هاني صبري
أصبح مفهوم الحوار والصراع بين الحضارات والثقافات من المفاهيم والمواضيع الأكثر تداولا ويحتلان مكان الصدارة في اهتمامات العديد من المفكرين حول العالم، حيث نجد أنه هناك نوع من العلاقة الجدلية بين الصراع والحوار الحضاري، فكلما تراجع الحوار حله محله الصراع، وكلما تقدم الحوار تراجع الصراع. 
 
 
* تعريف صراع الحضارات بأنّه عبارة عن إطار تَحاوري بين عددٍ من الثقافات المختلفة فيما بينها، نظراً لسعي كلٍّ منها إلى فرض ذاتها وثقافتها على الأخرى، وبالتالي يُهيمن الصراع الرهيب والطغيان الإنساني على هذه الحضارات.
 
وبالتالي يمكن القول أن الصراع هو نزاع ناتج عن الاختلاف جراء تباين الرؤى والعقائد والأفكار والبرامج والمصالح بين مجموعتين أو أكثر.
 
حيث إن فكرة الحوار والصراع الحضاري والتي نشأت في البلدان العربية وبلدان العالم أجمع كانت بمثابة رد فعل علي مقولة " صدام الحضارات التي نشرها المفكر الأمريكي صمويل هنتنجتون الذي يعتمد في تفسيره على ( الصدام ) كتعبير عن لحظة الصراع الذي يجري وسيستمر في أرض الواقع، وكان البديل للرد علي هذه الفكرة هي الحوار الحضاري، فالحضارات تتحاور ولا تتصادم وهو السبيل إلى نظام عالمي جديد. 
 
وقد تبني هنتنجتون فكرة اعتبار الحضارة والثقافة العامل الجديد الذي سيتحكم في صيرورة العلاقات الدولية، وستكون الاختلافات الثقافية المحرك الرئيسي للنزاعات بين البشر في السنين القادمة، ويتحول العالم من صراع الأيديولوجيات إلي صراع الثقافات، وسيهيمن صدام الحضارات على السياسة العالمية، وستكون خطوط الصراع بين الحضارات خطوط المعركة في المستقبل.
 
في تقديري إن فكرة صراع الحضارات الذي تنبأ بها هنتنجتون في عام 1993، لن تستمر طويلاً وبها عوار فكري وواقعي لأنها تتصادم مع العلاقات الاقتصادية المعقدة والمتداخلة والمصالح، وبحكم الانفتاح الثقافي والفكري الواسع الذي نعيشه اليوم، في ظل الفضاءات المفتوحة نكون أقرب إلى تحقيق مقولة القرية الكونية الواحدة التي تواجه مصير واحد لمواجهة أي خطر يهدّد كوكب الارض ومن عليه.
 
أن صراع الحضارات يدعو للعودة إلى ”شريعة الذئاب“، حيث تتحول الدعوة إلى الانفتاح والعولمة إلى أيديولوجية صارمة يجب أن يخضع لها الجميع، وإلا فإن قانون الغاب سيتكفّل بالعقاب.
 
ففي الغالب أن القوي هو الذي يفرض ما يريد والحضارة القوية لا تحاور بل تهيمن، ولا تتأثر بغيرها بل تنتج مؤثرات على الغير، والحضارة الراكدة لا تحاور أيضاً، بل تستقبل كجهاز استقبال ليس إلا.
 
ربما يخفي الحديث عن ”حوار الحضارات “حقيقة ما تتعرض له معظم ثقافات العالم من انسحاق وتهديد بالتفكك والدمار نتيجة الانفتاح والعولمة ، ولكنه يوحي ولو شكلياً بتساوي الثقافات ونديتها، وهو بلا شكّ إيحاء غير صادق لا علاقة له بالواقع، بل إنه رد فعل وهمي على الشعور بالسيطرة الثقافية.
 
وهنا تجدر الإشارة إلى قضية مهمة للغاية، أننا لن نستطيع الحديث عن حوار ثقافي حضاري مع الآخر إذا لم نتمكن من إنجاز حوار ثقافي مع الداخل، أي داخل كل حضارة بمفردها، فعلاقات الحوار الداخلي التي تنطوي على التعددية وعلى الاعتراف بالآخر، واحترام الحقوق والحريات وأعمال المواطنة، هي التي يجب أن تكون المهيمنة على العلاقات الداخلية قبل الخارجية، وهي وحدها الكفيلة بتكوين ” ذات كلية “ أو جماعية، ولو نسبياً، يمكن بالاستناد إليها أن نتحول من الحوار في الداخل إلى قيادة الحوار أو الصراع مع الخارج بشكل ناجح ومثمر.
 
لذلك يجب الجميع تعميق الحوار الحضاري والبحث عن أبعاد جديدة في عالم منقسم على نفسه لا يكون إلاّ بالتفاعل الثقافي بدلاً من الهيمنة التي تضع في حسابها إسقاط وإلغاء كل الهويّات الأخرى، وكما يجب العمل علي تحقيق التعايش المشترك بعيداً عن الصراعات والانقسامات والحروب لتحقيق السلام العالمي المنشود.