د.ماجد عزت إسرائيل

 على الرغم من أن المجتمع العبري قديماً لم يكن بها كلمة مرادفة تمامًا للضمير، فإن علم اللاهوت العبري قد تعامل جيدًا مع مفاهيم الإرادة والنية والواجب الأخلاقي والمسئولية أمام إله يغرس الوصايا والتعاليم في قلب المؤمن حيث ذكر الكتاب المقدس قائلاً:"بَلِ الْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ جِدًّا، فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ لِتَعْمَلَ بِهَا" (سفر التثنية30: 14)، وأيضًا" بَلْ هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا" (سفر إرميا 31: 33). وحاليَا تقترب اللغة العبرية من تحديد مصطلح الضمير والذي يعنى معرفة الذات، أو معرفة الذات عن طريق الذات. أما مرادفات الضمير في البوذية والهندوسية فتقترب أكثر مما تطلِق عليه اللغة الإنجليزية المعاصرة « الوعي » أكثر مما تقترب من الضمير. 
 
  وعلى الرغم من أن هذه المفاهيم لها أصول منفصلة عن أصول الضمير، فإن تلك المفاهيم مثل الوصية الإلهية بالرقابة الذاتية الأخلاقية وتوطين قوة أخلاقية في الجسد كانت جزءًا لا يتجزأ من تشكيل الضمير المسيحي، فضلًا عن أنها خدمت هذا الضمير كتأثير محسِّن وقضية غائبة. وأصبحت الوصايا العشر؛ وهي ما نطق به الله في سيناء. وكتبت على لوحي حجر(خر31:18)،هي ميزان للضمير الإنساني والتي نصها: «أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ.لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ،اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَزْنِ. لاَ تَسْرِقْ .لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ. لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ عَبْدَهُ، وَلاَ أَمَتَهُ، وَلاَ ثَوْرَهُ، وَلاَ حِمَارَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ».( سفر الخروج 20).
 
   وفي الكتاب المقدس يُسمَّى الضمير ”القلب“؛ ففي العظة على الجبل شبَّه الرب يسوع الضمير بالعين، لأن الإنسان يُقيِّم بها حالته الأخلاقية، إذ قال: « "سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَمَتَى كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَمَتَى كَانَتْ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ يَكُونُ مُظْلِمًا." (لو 11: 34) ». كما أنه شبَّه الضمير بالندِّ الذي به يجب على الإنسان أن يعود إلى صوابه قبل أن يتواجد أمام دينونة الله: « "كُنْ مُرَاضِيًا لِخَصْمِكَ سَرِيعًا مَا دُمْتَ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ، لِئَلاَّ يُسَلِّمَكَ الْخَصْمُ إِلَى الْقَاضِي، وَيُسَلِّمَكَ الْقَاضِي إِلَى الشُّرَطِيِّ، فَتُلْقَى فِي السِّجْنِ." (مت 5: 25) ». فكلمة ”خصم“ تؤكِّد على موقف الضمير، وهو أنه يُقاوم رغباتنا ومقاصدنا الشريرة.
 
  على أية حال، لقد قيل عن الضمير إنّه صوت الله يرنّ في أعماق القلب، وإنّه النّجم الهادي في ظلمات الحياة إلى درب الصّلاح، وإنّه الدفّة التي تسيِّر مركب الإنسان في بحر متلاطم الأمواج، حتّى تبلغ به شاطئ الأمان، إنّه العين السّاهرة التي تنفذ إلى أعماق المرء، لتشهد له أو عليه بعد كلّ عمل. أمّا الضمير في الحقيقة فهو تلك الشريعة التي كتبها الله في قلب الإنسان عندما كوَّنَه.  ولآباء الكنيسة رؤية في تفسير مصطلح الضمير تجدها في هذه الآية "حَيْثُ دُودُهُمْ لاَ يَمُوتُ وَالنَّارُ لاَ تُطْفَأُ." (مر 9: 44)، أنَّ هذا الدود هو الضمير الموبِّخ الذي يظل يُبكِّت الخطاة في عذاب الحياة المزمعة. ويصف الشاعر الروسي ”بوشكين“ هذا العذاب قائلاً عن الضمير: ”إنه ضيفٌ غير مدعوٍّ، مُخاطِبٌ مزعج، دائنٌ عنيف“!
 
  والخلاصة أن كلمة ضمير في الكتاب المقدس تعني حرفيا «معرفة المرء نفسه». أي أن الضمير‏ هو مجموعة من المبادئ الأخلاقية التي تسيطر أو تتحكم في أعمال الشخص وأفكاره، وهو يشمل الإحساس الداخلي بكل ما هو صحيح أو خاطئ في سلوك الشخص أو دوافعه، وهو ما يدفعه للقيام بالعمل الصّحيح، وهو إحساس أخلاقي داخلي عند الإنسان، تُبنى عليه تصرفاته، ويحدد الضمير درجة نزاهة وأمانة الإنسان، وشعوره بالسلام الداخلي نتيجة نقاء ضميره.