كتب – روماني صبري 
 
تواصل الكنيسة الكاثوليكية بمصر، تسليط الضوء على أعلام الفكر الديني المسيحي، وتحدثت اليوم الخميس عن أراتور شاعر میلاني الأصل، ولد في مقاطعة ليغورية بإيطاليا نحو سنة 490.
 
وبحسب المكتب الإعلامي للكنيسة، توفي اراتور في أوريوندو، من أعمال ليغورية، حوالی سنة 556، يبدو أنه تيتم باكراً، فتعهد تربيته لورنسيوس ليتا الذي صار فيما بعد أسقفاً على ميلانو. وفي هذه المدينة باشر دروسه الأولى، وتعرف على أنوديوس أسقف بافيا لاحقًا، وظلا على تواصل عبر المراسلة. 
 
ثم ارتحل إلى رافنا حوالي سنة 513 لدراسة الحقوق ، وتوطدت عرى الصداقة بينه وبين برثانیوس ، وانفتحت أمامه آفاق أدبية وشعرية واسعة ، فقرأ صيدونيوس أبوليناريوس ( + 480) و بریدونسيوس (+ 405) وغيرهم . وعمل في المحاماة ، فشارك حوالي سنة 526 في بعثة إلى ثيودوریکس ملك القوط ، الذي أعجب بفصاحته فاستدعاه إلى البلاط وأسند إليه وظيفة رسمية فأصبح كاتم أسراره الخاص . 
 
بيد أن الاضطرابات الداخلية، والحروب المتتابعة على مملكة القوط الشرقيين، وما نتج عن ذلك من فساد أخلاق وسوء تصرف ، كلها أثرت فيه فاعتزل الحياة الدنيوية والتحق بالسلك الإكليريكي، وإذ عاد إلى رومة في منتصف القرن السادس رسمه البابا فيجيليوس ( 537-555 ) شماساً قارئاً ، وكلفه نظم وقراءة قصيدة طويلة جدا (2326بیتاً ) بعنوان في أعمال الرسل في 13 نيسان 544 ، والتي دام إلقاؤها أربعة أيام ، لأن السامعين غالبًا ما كانوا يطالبون بتكرار الأبيات والمقاطع .
 
 وتتألف هذه الملحمة من قسمين : الأول بعنوان بطرس وفيه1076 بيتاً علي الوزن السداسي، والثاني بعنوان بولس ، وفيه 1250 بيتًا ، ويسبق كل قسم مقدمة . أما المقدمة الأولى فرفعها إلى العالم فلوریانس، وليس فيها ما يستحق الذكر؛ وأما الثانية ، وقد رفعها إلى البابا فيجيليوس، وهي جزيلة الأهمية لما فيها من معلومات عن سيرة الشاعر، وسبب اهتدائه إلى الحياة الدينية، وغايته من نظم الملحمة . فهو لا يرمي إلى ترجمة سفر أعمال الرسل ترجمة دقيقة بالشعر اللاتيني، بال إلى مجاراته وشرحه شرحًا مجازيًا وروحانیا بعض الأحيان. 
 
كما أن قصيدته لا تغني القارىء عن سفر اعمال الرسل نفسه، بل تفرض عليه معرفته. ويقلد أراتور أسلوبه القدامي من شعراء الملاحم يونانيين ولاتينيين. بيد أن فيه مقاطع رفيعة، سامية الروحانية، دقيقة السبك ، أنيقة الإخراج، وهذا ما وفر له تلك الشهرة الواسعة طوال القرون الوسطى، حيث أدخلت أكثر مقاطعه في جميع الكتب المدرسية، كما قيل فيه إنه يختتم بجدراة عهد الشعر اللاتيني المسيحي القديم. وقد وصلتنا منه أيضاً رسالة إلى برثانیوس في مئة وبيتين ، كان قد وجهها إلى أحد رفاقه ما في مدرسة ميلانو ، وهو برئانیوس ابن أخي الأسقف أنوديوس، والذي صار بدوره من كبار الموظفين في الدولة ، ويرسل له معها ملحمته في أعمال الرسل ، قائلاً إنه قبل أن يباشر نظم الشعر الديني تمرن بنظم الشعر الدنيوي.