كل زملائها، الكثيرين منهم أحبها وتمناها، أما هي فخفق قلبها لأكثرهم تقربا إليها وعزفا على أوتار قلبها البكر، رغم أنه أقلهم شأنا، فزاد جمالها وتوهجها الى ان أكملوا دراستهم وتخرجوا. 
 
ولأنها تعرف جيدا ان والدها لن يرفض لها طلبا، شجعته أن يتقدم لها حتى قبل أن يجد عملا، وبالفعل وافق والدها، وساعده في عمل مشروع صغير يكون شركة بينه وبين ابنته، قال ضاحكا "هذا هو مولودكما البكر فارعياه وأحسنا تربيته". تم الزواج في وقت قصير جدا، وعاشت حلمها الجميل الذي سرعان ما بدأ يتسرب من بين يديها. 
 
تغير الحبيب الى رجل أعمال، كل همه رعاية مشروعه والتوسع فيه، ذابت وتبخرت كل مشاعر الحب وكلماته الحلوة، أصبحت هي الممول فقط، في كل مرة يحتاج لنقود لتحقيق أطماعه، حتى اللحظات الرومانسية بينهم شوهها بالحديث عن تفاصيل العمل وتوقيع الأوراق. أستدرجها لتوقيع توكيل عام بحجة انه يريد ان يكون معها كاملا في البيت، بعيدا عن مشاكل العمل، هكذا قال لها، ولكن ما حدث هو كأنها وقعت عقد بيع ما تبقى من حياتها معه. 
 
زاد غيابه خارج البيت، وحتى الوقت الذي كانا يقضيانه في العمل لم يعد له وجود، زادت عصبيته وانفعاله لأتفه الأسباب وبدون أسباب، واجهته بأن زواجهما يتحطم، وحبهما في خطر، فتعلل بأنه لا يريد ان يخذل والدها، الذي وثق فيه، وذكرها بكلماته ان هذا المشروع ابنهم البكر فكانت تصمت. 
 
عقلها يرفض تقبل الحقيقة الماثلة امامها بوجه شيطان، يحدق في عينيها بلا خجل، لم تكن هي هدفه من البداية، إنها اطماعه في ثروة ابيها، القلب يضلل العقل ويغيبه، ما هي الا دمية، يحركها كما يشاء، لتؤدي دورها على مسرح حياته كما كتبه لها. 
 
اليوم قررت ان تقول له اريدك انت وليس سواك، الحب الذي جمع بيننا هو مولودنا البكر الأولى بالرعاية، خاصة وقد أستقر المشروع وكبر ولم يعد يحتاج لكل هذا الاهتمام، نظر اليها في برود، وكلماته تغتالها كطلقات رصاص "الم تدركي بعد ان مولودنا الأول هذا كان في الاصل مشوها، مولودا بلا حياة، اما مولودنا الثاني، ففي حضانتي منذ زمن بعيد، والان وقد عرفتي الحقيقة، فقد قررت اعفائك من خدمتي، وانهاء عقدك لدى كزوجة، المنصب سيذهب لمن هي أجدر منك قريبا".