د.ماجد عزت إسرائيل
   
 الحقيقة التي نؤكد عليها في سلسلة بهدوء-  إن الله هو راعي الخليقة كلها منذ بدأ أن  يوجد إنسان على الأرض، وقد ورد في إنجيل يوحنا قائلاً: "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ." (يو 10: 11). وبالحق دبر لنا الله في نوفمبر 2012م براعي صالح هو صاحب

القداسة البابا تواضروس الثاني الذي وَرِثَ أرَّثَ ثقيل ومشاكل متنوعة ومتعددة الأشكال سواء كانت هذه المشاكل داخل جدران الكنيسة أو خارجها.وأيضًا سواء ما بين العلمانين إو مابين رجال الإكليروس-  إكليروس كلمة يونانية المقصود بها أصحاب الرتب الكهنوتية الذين يخدمون شعب الله (المؤمنون) من أساقفة وكهنة وشمامسة وهم يحملون صوت الشعب إلى الله ويحملون سر الله وكلمته إلى الشعب- وقد سأل يوما ما أحد شيوخ الرهبان رهبان ديره قائلاً: ما هو سر قوة كنيستنا القبطية الأرثوذكسية؟ فقال بعضهم في قوة البطاركة عبر عصورها التاريخية،  وقال آخر آباؤها المدافعين عنها في المجامع المقدسة ضد الهرطقات، وقال آخرون في طبقة الأراخنة الأغنياء والمحبين للكنيسة مثل المعلم إبراهيم الجوهري وأخيه جرجس والمعلم رزق وحاليًا آل ساويرس، أو آل سعد أو آل باسيلي أما هو فقال: سر قوة الكنيسة في الرهبنة القبطية لأنها فلسفة الديانة المسيحية والجامعة التي تخرج منها مئات البطاركة والأساقفة الذين قادوا الكنيسة بالحكمة، فلكي يكون الإنسان راهباً ينبغي أن تكون له ميول للفلسفة والحكمة؛لأن حياته كفاح وحرمان وإنتاج من أجل هذه الرسالة السامية التي يدرك خلالها أن فضيلته باطلة إن كان ضياؤها لايتعدى جدران النفس البشرية ولاينعكس على البشرية كلها ليغمرها بمعرفة الله. ومن هذا المنطلق وفي السطور التالية بهدوء....تناقش أَوْرَاق مُبَعْثَرَة وخاصة ملف الرهبنة القبطية ونبدأ بنقطة في بحرها بسؤال لصاحب القداسة البابا تواضروس الثاني  متى يعود الراهب من الهجرة المؤقتة لديره؟.

كلمة هجرة تعنى انتقال الإنسان من مكان إلى مكان آخر، وللهجرة عدة أنماط منها الهجرة الداخلية وهى أنتقال الإنسان من مدينة لمدينة داخل ذات الدولة، أما الهجرة الخارجية فهى أنتقال الإنسان لمدينة خارج دولته إي عبر الحدود السياسية. وأيضًا توجد هجرات موسمية وإجبارية واختيارية وعائده ...وهنا نركز على مصطلح الهجرة مؤقتة مثل هجرة الإنسان لعمل ما ثم عودته مرة آخره لموطنه الأصلي. فمتى يعود الراهب من الهجرة المؤقتة (عمل خارج ديره) إلى موطنه الأصلي (الدير)؟.

     قبل الظهور المحدد للرهبنة عاش عدد من النساك المعتزلين خارج المدن والقرى دون أن تربطهم أية قاعدة عامة،ودون أن يخصعوا لأية سلطة محددوة ومارسوا النسلك والعزلة فظهر المتحدون الأوائل،ثم تطور نظام الرهبنة إلى نوعين هما الرهبنة الانفررادية والرهبنة الجماعية(الشركة). فالرهبنة القبطية أساسها الفقر الاختياري فالراهب يترك وظيفته ويترك ممتلكاته وميراثه لأنه يوقن بأن الرهبنة هي أسلم الطرق المناسبة لخلاص نفسه وخيره الروحي والنفسي، وأيضًا إستعداده لحياة البتولية والزهد وعدم التعلق بالأموال والمناصب والمراكز والصيت والشهرة وروابط اللحم والدم مع الأهل والأقارب والأصدقاء مفضلاً التأمل والصلاة والصمت والهدوء وقلة الحركة وعدم الخلطة الكثيرة مع الناس وتضييع الوقت في الكلام والحكايات غير النافعة.

  للأسف الشديد صاحب القداسة البابا تواضروس الثاني حاليًا بعض الرهبان مجرد سيامته راهباً يريد أن يشيد دير لو أمكن له ذلك ليتخلص من شيوخ ديره أو الذهاب للخدمة بالعالم أو يريد أن يصبح أسقفاً – بنعمة ربنا سوف نتاول فيما بعد أساقفة العموم-  بدلاً من أن يتعلم من الشيوخ الحكمة والأمثال والفضائل الصالحة وأن يعمل مع أخوته الرهبان في ديره . الأكثر من ذلك يطلب البعض من الرهبان  الخدمة في الخارج أو الرهبنة في دولة ما مثل الإعارات الخاصة بهيئة التدريس بالمدارس والجامعات. وبمجرد تحقيق رغبته يخرج الراهب كمهاجر مؤقت لخدمة ما بدولة ما ثم بعد ذلك من المفروض عودته، لكن الحقيقة الراهب لا يرغب العودة لديره ونسى كلام شيوخ الرهبان القائل: أن الراهب مثل السمكة لو خرج من ديره يموت أي يموت روحيًا وتعلميًا وفكرياً. لأنه تفرغ للعالم ومشاكلة... وهنا نسى الراهب أنه في طقس سيامته راهبًا تم صلاة الجناز عليه أي مات عن العالم وكل ما فيه.

    على أية حال،بعض الرهبان مجرد ما وصل لبلاد الفرنجة ترك ثوب الرهبنة وتزوج وربما غير مذهبه لمذهب زوجته-  وبعض النماذج لرهبان آخرون يعملون مثل الاجهزة الاستخباراتية كان عمله المنوط به جمع المعلومات والمراسلات وأخبار الناس والعائلات. وهناك بعض الرهبان يتركون ديرهم بحجة المرض وأن علاجه بالخارج وهيسافر كام أسبوع  للعلاج ويرجع لديره، وللأسف تتحول الأسابيع لشهور ولسنوات عدة وينسى أنه راهب وبدل من أن يجول يصنع الخير مثل معلمه السيد المسيح الذي قال عنه الكتاب المقدس قائلا:"يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ، الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ." (أع 10: 38) – للأسف يجول يصنع شر فيقوم بمحاربه الأسقف مضيفه ويكون بلاط له لمحاربته أو يشكل مجتمع له بطريقته ووصلت الأمور لتدنى الأخلاقيات والقيم   
 
   صاحب القداسة البابا تواضروس الثاني متى يعود الراهب من هجرته المؤقته لديره؟ في العديد من المناقشات مع بعض الأساقفة يذكرون أن الدافع الرئيسي لخروج الراهب من ديره سد العجز في خدمة القداس الإلهي. ولكن ليس هذا هو الحل الصحيح لأن مشكلة توفير كهنة للخدمة من الممكن سيامة بعض العلمانين كهنة. ربما يكون أفضل من خدمة الراهب لأن الراهب تم سيامته راهبًا ليخدم بديره في المقام والأخير ولشدة الاحتياجات يتم إنتقاء بعضهم للخدمة خارج الدير أو ربما يتم سيامته أسقفاً لخدمة الشعب وإدارة أبرشية او دير.هنا نؤكد على أن الكاهن الذي يخدم  يتلقي اعترافات ويتدخل في بعض المشاكل لحلها وربما يكون الراهب غير مؤهل لذلك.  

 ودون الدخول في تفاصل هناك عشرات المشاكل كان السبب الرئيسي فيها رهبان يخدمون خارج ديرهم. بل وبعضهم تحول لجابي ومتخصص في جمع الأموال لحسابه الخاص، وآخرون كانوا السبب في تغير مئات الأقباط لمذهبم الأرثوذكسي لمذهب آخر. وأيضًا بعض الأقباط امتنعوا عن الذهاب للكنيسة في الأصل بسب بعض هؤلاء الرهبان الكهنة. بل أن بعض الرهبان الكهنة باعوا ضمائرهم  من أجل المناصب أو رضى بعض الأراخنة عليهم أو من أجل ود أو كسب أو دافع ما. وهناك نماذج لقضايا كثيرة سببها نماذج لبعض هؤلاء الرهبان الكهنة. في مصر  وأستراليا وأمريكا أوروبا. ياليتنا نتعلم من الأزمات والكوارث “ومن وعي التاريخ في صدره ... أضاف أعمارا إلي عمره ".

  وبالتأكيد هناك آباء رهبان كهنة نموذجًا ومثالاً يحتذي به، ولكن كم تبلغ هذه النسبة في المائة ربما لاتتعدى 10 % من عدد الرهبان أصحاب الهجرة المؤقتة أي الرهبان الذين يعشون خارج أديرتهم. في كتاب "سمو الرهبنة" لصاحب النيافة الحبر الجليل الأنبا متاؤس أسقف دير السريان العامر يؤكد على ضرورة التزام الراهب بديره وطقوسه وتعاليم شيوخه الرهبان فكيف يقدر أن يعش راهب خارج ديره؟ وربما هذا الدير في وطن آخر – لقد ترك لنا آباء الكنيسة القبطية الرهبان بصمات في الرهبنة وطقوسها وتقاليدها نقلها عنها أنظمة رهبانية عالمية مثل الرهبنة البندكتية  -  ومن حب الكاثوليك في الأنبا أنطونيوس وتعاليمه كل مدينة جروناو الألمانية تعتبر على اسمه الكنيسة والمستشفي والشوارع والمحلات لدرجة وصلت لعمل تمثال للقديس أنطونيوس وكتبوا عليه "أنطونيوس المصري أب الرهبان" يالها من عظمة لأنه كان مدرسة علمت العالم الرهبنة القبطية فهل حان الوقت لعودة الرهبنة القبطية إلى مكانتها الطبيعية؟ وعودة الراهب المهاجر لديره؟.

وأخيراً، تحية تقدير لصاحب القداسة البابا تواضروس الثاني بابا وبطريرك الكرازة المرقسية.الذي تحمل إرث ثقيل ومخلفات سنين طويلة وملفات معقدة ومضيقات وتربصات وتعليقات ضدد قداسته. ولكن قداسته ثابت لأنه راعي حكيم وصاحب حداثه وفكر وتنوير وهدفه في المقام الأول والأخير الحفاظ على الفلك ومن بداخله.