د. مينا ملاك عازر

عفوا عزيزي القارئ، ربما أزعجك بالحديث عما تكرر الحديث عنه، وهو مجمع الحديد والصلب، لكن يبدو أنه من الضروري أن نرى الأمور بزوايا مختلفة، وهنا دائما في تلك الزاوية نلتقي لنراها بغير ما يريدوننا أن نراها فهيا بنا.
 
تأسست شركة الحديد والصلب المصرية كشركة مساهمة مصرية عام 1954 في التبين، وهي تابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية في مقر المجمع المتكامل الذى يقع بمدينة التبين بحلوان, لا داعي أن أذكر سيادتك أن المجمع المتكامل هذا المؤسس عام 1954 يحيا بين جنباته آلاف الموظفين. 
 
ولنبدأ الحكاية التاريخية من عام 1932، حين كان إنشاء المجمع مجرد فكرة خاصة بعد توليد الكهرباء من خزان أسوان إلى أن اتخذ القرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في الرابع عشر من يونيو من عام 1954 ليكون أول مجمع متكامل في هذه الصناعة بالعالم العربي كافة، وكان رأسماله 21 مليون جنيه مصري وقت أن كان الجنيه المصري له قيمة قبل أن ينهار وينهار وينهار ليصل لما وصلنا إليه الآن للأسف. 
 
المهم تم الاكتتاب الشعبي بقيمة اسمية للسهم جنيهين، وقيمة مصاريف الإصدار يضاف إليهما بواقع خمسين مليم، وفي الذكرى الثالثة لثورة يوليو قام ناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة بوضع حجر الأساس للمجمع على مساحة ألفين وخمسمئة فدان، تشمل المصانع والمساكن ومسجد- ولم تكن هناك كنيسة كما يفعل الرئيس السيسي الآن في كل مجمع سكني تشيده الدولة- وذلك بعد توقيع العقد مع شركة ديماج دي سبرج وهي شركة ألمانية تقع بألمانيا الشرقية وقتذاك، وأخذت الشركة في إنشاء المصانع وتقديم الخبرات الفنية اللازمة وبالرغم من ظروف العدوان الثلاثي سار العمل بهمة ونشاط في بناء المصنع، ولقى المشروع الوليد معاونة صادقة من كل أجهزة الدولة مثل مصلحة الطرق والمرور وسلاح الحدود الذين تضافرت جهودهم لتيسير عمليات النقل، ففي نفس التوقيت تم تشغيل ميناء الدخيلة لتوريد الفحم اللازم لتشغيل الأفران، وكذلك خط سكك حديدية من الميناء تصل إلى حلوان، وخط سكك حديدية آخر لتوصيل خام الحديد من الواحات إلى حلوان، ولم يأت شهر نوفمبر من عام 1957 حتى كانت الأفران الكهربائية الخاصة بصهر الحديد قد بدأت أعمالها بالفعل، وفي 27 يوليو 1958 افتتح عبد الناصر الشركة الوليدة لتبدأ الإنتاج في نفس العام باستخدام فرنين عاليين صُنعا بألمانيا، (وقد تمت زيادة السعة الإنتاجية للمجمع باستخدام فرن عالٍ ثالث صناعة روسية عام 1973، لحقه الفرن الرابع بغرض زيادة إنتاج الشركة من الصلب عام 1979)، ليضم المجمع بذلك أربعة أفران عالية.
 
دعونا أيها السادة أن نتوقف هنا لنلتقي المقال القادم -بإذن الله- مع مزيد من تفاصيل الإنتاج، ومن أين كان ينتج؟ ولماذا؟ وأشياء أخرى فانتظرونا.
المختصر المفيد لدينا من القصص التاريخية قديماً وحديثاً ما نفتخر به ونرويه لكن......