بقلم فاروق عطية
الخديوي عباس حلمي الثاني:
هو إبن محمد توفيق بن اسماعيل (14 يوليو 1874- 19 ديسمبر1944م)، أكبر أولاد الخديوي توفيق ووريثه علي عرش مصر. حكم كخديوي مصر من 18 يناير 1882م-إلي عزله 19 ديسمبر 1914م، وهو سابع من حكم مصر من أسرة محمد علي باشا، وآخر خديوي لمصر والسودان، أمه أمينة هانم إلهامي حفيدة السلطان العثماني عبد المجيد الأول.
 
   ولد في 14 يوليو 1874م بمدينة الإسكندرية في سراي رفم 3 بالإسكندرية "والذي شغلته فيما بعد كلية الآداب جامعة الإسكندرية لعدة سنوات"، والتحق في يناير 1881م بالمدرسة العلية التي كان أبوه قد أنشأها في عابدين، وفي سنة 1884م التحق وأخوه بمدرسة هكسوس بسويسرا، ثم انتقلا سنة 1888م إلى مدرسة ترزيانوم بالنمسا لدراسة العلوم السياسية والعسكرية، ولدي بلوغه الثامنة عشرة مُنح رتبة الباشوية كونه وليا للعهد، وفي يوم الجمعة 8 يناير 1892م وردت إليه برقية في مدينة فيننا من رئيس مجلس النظار تبلغه بوفاة أبيه في 7 يناير، استعد للعودة إلى مصر، فوضح الامبراطور جوزيف إحدى سفن النمسا تحت تصرفه. وفي اليوم التالي وصلت إلى رئيس مجلس النظار المصري برقية من الصدر الأعظم بتولية عباس حلمي باشا خديوية مصر، وفقًا لفرمان وراثة الخديوية المصرية كونه أكبر أبناء الخديوي توفيق المتوفي، وكلّف الصدر الأعظم رئيس مجلس النظارـ بالاشتراك مع هيئة نظّاره ـ بإدارة شؤون البلاد لحين وصوله.    
 
  وصل عباس حلمي إلى الإسكندرية صباح السبت 16 يناير، توجه فورا بالقطار إلى القاهرة فوصلها في الثانية بعد ظهر اليوم ذاته. ولتوثيق عرى الصداقة بينه وبين السلطان سارع بمجرد وصوله إلى مصر بإرسال برقية شكر إلى السلطان العثماني متضمنة الدعاء بحفظ الخليفة الأعظم. كان لم يبلغ سن الرشد (18 سنه) بالتقويم الميلادي حصلت أزمة واتفق رجال الدين والسياسة على تطبيق التقويم الهجري وأعلنوا أنه أكمل 18 سنة هجرية في 14 يوليو 1892م، وفي 18 يناير تولى عباس حلمي شؤون منصبه رسميًا.
   إضطلع الخديوي عباس حين وصوله مصر بمهام منصبه انتظاراً لوصول الفرمان الشاهاني بتولية حكم مصر، إذ كان لابد من أن يرسل السلطان العثماني فرماناً شاهانياً مراعاة للشكل في تعيين الخديوي عباس وتأكيداً لتوليه العرش. لم تسارع الدولة العثمانية بارسال الفرمان، لأنها حاولت فيه اقتطاع جزء أصيل من مصر (شبه جزيرة سيناء) الممنوحة لمحمد علي باشا بموجب الفرمان الصادر 1841م بعد معاهدة لندن والتي تعدّ من أملاك مصر الممتازة، وأصبحت طريقاً مستمراً للحجاج المسلمين الذين يقصدون مكة.
وصل فرمان التنصيب في 14 ابريل 1892م، وكان الفرمان مطابقاً لفرمان 17 أغسطس 1879م الصادر لوالده الخديوي توفيق فيما عدا نقطة واحدة وهي انتزاع جنوب شبه جزيرة سيناء بما في ذلك  خليج العقبة والطور التي كانت قد ضمت إلى الادارة المصرية في عهد الخديوي إسماعيل وبهذا تصبح حدود مصر ممتدة من العريش إلى السويس. 
 
 اجتمع الخديوي مع قنصلي فرنسا وروسيا، وأجمعوا على إرسال برقية استرحام للسلطان طالبوا فيها ببقاء شبه جزيرة سيناء تحت ادارة مصر كما كانت من قبل، ومن ثم أرسل قنصلا كل من فرنسا وروسيا إلى سفيرهما في الأستانة للسعي لدى السلطان بحسم هذه المشكلة وتلبية مطالب مصر. في النهاية ونتيجة للضغط من جانب بريطانيا تجاه الأزمة والاصرار بشأن الحفاظ على الحقوق الممنوحة لمصر اضطر السلطان العثماني في النهاية إلى تلبية مطالب مصر في هذا الشأن، ومن ثم استطاعت بريطانيا حرمان الدولة العثمانية من فرض سيادتها على مصر.
 
   بدأ عباس حلمي الثاني حكمه كحاكم وطني يناهض وجود مصر تحت الاحتلال البريطانى، وقرر أن لا يتبع سياسة ابيه فى تعامله مع الإنجليز، وبعد سنة من توليه أقال وزارة مصطفى فهمى باشا الموالية للإنجليز فحصلت أزمه بينه وبينهم وتحدى اللورد كرومر المندوب السامي بمصر، فأدى ذلك إلى زيادة شعبيته. عندما ذهب لصلاة الجمعة في مسجد الحسين في 11 يناير 1893م دوت الهتافات بحياته وارتفع صوت الدعاء له وعبّر الجميع عن حبهم له. وأرسل لورد كرومر لوزارة الخارجية بانجلترا بأن الخديوي في حوار معه قال له إن إنجلترا وعدت بترك مصر وشرفها مقيد بهذا الوعد وظهر هذا في تصاريح الوزراء في مجلس النواب.
 
سافر الخديوي للأستانة ليشكر السلطان عبد الحميد الثاني على الثقة التي أولاها له ولينال تأيدة على خطوات العودة المصرية لحضن الخلافة، وقد ذكر الخديوي في مذكراته أن السلطان عبد الحميد الثاني قد شجعه على معارضة انجلترا. وعندما عاد الخديوي واصل سياسة التحدى للاحتلال، وبإيعاز منه قررت لجنة مجلس شورى القوانين رفض زيادة الاعتماد المخصص للجيش البريطاني وتخفيض ضرائب الأطيان وتعميم التعليم، فاتهمه الإنجليز بأنه نسق مع نظارة مصطفى رياض باشا ولجنة المجلس، ولهذا اضطرت نظارة مصطفى رياض باشا للرضوخ لرغبة الإنجليز وزيادة الاعتمادات.   
   علي الرغم الهزيمة في المعركة السياسية، سرعان ما قرر خوض معركة جديدة، ففي 15 يناير 1894م زار أسوان ودعا 33 ضابطا لتناول الطعام معه، ثم أبدى للقائد الإنجليزي هربرت كتشنر بعض الملاحظات حول عدم كفاءة الجيش البريطاني، ولكن كتشنر لم يقبل هذه الملاحظات واعتبرها إهانة وأبلغ المندوب السامي لورد كرومر الذي بدوره أبلغ انجلترا فثارت ضجة هناك، وقالت الصحف إن الخديوي يعاملنا معاملة الأعداء وهددت بخلعه. وطلب لورد كرومر منه أن يصدر أمرا عسكريا يثني فيه على الجيش البريطاني فاضطر للإزعان في 21 يناير 1894م. وإمعانًا في إذلاله طلبوا منه تغيير النظارة الحالية بأخرى. 
 
 وكنتيجة للشعور الوطني لدى الشعب اشتبك الأهالي مع بعض البحّارة الإنجليز فطلب لورد كرومر منه تشكيل محكمة خاصة، وأنشأت المحكمة وأصدرت أحكامها علي المعتدين بأحكام تترواح بين الحبس 3 إلى 8 شهور. ومع توالي الهزائم اضطر لإيقاف الصدام مع الإنجليز مؤقتًا والتحول لميدان آخر، وهو إصلاح الأزهر وتنصيب شيخ جديد له وإرسال كسوة الكعبة كما إن الحظ وقف معه باستقالة نوبار باشا لظروفه الصحية. وفي 19 سبتمبر1897م عاد الصدام حيث اشتبك الأهالي في قليوب مع فصيلة انحليزية فحاصر الإنجليز البلدة.
 
طالب الإنجليز من مصر إعادة فتح السودان بأموال مصرية وجنود مصريين، ومع هذا استولى الإنجليز عليها مما زاد من كراهية المصريين لهم، خاصة مع ظهور مصطفي كامل ومقالاته علي صحيفة اللواء ودعوته لوحدة مصر مع دولة الخلافة.       حاول الانجليز دق أسفين بين مصر والدولة العثمانية، وفكروا في إقالة قاضي القضاة العثماني وتعيين قاضي مصري، فصرّح الخديوي أن تعيين قاضي شرعي ليس من سلطته ولكن من سلطة الخليفة الأعظم، وفي لقائه مع اللورد كرومر تمكّن الخديوي عباس من فرض وجهة نظره ليحقق انتصارا سياسيا بعد عدة هزائم.  
 
 وفي 1904م وقع اتفاق ودي بين انجلترا وفرنسا تطلق بمقتضاه انجليرا يد فرنسا على مراكش وتطلق فرنسا يد انجلترا على مصر، وبذلك خسرت مصر المواقف الفرنسية الداعمة لمصر ضد الإنجليز.
 
  في عام 1906م وقعت حادثة دنشواي، وعقدت محاكمة للأهالي وصدر ضدهم أحكام قاسية، وسافر مصطفى كامل لإنجلترا وشرح المأساة ونجح في خلق رأي عام ضد سياسة لورد كرومر في مصر، واستجابت الحكومة البريطانية ومجلس النواب، وهاجم الأديب الإيرلندي برنارد شو الإحتلال، فأعفي لورد كرومر من منصبه في 12 أبريل 1907م. وفي حفل وداعه أثني كرومر على الخديوي توفيق وعلي نوبار باشا متجاهلا الخديوي عباس الثاني، ومعلنا أن الاحتلال البريطاني سيدوم في تحد للخديوي وللمصريين. 
 
وقعت في عهده الأحداث التالية:
كان له دور مهم في إنشاء الجامعة المصرية، وفي ديسمبر 1908م أعلن إفتتاح الجامعة. كما صدرت في  عهده صحف "اللواء والعلم والشعب والأهالي والجريدة"، وإفتتح نادي المدارس العليا تجمعا للطلاب الوطنيين. أصدر قرار بالعفو عن 9 من المسجونين في حادث دنشواي. وقع المرسوم الخاص بإلغاء السخرة، صاحب فكرة بناء سد أسوان حيث بدء العمل فيه ووضع حجر الأساس 1902م. افتتح كوبري إمبابة في 5 مايو 1892م. أنشأ البنك الأهلي المصري ومنحه حق إصدار النقد المصري. انتقال مقر جريدة الأهرام من الإسكندرية للقاهرة. صدر العفو عن أحمد عرابي ورفاقه وعودتهم من منفاهم بسيلان. في 1908م توفي مصطفي كامل وانتخب محمد فريد زعيما للحزب الوطني وكان ويصا واصف عضو اللجنة العليا للحزب. في 12 نوفمبر 1908م عين بطرس غالي باشا رئيساً لوزراء مصر "كان يتولي وزارة الخارجية في الوزارات السابقة"، وكان سعد زغلول وزيرا للمعارف في هذه الحكومة، وفي نفس السنة أصبحت جلسات مجلس الشورى علنية بعد ان  كانت سرّية، وكان من حق الأعضاء استجواب أي وزير عن أعماله وأخطائه. في 20 فبراير أطلق ابراهيم الورداني النار على بطرس غالي وهو خارج من البرلمان، فأرداه قتيلاً وطافت الأهالي بشوارع القاهرة يهتفون "مبروك عليك ياورداني ياللى قتلت النصراني. كان يكره الشيخ محمد عبده وكان يسميه "عدو الله وعدو النبي" ولم يحزن لوفاته ووبخ شفيق باشا لأنه سار فى جنازته.
 
في عام 1908م أرسل وفد يطلب من وزارة الخارجية البريطانية منح مصر الحق في حكومة نيابية ذات سلطات معينة. وفي محاولة لإعادة سياسة الصدام وبإيعاز منه رفض البرلمان والحكومة مد امتياز قناة السويس على أساس إن هناك غبن وقع على مصر مقدارة 130 مليون جنية ولكنه في النهاية وافق مضطرا لمد امتياز القناة لأربعين عاما إضافية من 1968 لـ 2008م.
 
   وفي 27 ديسمبر 1911م وصل المندوب السامي الجديد هربرت كتشنر وحاول إجراء إصلاح محدود، فضم مجلس الشورى مع الجمعية العمومية في هيئة واحدة تسمى الجمعية التشريعية، وفي 22 يناير 1914م قام الخديوي بإصدار قرار بإنشاء الجمعية الجديدة وتعيين سعد زغلول رئيسا لها.
   وصل إليه إن هناك رشوة للنظار وإفسادهم ضد ولي الأمر، فقال له هربرت كتشنر إن رغبت في تغيير النظارة فلن نرضى إلا أن تكون تحت رئاسة مصطفى فهمي باشا، وتم ذلك وطلب من الخديوي القضاء على الرشوة. وإمعانا في إذلاله طلب هربرت كتشنر بتغيير مصطفى فهمي باشا وتعيين حسين رشدي باشا. 
 
 وفي 24 مايو 1914م استقل اليخت المحروسة في رحلة للخارج، وكان هذا آخر عهده في مصر، وكان آخر ما فعله توقيع أمرين بتنقلات وترقيات لرجال القضاء الأهلي ووضع سلطاته لرئيس الوزراء. أقام بعد مغادرته مصر في فرنسا متنكرا، ثم غادرها إلى تركيا. في 25 يوليو 1914م بينما كان خارجا من لدن الباب العالي قام شاب مصري يدعي محمود مظهر "بتحريض من عبد العزيز جاويش" باطلاق الرصاص عليه محاولا اغتياله ولكنه استطاع دفع المعتدي بعيدا وأصيب بإصابات طفيفة.
 
تسبب هذا الحادث في تأخير عودته لمصر في الوقت الذي نشبت فيه الحرب العالمية الأولي ولم يعد السفر عبر البحار مأمونا، وطلب السفير الإنجليزي في تركيا من الخديوي العودة إلى مصر، إلا إنه تردد فطلب منه أن يرحل إلى إيطاليا إلى أن تسمح الظروف بالعودة إلى مصر إلا إنه رفض، وكانت الحرب حتى ذلك الوقت بين انجلترا وألمانيا. كانت انجلترا تعلم أن هناك عداء تركي للإنجليز جعلهم يتشككون في نواياه، فطلبوا منه عدم العودة إلى مصر. 
 
 كانت جميع الجهات في بريطانيا عدا الخارجية تطالب بخلعه، وفي 19 ديسمبر 1914م صدر القرار بعزله وجاء في القرار: يعلن وزير خارجية جلالة ملك بريطانيا العظمى أنه بالنظر لإقدام سمو عباس حلمي باشا خديوي مصر الانضمام لأعداء جلالة الملك رأت حكومة جلالته خلعه من منصب الخديوي. بعد خلعه نصّبوا عمه حسين كامل باشا سلطانًا على مصر بدلا من أن يكون خديوي، وفرضوا الحماية على مصر رسميا. توفي عباس حلمي الثاني في جنيف 1944م.